سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المناطق التاريخية تحولت لورش ومخازن ومحلات لبيع البضائع آثار القاهرة الفاطمية.. تحت احتلال العشوائيات
"الأوقاف" تؤجرها للتجار.. و"الآثار" عاجزة عن إخلائها
جوامع أثرية، أضرحة، سبل، مشربيات، بوابات القاهرة التاريخية. هذه المعالم الأثرية العريقة فى قاهرة المعز لدين الله الفاطمى، تتعرض يومياً للكثير من التعديات والانتهاكات الصارخة المقصودة وغير المقصودة، الصادرة من بعض الأشخاص الذين لا يقدرون قيمة الأثر أو معناه التاريخى، مما يهدد الثروة الأثرية بالضياع والزوال، فتحولت هذه المناطق إلي مايشبه العشوائيات المحتلة من باعة جائلين ومحلات قائمة. الاهمال يهدد شارع «المعز» ويشوه الآثار والمساجد التاريخية التي نفتخر بها عالمياً وتعد مصادر دخل سياحي ولا ينبغي الصمت، القاهرة الفاطمية بأكملها أصبحت تعاني من الانهيار والتشوه الجمالي من سكان هذه المناطق ومن المسئولين عنها، حتى كادت أن تطمس ملامح هذه الآثار الإسلامية، التى كانت بالماضى شاهدة على روعة فن العمارة الإسلامية، ودقة الصانع المصرى فى نشر الحضارة الإسلامية، والذى يمتد جذوره إلى أكثر من ألف عام . عندما قامت «الوفد» بجولة في القاهرة الفاطمية، لتتفقد المساجد والأسبلة كانت المفاجأة أن معظمها تحول إلي مخازن وورش ومحلات لبيع البضائع اليدوية والبعض الآخر منها «مهجور» تسكنه الحشرات والقوارض وأطفال الشوارع، فى الوقت الذى عجزت فيه الوزارات والأجهزة المعنية عن التدخل لحمايتها حفاظاً على الإرث الأثرى من الفناء والدمار. وكانت المفأجاة الثانية التي اكتشفتها الوفد، أن وزارة الأوقاف تؤجر بعض المواقع المجاورة للآثار .. ووزارة الآثار لكونها الجهة المنوط بها حماية الإرث الأثرى تعجز عن إخلائها، حتي صارت الفوضى سمة مناطق الآثار الإسلامية، التى حولها الباعة وعمال الورش والمخازن إلى سوق مفتوحة تهدد أغلى ما تملكه مصر من آثار إسلامية بالدمار أو الاحتراق فى أى لحظة، فى ظل غياب العقوبات التى تصل إلى الحبس سبع سنوات وغرامة 100 ألف جنيه .. وتبقى الأسئلة معلقة بلا إجابات .. كيف نحمى آثارنا الإسلامية من التعديات عليها؟ .. وما خطورة تأجير الأوقاف للمواقع المجاورة للآثار؟.. ما مسئولية وزارة الآثار فى الحفاظ على تلك الآثار وتجديدها وترميمها؟.. وهل سننتظر حتى تغيير ملامح هذه الآثار وتدميرها أو تهدمها وبالتالى نفقد جزءاً من تاريخنا فى سبيل جنيهات معدودة تحصلها الأوقاف مقابل الإيجار؟! تشويه متعمد عندما انطلقنا في قاهرة المعز لدين الله الفاطمى، أقدم شارع على الإطلاق فى مصر، الذى يربو عمره على 1045 عاماً، صدمنا الواقع البشع الذى تعيشه آثارنا التى تعانى الإهمال.. وكادت معالمها تزول نتيجة إهمال المسئولين من ناحية، وتحويل الأهالى لها إلى ورش ومخازن أو محلات تجارية من ناحية أخرى في تشويه متعمد. أما جامع «الغورى» الذي يعتبر من أهم المساجد الأثرية التاريخية بشارع المعز لدين الله الفاطمى، فقد انتشرت به أكشاك الأقمشة والملابس والإكسسوارات الحريمى، حتى كادت معالمه تختفى من فوضى البائعين، الذين استغلوا ساحة الجامع فى عرض بضائعهم وبيعها للمواطنين . ولم يتوقف الأمر عند احتشاد الباعة فى هذه الشوارع التاريخية، بل وصل الاستهتار بالآثار إلى حد يجعلهم يعرضون بضائعهم ويعلقونها على المبنى الأثرى، وهذا الوضع رأيناه أيضاً على جدران «قبة الغورى»، فى غياب تام عن أعين جهات المسئولين عن هذه الآثار . وقد سألنا أصحاب هذه المحلات، عن الجهة التى تؤجر لهم .. فقالوا جميعاً: إنها وزارة الأوقاف. وكذلك الحال بالنسبة