الدكتور محمد الألفى أستاذ الاقتصاد السياسى بجامعة السوربون بفرنسا واحد من المصريين الذين قضوا سنوات طويلة من حياتهم بالخارج، ولكنه أولى الاقتصاد المصرى اهتماما خاصا باعتباره العامل الأساسى لإنقاذ مصر من عثرتها، فالإصلاحات السياسية لن تطعم ملايين الأفواه الجائعة، ومن هنا فهو يرى أن الاقتصاد المصرى شهد نقلة كبيرة خلال عام من عهد السيسي، ولكن هناك المزيد يجب أن يتحقق، ورغم انه يرى أن الاقتصاد المصرى يحتاج إلى 15 شهراً فقط من تاريخ افتتاح القناة ليتعافى إلا أنه يرى أن الحكومة المرتعشة الحالية ستكون عقبة فى سبيل التنمية. ويقول الدكتور الألفى: إن الرئيس السيسى تولى الحكم بعد 4 سنوات من الانهيار التام، كانت الدولة تنفق خلالها من الاحتياطى النقدى، حتى إن الدولة لجأت إلى فك وديعة ال 9 مليارات الخاصة بحرب الخليج والتى لا تفك إلا بإذن وزير الدفاع شخصيا، وحتى المساعدات الخليجية كلها تم إنفاقها لتوفير الغذاء والوقود، ومن هنا كان أمام الرئيس السيسى تحدٍ كبير وهو إنقاذ الاقتصاد المصرى المثقل بأعباء الميزانية الضخمة التى تتحمل أعباء توفير رواتب 6 ملايين موظف يعملون فى الجهاز الادارى للدولة فى حين أن الأعمال التى يقومون بها تحتاج إلى 2.5 مليون موظف فقط، بالاضافة إلى أعباء خدمة الدين التى تصل إلى 50 مليار جنيه سنويا، وضعف الناتج القومى الاجمالى، وعجز الموازنة الشديد، لذلك تحرك الرئيس فى عدة اتجاهات، وبدأ بالمشروعات الكبرى مثل مشروع قناة السويس والذى سيرفع دخل مصر من القناة من 5.5 مليار دولار إلى 13 مليار سنويا، بالاضافة إلى إنشاء منطقة اقتصادية على مساحة 600 كيلو متر وهى تمثل 3 أضعاف مساحة منطقة جبل على الحرة بالامارات، ويتم الآن التسويق لهذه المنطقة عالميا ليصل دخل مصر منها إلى 100 مليار جنيه، كما تم توقيع اتفاق شراكة شاملة مع الصين وهى تعتبر من أهم الاتفاقيات التى تم توقيعها لانها تضمن تعاوناً مصرياً صينياً فى كافة المجالات الصناعية والزراعية والتجارية والعسكرية، وتعد مصر هى الدولة الرابعة التى تعقد الصين معها هذه الاتفاقية، هذا بالاضافة إلى صفقات السلاح والطائرات مع فرنسا وروسيا وألمانيا حتى إن الولاياتالمتحدةالأمريكية أعادت المعونات العسكرية لمصر، كما نجح الرئيس فى القضاء على مشكلة نقص الطاقة أولا بتقليص الدعم الموجه لها، فلا توجد دولة فى العالم كله تدعم المواطن فى كل شىء كما يحدث فى مصر، كما تم بدء إنشاء 4 محطات جديدة لانتاج الطاقة الكهربية خلال العام الماضى والخامسة سيتم افتتاحها قريبا وهو ما يعنى حل 90% من مشكلة الكهرباء التى ستنعكس على الصناعة والاستثمار، وجرى توقيع عقد انشاء 3 محطات لانتاج الكهرباء مع شركة سيمنز الألمانية ب 6 مليارات دولار على أن يتم الانتهاء منها خلال 18 شهرا، هذه المحطات التى تم إنشاؤها فى عام توازى ما تم انشاؤه خلال ال 30 عاما الماضية، ولأول مرة يدخل القطاع الخاص فى مجال انتاج الطاقة المتجددة وتم إنشاء عدة شركات لإنتاج الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية