الحقيقة المؤكدة ان الصرف- في البحيرات الشمالية- هو السبب الرئيسي في كل الكوارث التي تضرب سكان المحافظات الشمالية- من غرب بورسعيد إلي دمياط والدقهلية.. ثم الغربية وكفر الشيخ.. وإلي محافظة البحيرة. وليت هذا الصرف اقتصر علي الصرف الزراعي.. ولكننا استخدمنا هذه المصارف لنقل وصرف المخلفات الصناعية- بكل ما فيها من معادن شديدة الضرر- وصرف المخلفات البشرية.. أي المجاري.. وقد تفاقمت المشكلة بتعاظم الصرف الصحي عندما عجزنا عن معالجة مجاري القاهرة الكبري.. حيث كنا نلقي بهذه المخلفات في هذه المصارف دون أي معالجة.. كان الهدف هو مجرد إبعادها عن القاهرة ثم أيضاً كارثة استخدام هذه المصارف للتخلص من مخلفات المصانع لنلقي بها شمالاً.. ولعل مصرف كتشنر خير مثال.. إذ يحمل هذا المصرف مخلفات مصانع المحلة الكبري وكفر الزيات وكفر الدوار إلي بحيرة البرلس ثم امتد الخطر إلي بحيرة ادكو، غربها. ومن المؤكد ان هذه المصارف هي السبب الرئيسي في انتشار أمراض الفشل الكلوي وفيروس سي وغيرها، ولذلك نجد محافظاتدمياط والدقهلية وكفر الشيخ هي الأكثر إصابة بهذه الأمراض الفتاكة. ولما كانت القاعدة الصحية تقول: الوقاية خير من العلاج.. أو مليم وقاية أفضل من قنطار علاج، فإن نفس القاعدة تطالبنا بعلاج أسباب انتشار هذه الأمراض.. فلماذا لا نخصص جزءاً مما نخصصه للصحة لنعالج هذه الأسباب. وهذه الأسباب تمتد إلي معالجة المخلفات، قبل إلقائها في هذه المصارف حتي لا يضطر الفلاح إلي استخدام هذه المياه القاتلة في الري بسبب نقص مياه الري، وبالذات في مناطق نهايات الترع، وهنا لابد من سحب جزء من ميزانية حماية النيل والترع- بل والمصارف الزراعية- للإنفاق منها علي هذه الحملة.. وأن تساهم فيها أيضاً وزارة الزراعة.. أي المسئولية هنا جماعية، وبالطبع معها كلها- وزارة البيئة! وعلينا تجزئة أسباب المشكلة.. أي نبدأ بالمقاومة من المنبع، أي من المصانع بإجبارها علي معالجة أي مخلفات قبل أن تخرج منها إلي هذه المصارف وأن نجبر وزارة الإسكان «والمرافق» علي معالجة المجاري، تماماً قبل أن تلقي بها هيئات الصرف الصحي، في هذه المصارف.. وهنا لابد من فرض عقوبات بالسجن والفصل والغرامات المالية، علي كل من يسمح بهذه الجريمة.. أقول ذلك وأنا أعرف تماماً حجم وأعباء هذه المعالجة.. ولكن الشعب «يدفع» أيضاً حصته مع كل فاتورة لاستهلاك المياه، ويبدو ان هذه المبالغ تدخل الخزينة العامة تماماً مثل «معونة الشتاء» أو مثل رسوم النظافة، دون أن تستخدم فيما فرضت فيه! الخطوة التالية هي معالجة هذه المخلفات ، أو ما يتسرب منها، قبل أن تصل إلي البحيرات الشمالية: المنزلة، البرلس، ادكو، مريوط.. حتي لا تتحول إلي غذاء تأكله الأسماك.. لنأكلها.. ونصاب بالأمراض. وإذا كانت هناك مصارف تصرف في البحر المتوسط مباشرة مثل مصرف دملاش، إلا أن العديد من المصارف تصب في بحيرة البرلس مثل مصرف نمرة 7 ومصرف أريمون والبحر الصعيدي، ثم ما يصب في بحيرة ادكو مثل مصرف كتشنر.. ومصرف ادكو ومصرف العموم الذي يصب في بحيرة مريوط ويمر جنوب بحيرة ادكو.. أما كارثة مريوط فهي الأكبر منذ أخذنا نلقي فيها مجاري مدينة الإسكندرية والمؤلم انها ليست بعيداً عن ملاحات المكس التي تنتج ملح الطعام الذي يستخدمه كل المصريين! ثم علينا اتخاذ خطوة حازمة لحل مشكلات نهايات الترع، خصوصاً في فترات التحاريق.. إذ ان نقص المياه بها يجبر المزارعين علي استخدام أي مياه.. لري أراضيهم! ورحم الله زمناً كانت الإسكندرية منذ نشأتها تعتمد فيما تستهلك من مياه، علي بحيرة مريوط التي كانت تصب فيها ترعة المحمودية الشهيرة، الآن يقتلها مصرف: العموم! الذي يحمل مخلفات مصانع كفر الزيات ودمنهور وكفر الدوار وأبوحمص وبقايا مياه ترعة الحاجر.. ورحم الله مصرف ناهيا الذي ينقل مخلفات مجاري الجيزة، وغرب النيل عند القاهرة. عالجوا الأسباب- يامحلب بك- ياكتخدا مصر العظيم المعاصر وأنتم تعالجون نتائج تلوث بحيرة المنزلة وأخواتها!