ل «سبيل محمد على»، الذى أنشأة محمد على باشا كصدقة على روح ابنه طوسون، ومسجد «المؤيد شيخ»، ومسجد «إسلام بن نوح»، وهى كلها أماكن أثرية، استغل الباعة الجائلون صمت المسئولين، وانتفعوا بها، وافترشوا أمامها بضائعهم، وعلقوا على جدرانها المفروشات والملابس، وبدلاً من أن تعلق لافتات إرشادية للتعريف بتاريخ وأهمية هذه الأماكن الأثرية، استبدلت بلافتات مكتوب عليها «البضاعة لا ترد ولا تستبدل». و هناك «جامع الفكهانى» المعروف ب «جامع الأفخر سابقاً - بشارع الغورية» المعز حالياً وهو أحد الآثار الفاطمية أنشأه الخليفة الفاطمى الظافر بنصر الله عام 1148 م، وجدناه قد اختفى وسط تكدس الباعة الجائلين المتراصين على جانبى الشارع، واتخذوا من أسوار المسجد مكاناً لعرض بضائعهم من ملابس حريمى وأقمشة ومفروشات، بجانب المتسولين الذين ينامون داخله ويفترشون سلالمه. وبمرورنا بسوق المغربلين، وجدنا جامع « الصالح طلائع « الذى تنتشر به محلات الأقمشة والمفروشات والخيام والسجاجيد أسفل المسجد من الجانبين، فى غياب تام عن أعين جهات المسئولين عن هذه الآثار. أما باب زويلة الأثرى، فتشغله المحلات والأكشاك التى تبيع السبوع والخيام والمستأجرة من وزارة الأوقاف، ورغم إنذارات الإخلاء التى صدرت لهذه المحلات من قبل هيئة الآثار، إلا أن أصحابها ضربوا بها عرض الحائط ويواصلون أعمالهم بجوار الآثار . وأمام بوابة المتولى يوجد مسجد «فرج بن برقوق» الذي أصبح بلا زوار مهملاً ومهجوراً، تحيطه من الجانبين محلات وباعة المنتجات الخشبية والألومنيوم، أصبحوا يشغلون مساحة كبيرة فى كافة جوانبه وكأنها منطقة صناعية أو مدينة خزفية لا أثرية جاذبة للسياح. وخلف مستشفى الحسين الجامعى، يوجد أكثر من مسجد وسبيل مهمل ومهجور وتتكدس جدران الأماكن الأثرية بالمحلات التجارية التى تشغل مساحة كبيرة داخل الأثر، كما يقف بائعو المأكولات وسيارات النقل والملاكى ويتخذون هذه الأماكن سوقاً خاصاً لهم . وفى شارع بور سعيد ناحية شارع الموسكى، يوجد جامع «مراد باشا» الأثرى، وللأسف توجد على حوائطه وأمامه العديد من محلات الملابس والخردوات، وينتشر باعة المأكولات وأيضاً تجار البضائع الرديئة مثل البمب والألعاب النارية وألعاب البلاستيك الرخيصة . وفى شارع أمير الجيوش، حيث يوجد كتاب وسبيل الغمرى وجدنا ملامحه قد اختفت تماماً، بين كم المحلات وباعة الملابس والمفروشات، وهى مأساة مستمرة يتعرض لها كل الإرث الأثرى في مصر الفاطمية الأثرية، فى ظل غيبة الرقابة والمتابعة. الآثار الإسلامية.. تطلب الحماية وتعليقاً علي هذا الحال المزري والمحزن لآثار القاهرة القديمة، قال الدكتور نور عبد الصمد، مدير عام الإدارة المركزية للتوثيق الأثرى بوزارة الآثار، ان تلك الآثار التى تعد رمزاً تاريخياً يميز مدينة القاهرة، يتهددها الخطر.. فما يحدث بشأن تأجير المواطنين للأماكن الأثرية القديمة من وزارة الأوقاف هو خطأ قديم، وللأسف مستمر إلى الآن، وعلى وزارة الآثار تصحيح هذا الوضع . وأوضح الدكتور «عبد الصمد»: أن وزارة الدولة للآثار، هى الجهة المسئولة عن جميع مسائل الحماية والترويج وإدارة التراث الثقافى فى مصر، كما لديها عدد كبير من شباب المفتشين ذوى الخبرة فى العمل على المواقع التراثية، وكثير منهم متخصصون فى مجالات محددة مثل الحفظ والترميم وعلوم الآثار، لكنهم ليسوا دائماً على بينة من اتفاقية التراث العالمى وأهمية إدارة المواقع، بمنظور أوسع لأصحاب المصلحة، من أجل حماية متميزة طويلة الأجل متناسبة مع قيمتها العالمية المتميزة . وأعرب الدكتور «عبد الصمد» عن رغبته فى تطوير سبل التعاون بين مصر واليونيسكو