مطبخ.. الست غالية!! بقلم : عباس الطرابيلي الثلاثاء , 30 أغسطس 2011 02:08 هو مطبخ الغلابة بالفعل.. مطبخ بيتي وبيتك.. وحتي سكان العشوائيات وهو يغطي جانبا مهمًا من حياتنا.. بل جاء ليخفف من غلواء المطبخ الراقي الذي تقدمه قنوات التليفزيون.. الغالية والغنية.. مطبخ الزمالك ومطبخ الرحاب والشروق و6 أكتوبر. وظاهرة برامج المطبخ بدأت علي استحياء منذ 5 سنوات تقريبًا.. حقيقة هناك رؤساء دول وساسة كبار في أوروبا عشقوا دخول المطبخ ولبسوا الفوطة.. وهات يا طبيخ!! ربما من منطلق أن السياسة أيضا طبيخ في طبيخ.. أو ربما رغبة منهم لتخفيف ضغط العمل السياسي وضغوط المشاكل والحروب.. وعرفنا ساسة كبارًا في أوروبا عاشوا أفضل ساعاتهم.. داخل المطبخ.. ومنهم من تجرأ أكثر وأخرج للناس كتباً في فن الطبيخ.. وشهدت هذه الكتب رواجًا كبيرًا. ** ولي - شخصيًا - كتاب عن الأكل والطعام منذ سنوات عنوانه «عجائب الأسفار.. وغرائب الأطباق» وصدرت منه عدة طبعات إحداها كانت من 50 ألف نسخة من مكتبة الأسرة.. وأقبل القراء عليها حتي اختفت طبعاته خلال أيام معدودات.. رغم أنه من بين ما كتبت فيه عن أهم وأغرب الأكلات والأطباق التي أكلتها في مطاعم العالم المشهورة.. والصغيرة.. وأيضا تحدثت عن الأطباق الدمياطية والمصرية الشهيرة، التي تؤكل في الشتاء.. أو في الصيف.. بل شرحت كيفية عمل الفسيخ - تلك الأكلة الشعبية وكيف تدرجت من أيام الفراعنة.. وحتي الآن.. ثم كيف تواجه مشاكل ما بعد أكل الفسيخ!! ومازال الكتاب أكثر كتبي توزيعًا داخل وخارج مصر.. أكثر ألف مرة من كتبي السياسية.. ولما عاتبت ناشر كتبي الأولي وأنا أقول له كيف لا توزع كما يجب، بينما كتاب الأكل يفوقها توزيعا رد وهو يبتسم: يا سيدي أصل المصري يفكر ببطنه.. أكثر مما يفكر بعقله!! واقتنعت. ** وعرفت دول الخليج برامج المطبخ في قنواتها.. وربما كان برنامج «مع أسامة أطيب» وهو شيف مصري كان يقدم برنامجه من تليفزيون دبي، هو الشيف الأكثر شهرة وظل كذلك لعدة سنوات وغارت منه قنوات عديدة وبسبب شهرة هذا البرنامج أخذت قنوات عدة في الخليج تقلد برنامج الشيف المصري «أسامة». وبعد أن سيطرت الاعلانات علي مشاهدي التليفزيون وأصبحت موردًا كبيرًا لهذه القنوات، وغيرها.. وصلت برامج المطبخ إلي التليفزيون المصري.. ونعترف أنه أخذ يذيع هذا البرامج علي استحياء شديد وكان شريف مدكور بالكاريزما التي يمتلكها هو من تشجع وشجع هذا التليفزيون علي تقديم برامج المطبخ.. وقد كتبت عنه مقالاً من سنوات وبعد أن كان المطبخ برنامجا واحدًا أصبح عدة برامج واحد في كل قناة إلي أن دخلت القنوات الخاصة والفضائية هذه اللعبة فتفوقت وتقدمت.. وسادت السوق. وكل هذا النجاح شجع علي إنشاء أول قناة عربية للمطبخ هي فتافيت وكما كانت كتب المطبخ هي الأكثر توزيعًا في العالم.. أصبحت برامج المطبخ، وبالذات في فتافيت، هي الأكثر مشاهدة بلا منازع. ** ولكن هذه البرامج خرجت للأغنياء.. دون غيرهم.. وكان أغلبية المصريين ينجذبون إليها فقط للمشاهدة، ليس أكثر.. ربما يشاهدونها ليستمتعوا بالمشاهدة.. ليس إلا فقد كانت تقدم ومازالت برامج وأطباقًا لا يعرفها إلا شديد الثراء دون غيرهم.. أما تجهيزات هذه المطابخ فهي لا توجد إلا في القصور الملكية وقصور اللوردات بل ربما أكثر!! وجاءت ثورة 25 يناير فقلبت كل الأوضاع.. وأعادت السلطة للشعب.. الشعب البسيط في الأحياء الشعبية.. وربما أيضا في العشوائيات.. وكما أعادت الثورة السلطة للشعب.. كان لابد من إعادة المطبخ للشعب.. والتقط الثوار - وغيرهم - حكايات هذه المطابخ الملكية.. وخرجت للناس قناة 25 وإن كنت لا أعرف من أصدرها ولا من ينفق عليها إلا أنها خرجت علينا بفكرة غاية في الذكاء.. أن تقدم لنا المطبخ الشعبي.. مطبخ الأسرة العادية البسيطة التي تدبر تكاليف طعامها «يدوبك بقروش قليلة.. في طعام وأطباق بسيطة تلائم «الجيب المصري» ولكن بطريقة أفضل مما تقدمه البيوت. ** وجاء الاكتشاف الأكبر: الست غالية.. سيدة مصرية.. صعيدية من الصعيد الجواني.. تسكن في الوراق.. في جزيرة محمد.. في جزيرة البحرين.. في بولاق الدكرور، أي تسكن في أي حي شعبي.. وأخذت الست غالية تقدم لنا أطباقًا مما كانت أمهاتنا تقدمها لنا فيها كل البساطة والأهم فيها «النفس» الذي تشتهر به أمهاتنا.. وأخذت تقدم لنا الكشك الصعيدي من شوربة الأجنحة.. فجاء أطعم من الشركسية بالديوك الرومي.. وسمك المكرونة والبياض وليس «الوقار» وسمك السالمون مدخنًا أو مقليًا أو مشويًا.. وتقدم خضراوات بنت البلد وليس البروكلي وتشرح لستاتنا كيفية صنع الفولية الخضراء.. وتتفنن في تقديم الأكل «القرديحي» يعني من غير لحوم من القطعيات غالية الثمن. ** وأهم ما يميز مطبخ الست غالية هو المعدات البسيطة من حلل الومنيوم عادي و«صواني» من أرخص الأنواع.. وبوتاجاز بسيط مثل الذي تحلم به أي عروس من الدويقة!! ويوم أن اشترت قطعة مطبخ مثل هذا البوتاجاز.. احتفلت مع مشاهديها.. ويا سلام علي منظر القلل الحمراء.. وهي لا تستخدم الجوانتي ولا الخلاطات غالية الثمن. وأخذت تقدم للمشاهدين كيفية عمل العرقسوس والتمر هندي وتخليل الزيتون وتمليح اللفت والخيار. واكتسبت الست غالية شعبية كبيرة خلال أيام قليلة.. شعبية الطباخة بنت البلد.. وكانت غالية هي الاكتشاف.. وهي المكسب لكل المصريين.