شهر سلاحه في وجوه المصلين وضغط زناده، ولم يعلم أنه بضغطته تلك منح وسام الشهادة ل29 مصلى سجدوا لله مع دوى طلقات الرصاص على أرض محتلة، في لقطة لا تسقط من تاريخ الأوطان بالتقادم . عندما خطط المجرم اليهودى"باروخ غولدشتاين"، لعرقلة مباحثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إثر توقيع اتفاقية أوسلو، أهدته نزعته العنصرية إلى تنفيذ مجزرة ضد الشعب الفلسطيني بمدينة الخليل في شهر رمضان، واختار بيتًا من بيوت الله لينفذ جرمه مستغلاً اجتماع المصلين في أيام الشهر الكريم. بدأ مخططه بالتزامن مع عيد المساخر الذي يرمز إلى قوة اليهود، بالاتفاق مع بعض جنود الاحتلال على أن يمدّوه بالسلاح اللازم في تنفيذ المجزرة، مع توفير الحماية له من الخلف، وبالفعل في صلاة الفجر، دخل باروخ المسجد الإبراهيمي واختبأ خلف أحد الأعمدة، حتى شرع المؤذن في إقامة صلاة الفجر ومع أول سجدة، ضغط الزناد ودوت طلقات الرصاص بباحة الجامع في يوم الجمعة 15 رمضان الموافق 25 فبراير عام 1994م، ليسقط 29 شهيدًا و150 مصابًا فضلًا عن 21 شهيدًا راحوا ضحية الصدامات مع المحتل أثناء تشييع جثامين الشهداء. وبعد تنفيذ المذبحة، قام المصلون بالقبض على باروخ وقتله، مع ترديد التكبيرات بحرم الجامع، حتى قامت جنود الاحتلال المتواطئة مع المجرم بإغلاق أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، حتى إن القوات المحتلة أسقطت آخرين حاولوا الخروج من المسجد لإنقاذ جرحاهم، في مشهد جدير لأن ينسب لغدر الاحتلال الدامي. وهو يوم لن ينسى في تاريخ مدينة خليل الرحمن الباسلة التي خرجت غاضبة ثائرة إزاء المجزرة، وخرجت معها جماهير الشعب الفلسطيني في كل مكان في القدس والضفة وفي غزة، وامتدت الشرارة إلى داخل فلسطينالمحتلة عام 48 في مسيرات ومظاهرات ومواجهات دامية، فتصدت لهم قوات الاحتلال وجنودها المدججون بالسلاح، وفتحوا عليهم النار فسقطت كوكبة جديدة من الشهداء غيلة وغدرًا. وقد لاقت مذبحة الحرم الإبراهيمي تأييدًا من الغالبية العظمى في الكيان الصهيوني، حتى أنه عندما سُئل الحاخام اليهودي موشي ليفنغر عما إذا كان يشعر بالأسف على من قتل المصلين لغولدشتاين، ردَّ قائلاً:"إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة"، حتى إن الشعب اليهودى جعل غولدشتاين قديسًا، كما جعلوا من قبره مزارًا، يلتف حوله عدد من جنود حرس الشرف الذين يؤدون له التحية العسكرية كل صباح حتى الآن. ولقد أحدثت مذبحة الحرم الإبراهيمي منعطفًا جديدًا في حياة الفلسطينيين، فبخلاف الروح الغاضبة التى تمكنت من نفوس الفلسطينيين تلك الفترة، كان للمجزرة آثارها المعكوسة على اليهود الذين رأوا بالحادث روح الفداء التى قدمها باروخ متناسيين إجرامه في حق العزل، فتعطلت الحياة الفلسطينية العامة في عديد من الأحياء والأسواق القديمة، واستولى المستوطنون على بعض تلك الأسواق والأحياء. خلال السنوات الماضية عمل المستوطنون الصهاينة -الذين تدعمهم جمعيات صهيونية خارج وداخل فلسطينالمحتلة- على خلق واقع ما يسمى التواصل الإقليمي بين البؤر الاستيطانية ومستوطنة كريات أربع؛ حيث لا يستطيع المواطن الفلسطيني استخدام هذه الشوارع والأسواق لقضاء مهماته وحاجياته كما كان سابقًا، كما منعت سلطات الاحتلال المصلين من التوجه لأداء الصلاة في أكثر من 20 مسجدًا في البلدة القديمة أثناء عمليات الإغلاق، كما تم إغلاق عدد منها إغلاقًا تامًا كما حدث مع مسجد الأقطاب داخل السوق القديم. ومع كل هذا القهر المسلح لم تخفت شعلة النضال داخل نفوس الشعب الفلسطينى، فالمواطنون الفلسطينيون استطاعوا أن يفشلوا المشروع الصهيوني لإخلاء منطقة الخليل من أهلها الأصليين، بعزمهم ومثابرتهم وتمسكهم بأرض كانت وستظل أبدًا أرض فلسطينية.