سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تتراوح بين التعاون والشد والجذب والمواجهة دراسة حديثة ترصد سيناريوهات العلاقة بين البرلمان والرئيس
الدستور يمنح مجلس النواب حق اختيار رئيس الوزراء..ومراجعة تشريعات رئيس الجمهورية
اتسم النظام السياسي المصري على مر التاريخ بأنه نظام يلعب فيه رأس الدولة سواء كان سلطاناً، أو ملكاً، أو رئيساً دور محورياً، وربما كان هو القلب الصلب للنظام وللتفاعلات السياسية، وبالتالي انعكس ذلك في أن رأس الدولة كان عادة ما يجمع في يده جميع السلطات والصلاحيات. لكن مع تطور الأوضاع السياسية والاحتكاك بالتجارب والنظم السياسية الحديثة والتي تتسم فيها مؤسسات الدولة والعلاقات بينها بالتعقيد وتفتيت السلطات وتوزيعها بين المؤسسات، بدأ تحول نوعى جديد نحو مزيد من تشتيت السلطة وإخراج بعض السلطات والصلاحيات من يد رأس الدولة لصالح المؤسسات السياسية الحديثة والمستحدثة مثل البرلمان, هذا ما أوضحته دراسة حديثة للدكتور يسرى الغرباوى بعنوان: «مسارات العلاقة بين مجلس النواب ورئيس الجمهورية» حيث قالت الدراسة إنه من خلال قراءة الدساتير المصرية الثلاثة: دستور 1923، ومشروع دستور 1954، ودستور 1971، أن هناك ثمة تقاليد دستورية مصرية استمرت عبر الدساتير الثلاثة، من هذه التقاليد تشارك رأس الدولة والبرلمان للكثير من الصلاحيات ولعملية صنع القرار في الدولة المصرية، ومن ذلك حق الرئيس والبرلمان في اقتراح القوانين وكذلك حق رأس الدولة في اتخاذ تدابير لها قوة القانون شريطة إقرار السلطة التشريعية لمثل هذا الحق، سواء كان هذا الإقرار في شكل مسبق متمثل في إعطاء تفويض من جانب البرلمان لرأس الدولة ليتمكن من إصدار القوانين كما هو الحال فى مشروع دستور 1954، أو إقرار لاحق كما هو الحال في دستوري 1923 و1971 بحيث يجتمع البرلمان لاحقاً إما لإقرار ما أصدره رئيس الجمهورية أو إلغائه في حال كان البرلمان منحلاً في مثل هذه الحالات الاستثنائية. وأضافت الدراسة «اشتركت الدساتير المصرية الثلاثة فيما يتعلق بالعلاقة بين رأس الدولة والبرلمان، فى منح رأس الدولة الحق في إبرام المعاهدات شريطة إبلاغها للبرلمان، وحددت الدساتير الثلاثة نوعيات من المعاهدات والاتفاقيات لا يمكن إنفاذها إلا بتصديق وموافقة البرلمان عليها كاتفاقيات التجارة الخارجية، ومعاهدات السلم والحرب، وما يتعلق منها بالسيادة على الأراضي المصرية. وقد تبنت الدساتير المصرية ذات التوجه بعد ثورة 25 يناير 2011. لكن بشكل عام فيما يتعلق بعلاقة رأس الدولة بالبرلمان يجب التأكيد على أن الدساتير الثلاثة لا يوجد بها ما يكشف عن أي مسئولية سياسية يتحملها رأس الدولة أمام البرلمان، كذلك برغم التأكيد على أن الوزراء مسئولون أمام البرلمان عن أعمال وزارتهم فإن قرار استقالاتهم وقبولها هو أمر بيد رأس الدولة في نهاية المطاف. وأنه اختلف دستور 2014 عن التجارب الدستورية المصرية السابقة، حيث بات لمجلس النواب دور في اختيار رئيس الحكومة، فضلاً عن مراجعة المجلس لكل التشريعات التي يصدرها رئيس الدولة، وله الحق في رفضها إن شاء، وللمجلس حق عزل الرئيس كما للرئيس حق حل المجلس، وإجراء استفتاء شعبي على ذلك.. وأكدت الدراسة أن هناك ثلاثة محددات تتحكم في مسارات ومستقبل العلاقة بين مجلس النواب ورئيس الجمهورية، وهي «محددات دستورية» حيث أعطي الدستور للرئيس حق حل مجلس النواب عند الضرورة، وبعد استفتاء الشعب، ولسبب غير الذي حل من أجله المجلس السابق. كما أقر الدستور وبحق المجلس في «إقالة الرئيس بسحب الثقة منه، وعقد انتخابات مبكرة»، وذلك بطلب مسبب من أغلبية نواب البرلمان، وموافقة ثلثي النواب، على أن يعرض الأمر على الاستفتاء الشعبي، الذي يعقبه حل البرلمان إذا ما رفض الشعب إقالة رئيسه». كما يحق لمجلس النواب اتهام الرئيس بانتهاك الدستور أو الخيانة العظمى أو أية جناية أخرى، وذلك بطلب من أغلبية النواب، وبموافقة