فى المستقبل، من أجل دعم مصر بجميع الوسائل وتوفير خبراتها وجهودها فى هذه الاتجاهات، وتعزيز المشاركة الدولية فى مشروع تطوير منطقة القاهرة الفاطمية، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمى منذ عام 1979، وذلك استناداً على العلاقات التى ربطت بين مصر والمنظمة منذ زمن طويل، وكذلك صون المواقع الأثرية صوناً مستداماً . إهمال مستمر فيما قال الدكتور مختار الكسبانى، أستاذ الآثار الإسلامية واستشارى مشروع تطوير القاهرة التاريخية، ان الآثار تعتبر بأنواعها المختلفة من أهم الثروات الوطنية والقومية التى تميز عراقة الشعوب لكونها من أصدق الشواهد على الحضارات السابقة، وهى الأساس فى تحديد هوية كل شعب على حدة، ومن هنا تتضح أهمية تكاتف كافة الجهات المعنية من أجل الحفاظ على القاهرة التاريخية من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية بالمنطقة، وكذلك التخطيط السليم، بالإضافة إلى تطبيق مفهوم التنمية المستدامة والذى يشمل الإنسان كمورد بشرى من زيادة الوعى والإدراك بقيمة التراث الحضارى والانسانى، وأخيراً نظام الإدارة الحكومية من حيث مستوى كفاءة وفاعلية النظام الإدارى، فى الحفاظ على الإرث التاريخى من الضياع . وأضاف الدكتور «الكسبانى»: أن شارع المعز شهد تخريباً متعمداً بعد الثورة، برغم أنه أطول شارع فى القاهرة التاريخية، مشيراً إلى أن القاهرة الفاطمية التى اعتبرتها اليونسكو مدينة ذات طابع متميز، شهدت جميع أنواع التعدى بسبب غياب الأمن خلال الفترة الأخيرة، وتم رصد جميع المخالفات، وغلق معظم المحال المخالفة للآثار. ويستطرد الدكتور «الكسبانى»: أن وزارة الآثار عادت لتتولى مهمة الحفاظ على كافة آثار مصر التى تتعرض إلى النهب والسرقة كل يوم، وأن هناك عقوبات مشددة ما بين الحبس والغرامة على كل ما يسبب تشويها للآثار .. فالغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أما عقوبة الحبس فلا تقل عن سنة ولا تزيد على 7 سنوات، وإنما هذه مجرد عقوبات على الورق، ولا يطبق منها بند. وزارة الآثار سبب المشكلة فيما يؤكد الدكتور أحمد الصاوى، أستاذ الآثار الإسلامية: ضرورة اقامة أنشطة ثقافية فى الأماكن التراثية، بما يسهم فى رفع توعية المواطنين تجاه تراثهم، من خلال دور التعليم والإعلام المرئى والمقروء، خاصة أن شارع المعز يمثل أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية فى العالم، وكذلك يجب العمل على تنفيذ مشروعات اقتصادية وسياحية ترتبط بأى متحف أو موقع أثرى بغرض توفير الموارد المالية للصرف على هذا الأثر، كما يمكن أن تخدم هذه المشروعات أهالى هذه المدن والمحافظات باعتبارهم المستفيدين من الحركة السياحية القادمة إليه . وأضاف الدكتور «الصاوى»: إن هذه الأماكن الأثرية ليست هى كل شيء، بل هناك العديد من الأماكن الأخرى سواء الفرعونية أو الإسلامية أو القبطية فى مختلف محافظات الجمهورية، التى تحتفظ بطابعها التاريخى العريق وتتصف ببنية معمارية وثقافية متنوعة، ومع هذا يتم التعدى عليها من قبل المواطنين، الذين لا يقدرون قيمتها، أو تعرضها للإهمال وعدم الاهتمام من قبل وزارة الآثار، وهى تستغيث لرفع التعديات عنها، ولا مجيب، وهو أمر محزن للغاية، أن تتحول مصر التى تضم بين ربوعها أكثر من ثلث آثار العالم، لمأوى للبضائع، والباعة الجائلين، والإهمال، مطالباً بسرعة تحرك وزارة الآثار وكل الجهات المعنية لإنقاذ أهم المعالم الآثرية في القاهرة من الانهيار والتشويه، خاصة في المرحلة الحالية التي تسعي فيها مصر إلي جذب السياح من كل انحاء العالم لتعويض الاقتصاد المصري الذي يواجه الصعوبات.