كارثة كبرى.. أن تجد أقصى أحلام شاب من الشباب.. يتجسد فى هذه العبارة القاتلة.. أغور فى ستييييين داهية!! وهى عبارة تعنى باختصار.. فقدان أى أمل فى هذا البلد.. حتى أصبح الفرار منه.. والهروب من بين جدرانه.. أقصى الأمانى.. وأعظم الاحلام!! قبل الثورة.. كنت أسمع هذه العبارة من كل شاب التقيه.. وكانت تنزل على أذنى وتؤلمنى.. وكأنها رصاص منصهر.. يسكب فى أذنى.. لأننى أتفهم معناها ومغزاها.. وما يمكن ان تؤدى اليه!! فدائما تحضرنى عبارة شاعرنا الكبير.. وملك الرومانسية نزار قبانى..عندما قال: - بين المواطن والوطن «عقد».. فاذا أنت يا وطن وفرت لى السكن والعمل والزواج.. فلك ان تسألنى أين انتماؤك.. أما إذا لم توفر لى ذلك فلا تسألنى هذا السؤال؟! وصدق نزار.. فهل يمكن لنا ان نفهم ما أقدم عليه الشاب السكندرى.. والذى ذهب برجليه إلى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.. ولما سألوه: ماذا تريد؟! - فقال لهم جملة واحدة.. أنا عايز اشتغل جاسوس!! أي والله هذا ما قاله الشاب السكندرى.. الذى ضاقت الدنيا من حوله.. حتى أصبحت أضيق عليه من ثقب الابرة.. بعد أن عجز عن إيجاد أية فرصة عمل بعد تخرجه فى الجامعة.. وظل يأخذ مصروفه من والده.. ولم يجد أمامه إلا المقهى فكان يجلس عليه من الصباح حتى المساء.. ولا يعود إلى منزله.. إلا بعد نوم أبويه.. حتى يتحاشى نظرات العطف والحزن من عيونهم.. كما انه رأى ان سنوات عمره.. بدأت تتسرب من بين يديه.. دون أن يتجرأ على التقدم لخطبة فتاة.. لأن السؤال الأول لوالد الفتاة سيكون: انت بتشتغل ايه؟! أما السؤال الثانى: هل لديك شقة؟! أما السؤال الثالث: كم ستدفع مهرا؟! وكلها أسئلة سيعجز صاحبنا عن الاجابة عليها.. ومن هنا وحفظا لماء وجهه.. ألغى فكرة الزواج تماما!! ولكن المأساة التى لاحقته.. وكما يقولون رضينا بالهم.. والهم مش راضى بينا.. فالمقهى لفظته.. لأنها تحتاج فلوس.. ثمنا للمشاريب.. كما أن الصوم عن الزواج لم ينفعه.. أمام نداء الطبيعة.. وصرخات الرغبة البشرية.. وهنا ضاقت الدنيا على الفتى.. ولم يجد له ملاذا.. إلا سفارة اسرائيل ليعمل بها جاسوسا!! ولولا انسانية ضابط أمن الدولة الذى قدر حالة الشاب.. وتفهم كارثته لضاع الفتى.. اكثر مما هو ضائع.. ولربما وصل به الأمر لحبل المشنقة.. جزاء لخيانته لوطنه!!! بالطبع نحن لا نبرر العمل الجنونى.. الذى اقدم عليه الشاب.. ولا نلتمس له أى عذر.. ولكننا نحاول أن نتفهم دوافعه.. وظروفه التى أوصلته إلى نار الخيانة للوطن. ذلك الوطن الذى دفع به دفعا لاحضان الخيانة.. ونار العمالة!! والغريب أن أحوال الشباب بعد الثورة.. لم تختلف عن حالهم قبلها.. بل ان الأمر ازداد سوءا.. وابواب الرزق باتت أكثر ضيقا.. والمصانع أغلق أغلبها.. وتوزع الفقر بالعدل والقسطاط على الشعب.. ماعدا فئة «الهليبة».. ومن عرفوا من أين تؤكل الكتف.. فهؤلاء زاد ثراؤهم.. وانتفخت كروشهم.. حتى كادت تنفجر من التخمة!! ومن هنا فنحن نحذر من خطورة انفجار هذه القنبلة التى باتت مخبأة فى نفوس الشباب.. لأن مكوناتها اليأس والاحباط والغضب.. فلو انفجرت فلن تبقى على شىء!!