إحداها بواحة سيوة، كما تم إعفاء الموازنة من أعباء رواتب المستشارين التى كانت تقدر ب 18 مليون جنيه سنويا، وأعادت الدولة اهتمامها بمحور الاسكان الاجتماعى وبدا العمل فى إنشاء 274 ألف وحدة سكنية تم الانتهاء من 50 ألف وحدة منها بالفعل، بالاضافة لمشروعات الطرق التى تصل إلى 3200 كيلو متر تتعاون فيها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مع الشركات الخاصة، كما تم تطوير 6 موانئ بالاضافة إلى مشروعات الاستزراع السمكى التى ستتم فى أحواض الترسيب بمحور قناة السويس بتعاون مصرى - إسبانى، كل هذا تزامن مع بدء العمل بالعاصمة الادارية الجديدة التى بدأت أعمال الرفع المساحى لها وجارى إعداد دراسات البدء فى الانشاء، ورغم كل هذه الخطوات إلا أن هناك المزيد من الخطوات، لابد من اتخاذها حتى يتحسن الاقتصاد المصرى وتتحسن معه أحوال المصريين كما يقول الألفي، فلابد من التخطيط لإنشاء 5 عواصم اقتصادية جديدة تكون بمثابة أمن قومى واقتصادى لمصر، يتم انشاؤها فى الشمال الشرقى بسيناء لضمان تنميتها بوتيرة سريعة جداً، خاصة أن الأحداث الماضية أثبتت أن عدم تنمية سيناء جعلها بيئة حاضنة للارهاب، وهذه المنطقة يمكن استزراعها وإقامة مشروعات سياحية وتعدينية وصناعية بها، وبذلك نضمن القضاء على الارهاب فيها وتنميتها وتأمينها، فالأرض الخالية تساعد على الاحتلال، أما العاصمة الثانية فيتم انشاؤها فى الشمال الغربى لتنمية مناطق مرسى مطروح والصحراء الغربية، ومن خلالها يمكن ربط مصر اقتصاديا بدول جنوب أوربا وشمال افريقيا، والثالثة يتم إنشاؤها فى الجنوب الشرقى لتنمية مناطق حلايب وشلاتين والمناطق المحيطة بها وكلها مناطق بكر يمكن استخدامها فى المشروعات السياحية ومشروعات الثروة السمكية، وبذلك نغير اتجاه هجرة أهل الجنوب، فبدلاً من الهجرة للشمال تصبح هجرتهم إلى الجنوب، ونؤمن الحدود الجنوبية ونفتح خط تصدير مع دول افريقيا، ونعيد هيكلة الديموغرافيا السكانية لمصر، والعاصمة الرابعة يتم انشاؤها فى الجنوب الغربى للاستفادة من الثروة المعدنية والمحاجر الموجودة فى هذه المنطقة، ويمكن عمل مشروعات صناعية وتعدينية بها نقتحم بها دول وسط افريقيا، كما أن وجود السكان فى هذه المنطقة يحمى من تسلل المهربين والمخربين عبر الحدود، والخامسة يتم انشاؤها فى محافظة الوادى الجديد، التى تساوى مساحتها 49%من مساحة مصر الاجمالية، ومعظمها غير مستغلة ولا يعيش فيها سوى 200 ألف نسمة فقط، ويمكن إقامة مناطق صناعية وزراعية ومشروعات تصنيع زراعى للتصدير، بالاضافة إلى المشروعات السياحية، كذلك لابد من البدء فورا فى مشروع استزراع المليون فدان بشرط انشاء ريف نموذجى له، ظهير صناعى لتصنيع المحاصيل الزراعية، ويمكن استخدامه فى السياحة البيئية أيضا، وهذا النوع من السياحة لم يأخذ حقه فى مصر رغم وجود المقومات اللازمة له حيث يوجد لدينا 144 جزيرة فى النيل لم يتم الاستفادة منها، فى حين دولة مثل المغرب لا تمتلك سوى السياحة الشاطئية والبيئية ومن خلالهما تستقبل 10 ملايين سائح وتستهدف وصول