الثلثين. إضافة إلى ذلك يقدم رئيس الدولة استقالته لمجلس النواب. كما يحق لرئيس الدولة تعيين 5% من نواب البرلمان، وهذا الأمر يعادل 23 نائبًا على الأقل، فضلاً عن حق الرئيس في دعوة البرلمان في اجتماع عادي وغير عادي, وفي الشأن التشريعي، يحق لرئيس الدولة اقتراح القوانين)، وإصدار قرارات لها قوة القانون عند الضرورة، وفي غيبة مجلس النواب، على أن تعرض عليه عند انعقاده لإقرارها أو رفضها مع إقرار المجلس بقاء أثرها إن شاء، فإذا لم تعرض زال أثرها . كما يحق لرئيس الدولة الاعتراض على إصدار القوانين خلال 30 يومًا من إقرارها، إذا لم يرد الرئيس القانون للبرلمان خلال هذه المدة اعتبر ذلك إصدارًا له، وإذا اعترض عليه ورده وأقره المجلس بنسبة الثلثين صدر رغما عنه. وهذا الوضع يشبه ما كان قائما في دستوري 2012 و1971. وأوضحت الدراسة أن المشرع الدستوري أقام علاقة توازن بين سلطات الرئيس ومجلس النواب، بحيث يتملك كلاهما أدوات دستورية تحميه من توغل الطرف الآخر. وإن كان هناك بدًا من استخدام حق حل المجلس من قبل الرئيس أو سحب الثقة من الرئيس، فعليهما في النهاية اللجوء إلى الناخب لتفعيل هذا الحق من خلال استخدام آلية الاستفتاء الشعبي على القرار المتخذ. وبهذا يعي الطرفان حجم وخطورة الخطوة التي سيقبل عليها، لأنه قد يكون فيها تهديد لمستقبله السياسي، وبذلك قصد المشرع الدستوري إحداث نوع من الاستقرار السياسي والتشريعي المفقود منذ بضع سنوات. تشكيل الحكومة أقر الدستور حق رئيس الجمهورية في تكليف رئيس لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة الأغلبية خلال 30 يومًا، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد المجلس. فإن الحكومة لن تراقب وتسائل من البرلمان فقط، ولكن أيضًا رئيس الجمهورية الذي له حق تفويض جزء من اختصاصاته لرئيس الوزراء, وإعفاء الحكومة من أداء عملها بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، أو إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة المجلس. وقالت الدراسة إن حجم «الأغلبية البرلمانية»، سيؤثر لا محالة على علاقة البرلمان القادم بالرئيس، فإذا كانت الأغلبية لأحزاب متوافقة، أو موالاة، مع الرئيس فإن هذا يعنى أن الرئيس سيكون قد أحكم سيطرته على النظام السياسي بشكل كامل، مما سيغيب معه أي دور رقابي للبرلمان على الرئيس وحكومته. أما إذا حدث الاحتمال الأضعف أي صارت الأغلبية البرلمانية تنتمي إلى التيارات الدينية، فإن الحكومة ستكون مدعومة من السلطة التشريعية في مواجهة الرئيس المدعوم شعبيًا، وهو ما سيفرض تحديات عملية، وقد يتعرض النظام السياسي لحالة من الشلل بين قطبي السلطة التنفيذية والتشريعية، وهو ما سيجبرهما معا أو أحدهما على اللجوء إلى الشعب من خلال الاستفتاء على بقاء الطرف الآخر. ثلاثة سيناريوهات متوقعة حددت الدراسة ثلاثة سيناريوهات متوقعة للعلاقة بين الرئيس والبرلمان، تقع جميعها على خط مستقيم، يقع اثنان منها على طرفي النقيض، وأحدهما في المنطقة الوسط، ويميل للمراوحة بين النقيضين.وهو السيناريو التعاوني، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلًا حيث تتسم العلاقة بين الرئيس ومجلس النواب بالتعاون الكامل، وهو ما يعني الاتفاق بينهما، الذي يصل إلى حد التطابق على الأجندة التشريعية، وعلى الخطة والموازنة العامة للدولة وغيرها من التشريعات التي يحتاجها الرئيس لتنفيذ رؤيته الخاصة بتحقيق التنمية وعودة الأمن ومواجهة المخاطر الخارجية. وفي ضوء هذا السيناريو، بالتأكيد تكون الأغلبية في البرلمان من الأحزاب المساندة والداعمة لثورة 30 يونية 2013، بالإضافة إلى المستقلين الذين ينتمون إلى التيارات القومية المدنية والليبرالية. وفي ظل هذا السيناريو يستطيع الرئيس تمرير حكومته من البرلمان دون الرجوع إلى الحزب أو الائتلاف الحائز على الأغلبية في البرلمان من المرة الأولي، وهو ما سيحرص الرئيس عليه في أول