كان الأمير شيخ أحد أمراء المماليك الأتقياء الذين عرف عنهم التدين الشديد والورع، وربما لهذا السبب أطلق عليه «شيخ «، وقد تعرّض الرجل لمحنة فى بداية حياته، وتم سجنه فى خزانة كان يُسجن فيها المجرمون فى القاهرة الفاطمية، وذلك أيام تغلب الأمير منطاش وقبضه على المماليك الظاهرية، وحدث أن قاسى «المؤيد» في ليلة من البق والبراغيث، فنذر لله تعالى إن تيسر له ملك مصر أن يجعل هذه البقعة مسجدا لله عز وجل، ومدرسة لأهل العلم، وقد أوفى بنذره. وفي رواية أخرى أن سبب سجن المؤيد هو وصول وشاية للسلطان برقوق بأن المؤيد يريد أن يقوم بانقلاب علي الحكم فأمر بسجنه في هذا المكان. ويحكى المؤرخ ابن تغربردى أنه نذر نذرًا إن حرره الله من سجنه ورفع عنه الظلم الذى تعرّض له، ثُم أغناه ليشترى ذلك السجن ويحوّله إلى مسجد كبير يكون حديث الناس. ولاشك أن سنوات التيه والصراع والاضطراب التى سادت القرن الخامس عشر الميلادى كان يُمكن أن تؤدى إلى تحويل المساجين إلى حكام، والحكام إلى مساجين وضحايا، ففى ظل الانقلابات المتتالية والدسائس والمؤامرات اليومية كانت تحولات السياسة سريعة ودرامية ومُدهشة. وشاء الله أن يتحرر الأمير شيخ، ثم يتم توليته سلطانا على مصر ويتم تلقيبه بالمؤيد، وكان أول ما فعله هو طلب شراء المكان الذى سُجن فيه من قبل. وجلب السلطان مُهندسين وبنائين وفنيين مهرة وأنفق كُل ما لديه لبناء الجامع حيث قدرت النفقات بنحو 400 ألف دينار، وقد حرص المسئولون عن البناء أن يربطوا بين أسوار القاهرة الفاطمية وبين مئذنة المسجد، الذى ما زالت تُفضى إلى بوابة المتولى على يمين مسجد الحاكم. ويقول فيه المقريزي: «فهو الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه، وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان، ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان..». ورغم تدين واستقامة السلطان المؤيد شيخ واهتمامه بالعلماء والخيرات، الا أنه كان ضعيفًا فى أمور السياسة، مترددا عن مواجهة مراكز القوى المستفحلة، ممتنعا عن زجرهم، وهو ما جعل سيطرته على الحُكم ضعيفة، لذا فقد انتشر الفساد وتعددت المظالم من جانب الأمراء تجاه الرعية ولم يُحرّك الرجل ساكنًا. ويبدو أن انشغال الأمراء بترتيب أوضاعهم فى ظل غيابه دفعهم إلى عدم عمل جنازة له حتى أنه قيل أنه دُفن على عجل دون كفن أو جنازة أو مشيعين. ورغم أن حُكمه امتد تسع سنوات، إلا أن أحدا لم يشعر أنه ترك إى انجاز سوى ذلك المسجد الشهير والباقى لنا حتى الآن.