هذا الرقم إلى 20 مليوناً عام 2020، فى حين أن مصر تستهدف نفس الرقم رغم وجود ثلث آثار العالم بها، وأضاف فرنسا لديها 5 مزارات سياحية فقط هى برج ايفل، قوس النصر، كاتدرائية نوتردام، متحف جورج بومبيدو وأخيرا متحف اللوفر، ومعظم ما به آثار مصرية، ومع ذلك تجتذب فرنسا 100 مليون سائح سنويا، فالمشكلة فى مصر تكمن فى الادارة، فالسياحة تحتاج إلى فكر جديد لتطويرها و ليس إلى موظفين، كما هو الحال الآن. وأكد الدكتور الألفى أن هذه المشروعات لو تم تنفيذها لتمكنت مصر من الانتقال إلى مصاف الدول العظمى، ولتم القضاء على مشكلات الفقر و البطالة، فالتنمية هى الحل الوحيد للقضاء عليهما، مع ضرورة الاهتمام بقطاعى الصحة والتعليم ومد مظلة التأمين الاجتماعى لتشمل المحتاجين فعلا، وأشار إلى ضرورة تقوية الدولة حتى تتمكن من الحصول على مستحقاتها من التأمينات ومنع التلاعب فى التأمين على العاملين فى المنشآت الخاصة، والضرائب، فإذا حصلت الدولة على حقوقها كاملة ستتمكن من حماية الفقراء وتوجيه الأموال لقطاعى الصحة و التعليم اللذين يهمان القطاع الأكبر من المواطنين والخدمات فيهما متدنية للغاية، وطالب بضرورة الاهتمام بالأطفال الذين يقدر عددهم ب 35 مليون طفل و إذا لم نضع برنامجاً عاجلاً للاهتمام بهم سنصبح دولة بلا مستقبل، واقترح الدكتور الألفى انشاء مدن طبية متخصصة و شاملة يتم توظيف ملايين الأطباء وأعضاء أطقم التمريض فيها، على أن تشمل هذه المدن مستشفيات عالمية متخصصة خاصة أن مصر لها سمعة عالمية فى مجالات عمليات القلب المفتوح والحقن المجهرى وطب العيون وغيرها من التخصصات، وإذا كانت تايلاند قد تمكنت من اجتذاب 3 ملايين مريض عربى للعلاج فى مدنها الطبية، فيمكن لمصر بحكم موقعها فى وسط العالم العربى وافريقيا أن تجتذب 6 ملايين مريض للعلاج، وبذلك تصبح لدينا سياحة علاجية تدر دخلا كبيرا للدولة و يعمل بها ملايين الأفراد. وأضاف الألفي: إن التضخم والبطالة هما أخطر ما يواجه الاقتصاد المصرى ولكن مشروعات التنمية ستقضى على البطالة، والتضخم ينتهى إذا نجحنا فى رفع قيمة الصادرات المصرية، وتدفقت الاستثمارات المباشرة، كما يجب السيطرة على اقتصاد التجزئة الذى تقوم به البنوك حاليا، لأنه يدمر الاقتصاد الوطنى، فتوسع البنوك فى إصدار كروت الائتمان والقروض تجعل الاقتصاد استهلاكياً، مع ضرورة إدخال الاقتصاد غير الرسمى الذى يمثل 50% من الناتج القومى داخل منظومة الاقتصاد الرسمى حتى تحصل الدولة على حقوقها فى الضرائب والتأمينات، ووضع منظومة جديدة للضرائب تمنع التلاعب وذلك بمنع التعامل النقدى بين المؤسسات التجارية أولاً، تمهيدا لتطبيق هذه المنظومة على الأفراد أيضاً. وأكد أن مصر فى حاجة إلى وجود شكل جديد للاقتصاد المصرى بعيدا عن القوالب الجامدة، فنحن فى حاجة إلى نظام اقتصادى واجتماعى وطنى متوافق مع ظروف وإمكانات الدولة المصرية، ويجب أن يتواكب مع هذا إصلاح التعليم بحيث نضمن الحصول على خريجين بكفاءة عالية، وتدريبهم تدريبا عاليا للاستفادة منهم فى النهوض بالاقتصاد والدولة ككل.