اختبار له لشكل العلاقة بينه وبين البرلمان. وعن عيوب هذه السيناريوهات قالت الدراسة إن من بينها قدرة الرئيس على تمرير ما يشاء من قوانين وقرارات دون إدخال تعديلات جوهرية عليها من قبل البرلمان. وبالتالي لن يؤدي البرلمان مهامه الأساسية ممثلة في التشريع والرقابة بالكفاءة المطلوبة أو المتوقع لبرلمان جاء بعد ثورتين القيام بها، وهو ما سيجعل الحكومة أيضًا أكثر قوة من البرلمان، وهذا غير مطلوب في مرحلة الانتقال الديمقراطي. كذلك سيناريو «الشد والجذب» وهو سيناريو وسطي، وهو الأقرب للواقع، حيث يتبع كل من الرئيس والبرلمان سياسية «العصا والجزرة» تجاه الطرف الآخر، حيث سيحافظ كلاهما على شعرة معاوية ممتدة بينهما. بمعنى آخر، أن العلاقة بينهما يسودها شكل من أشكال التعاون في بعض الفترات تارة، ونوع من الجذب في فترات أخرى ولكنها لن تصل إلى حد الصدام، وهنا سيحاول كل طرف منهما إعمال حقوقه وسلطاته التي كفلها له الدستور. وربما يحدث ذلك عندما تختلف الأجندة التشريعية للرئيس عن تلك التي للبرلمان، أو عندما يقوم البرلمان بإدخال تعديلات جوهرية على بعض القوانين التي يقترحها الرئيس أو حكومته في حال تشكيله هو للحكومة. ويتحقق هذا السيناريو في عدة حالات، الأولى إذا استطاع أحد الأحزاب أو الائتلافات تشكيل أغلبية برلمانية، ورفض التشكيل الأول للحكومة الذي يتم عن طريق رئيس الدولة، وقام هذا الائتلاف فيما بعد بتشكيل الحكومة. والحالة الثانية، هي موافقة الحزب أو الائتلاف على تشكيل حكومة الرئيس، ولكنه يختلف مع الرئيس أثناء الدورة البرلمانية على وضع الأجندة التشريعية أو على تمرير بعض القوانين التي يري فيها الرئيس والحكومة ضرورة ملحة لاستكمال خطة عمل الحكومة. وأضافت أنه في حال تحقق هذا السيناريو سيكون لمجلس النواب دور مهم وأكثر فاعلية في تحقيق عملية التحول الديمقراطي، حيث سيسمح بتفعيل مبدأ التوازن بين السلطات، بما لا يغل يد الرئيس وحكومته في تنفيذ خطط التنمية أو إدارتهم للملفات السياسية والاقتصادية المختلفة. وتوقعت الدراسة سيناريو « والمواجهة « وهو السيناريو الأكثر تشاؤمًا، والأقل احتمالية في الحدوث. ويتحقق هذا السيناريو في ظل عدة احتمالات: الأول، هو حصول التيارات الإسلامية من الإخوان المسلمين على أكثرية عددية في البرلمان، وتشكيلها للحكومة. والاحتمال الثاني، هو حدوث انشقاق بين القوي المدنية والليبرالية والمستقلين داخل البرلمان، وقيام هذه القوى المختلفة بالتكتل ضد الأجندة التشريعية للرئيس، وفي هذه الحال ربما يلجأ كل طرف إلى الدستور حيث يقوم الرئيس بتهديد البرلمان بالحل، وذلك لأنه تحققت من وجهة نظره حالة الضرورة التي نص عليها الدستور، وحينئذ يشرع الرئيس في إجراء استفتاء شعبي لحل البرلمان. وفي ذات الوقت يقوم البرلمان بسحب الثقة من الرئيس والدعوة لعقد انتخابات رئاسية مبكرة، خاصة وأن البرلمان سيوجه إليه تهمة انتهاك الدستور للرئيس. وخطورة هذا السيناريو كما قالت الدراسة، هو أنه يدخل البلاد في دوامة جديدة من حالة الفوضى السياسية مرة أخرى، حيث يحاول كل طرف حشد أنصاره في مواجهة الطرف الآخر، وهنا تكمن الخطورة في اللجوء إلى شرعية «الميدان» مرة ثانية، فبدلًا من الانتقال إلى بناء هياكل مؤسسات الدولة وإحداث الاستقرار الدستوري والانتهاء من المرحلة الانتقالية الثانية، تدخل مصر في مرحلة انتقالية جديدة، ولكن هذه المرة لن تستقر فيها البلاد بأي حال من الأحوال. وبذلك أيضًا ينشغل الرئيس والبرلمان معًا عن تحقيق خططهم لتحقيق التنمية ومحاربة الإرهاب والاستجابة لمطالب عموم المصريين الخاصة بتحقيق الكرامة الإنسانية والحرية. وفي المجمل، فإن السيناريو الثاني هو الأقرب إلى الواقع، حيث التعاون تارة والجذب تارة أخري بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وذلك بسبب التركيبة الحزبية والسياسية والاجتماعية المحتملة للبرلمان، وعدم وجود أغلبية لتيار سياسي واحد.