هل فقدنا وثائق الحقانية بقلم: علاء عريبى السبت , 27 أغسطس 2011 08:05 ربما منذ عام كتبت هنا عن الوثائق المحفوظة في محكمة الحقانية بالإسكندرية، ودعوت وزارة الثقافة إلى إنقاذها من التلف ونقلها من الحقانية إلى دار الوثائق، وكانت مناسبة ذلك اشتعال النار فى مبنى المحكمة، وأذكر بعد نشر هذا المقال أن اتصل بى المستشار عبدالسلام تمراز مساعد وزير العدل السابق، وأكد لى أن الوثائق فى أمان ولم تمسها النيران ، واتفقنا أن نلتقى فى مكة خلال أداء فريضة الحج، حيث كنت على وشك السفر لأداء الفريضة، وهو كان على سفر لرئاسة وفد حجاج وزارة العدل، وللأسف وسط الزحام لم نلتقيا، ولم أطمئن منذ ساعتها على هذه الوثائق الهامة، والتي تعود علاقتي بها إلى عام 2004، عندما تعرفت على المستشار تمراز، عندما كان يشغل منصبا هاما في الحقانية(لا أذكره)، وجاء التعارف عبر الزميل والصديق زكريا فكرى، وتمت عملية التعارف في جلسة جمعتنا بكافيه”أفندينا” في استانلى بالإسكندرية، وكانت الجلسة تضم بعض القضاة ورؤساء المحاكم، وخلال الجلسة حدثني المستشار تمراز عن أرشيف الحقانية، وحلمه في إقامة معرض يضم قضاياه ولوحاته، وأكد لي انه يضم ملفات قضايا تعود إلى عام 1890 فيما فوق، ولأهمية هذا الأرشيف اتفقنا على أن يستضيفني في مكتبه بمبنى الحقانية بالمنشية في الصباح والاطلاع هذا الكنز، فى الموعد كنت في مكتبه واحتسيت القهوة وأنا أستمع لحلمه عن المتحف الذي يريد إقامته في المبنى، بعد فترة اصطحبني إلى الغرفة التي تضم اللوحات الأثرية، وطلبت منه أن يتركني أطلع لفترة ثم التقيته في مكتبه، وكانت القضايا مرتبة حسب السنة والشهر في حافظة ورقية تم ربطها بدوبارة، ووضعت على أرفف من الخشب وبعضها حديد، حوائط الحجرة التي تضم الملفات أكلتها الرطوبة، وأرضيتها خشبية تآكل بعضها منذ سنوات، وأذكر أن الأرفف كانت تضم سجلات قضايا تعود إلى أكثر من مائة سنة، بعضها يعود للمحاكم المختلطة تمت كتابتها باللغة الفرنسية، وكانت هذه السجلات مجلدة بمشمع أخضر وأخرى بمشمع أزرق، كتب على كعبها وصدرها المحكمة المختصة وسنوات القضايا، قضيت ربما ساعة أو أكثر في هذه الحجرة، وأذكر أنها لم تكن كبيرة، فقط كان سقفها مرتفعاً مثل جميع المباني القديمة، ألوان حوائطها لا تستطيع تحديدها بسبب الزمن والرطوبة، اطلعت على العديد من القضايا في أكثر من حافظة، أغلب ما قرأت كان مشاكل تجارية وقضايا ميراث، وبالمصادفة وقعت في يدي قضية تعود لأوائل فترة الثلاثينيات، لسيدة تتنازع مع أقاربها على محل تجارى كان لزوجها، وكانت القضية تنظر أمام إحدى محاكم الإسكندرية، والمفاجأة في هذه القضية بالنسبة لى، أن المحامى الذي كان يترافع فى هذه القضية لصالح السيدة هو أحد أفراد عائلتي من أتباع الديانة اليهودية، وهو الأستاذ زكى عريبى المحامى اليهودي الشهير، وكان الأستاذ زكى من الفرع اليهودي بالعائلة، مكتبه كان في شارع خيرت، وكان عضوا فى البرلمان المصري قبل قيام الثورة، وقد كان ضمن اللجنة التي اختارها الرئيس جمال عبدالناصر لإعداد أول دستور للبلاد في عهد الثورة، ولم يكتمل هذا المشروع ولم يظهر للنور لأسباب تعود لقيادات الثورة وللرئيس جمال عبدالناصر، وقمت يومها بتصوير أوراق القضية ومازلت أحتفظ بصورتها لليوم، وكنت أتمنى أن اجمع من هذه الملفات جميع القضايا التي تخص الأستاذ زكى عريبى، لكن ضيق الوقت لم يسعفني، خاصة أن هذه الفكرة تحتاج إلى ساعات وأيام أطلع فيها على جميع ملفات القضايا. بعد عودتي من الحج انشغلت في العمل والكتابة، وفجأة قامت ثورة يناير وخرجنا جميعا للشوارع نهتف: الشعب يريد إسقاط النظام، وتنحى الرئيس، وغاب الأمن وانتشرت الفوضى وتغيرت الوزارات، فهل مازالت هذه الوثائق فى مبنى الحقانية؟، ألم تنقلها وزارة الثقافة إلى دار الوثائق؟