اختلفت أشكالها وأماكنها ورونقها، ولكن مازالت عوامات القاهرة، التى تعتبر من أهم المعالم السياحية والجوهرية لمصر، أهملت كثيرا فى وقتنا الحاضر، واختفى الكثير منها، وأصيب عدد آخر منها بالسوء. كحال عوامة الكيت كات، التى اشتعلت النيران بها أخيراً، التى كانت من أهم مراكز القوة والسلطة قديما، وكانت تعقد بها بعض اجتماعات الحكومة قديما، حتى جاء وزير الداخلية فى عام 1966 زكريا محيي الدين الذى كان معروفا بحبه لممارسة رياضة التجديف في النيل كل يوم جمعة، وقرر نقل العوامات من الزمالك والعجوزة لمنطقة امبابة، لأنها تضيق مجرى النيل في تلك المنطقة لوجود الجزيرة ايضا على الشاطئ الآخر، الامر الذي أغضب الكثير من أصحاب العوامات وقرروا الاستغناء عن عواماتهم في ذلك الوقت أما بالبيع أو تركها مهملة. وهناك نوعان من العوامات نوع ثابت لا يتحرك من مكانه، وهو عادة يكون من الخشب مكون من طابقين ومهيأ للسكن تماما، أما النوع الثاني من العوامات فيحتوي على محرك ينتقل به من مكان إلى مكان، وكان أصحاب تلك العوامات يتجهون بها إلى الشواطئ خلال فصل الصيف، خاصة مصيف رأس البر، وكان هذا النوع يعرف باسم "الدهبية"، وعوامات النيل تتبع ثماني جهات مختلفة، إدارة الملاحة، الوحدة المحلية بالجيزة، إدارة حماية النيل، شرطة المسطحات المائية، وزارة الري، أملاك الدولة، الصرف الصحي، وزارة السياحة. لذا قامت "بوابة الوفد" برصد ظاهرة اختفاء العوامات، وأسباب الإهمال الذى لحق بها، الذي نتج عنه انتشار حوادث القتل والحرق بها. في هذا السياق قال الريس شعبان، ريس على العوامات بمنطقة الكيت كات منذ 25عاماً، أنه قضى حياته كلها على ضفاف النيل، ومهمته الأساسية هى الاطمئنان على سلامة "البراطيم" وهى التنكات المسئولة عن استمرار طفو البيوت العائمة، مشيراً الى انه يقوم بدور "حارس العوامات"، فهو أكثر من يعرف فنون العيش على الماء، ولا تمنعه وظيفة مراقبة البراطيم أو حراسة العوامات، من شراء بعض مستلزمات أصحاب البيوت العائمة. ويضيف الريس شعبان، أنه يوجد 39 عوامة، غالبية أصحابها من الأجانب والسعوديين أو مصريين، توجهوا لتقسيم عواماتهم إلى أربع شقق من الداخل وقاموا بتأجيرها للغير، وسعر الشقة يتراوح بين 2500 و3000 جنيه فى الشهر، ولا أحد يقيم هنا إقامة كاملة، سوى سيدة واحدة تدعى الحاجة إخلاص، وهى من أوائل سكان العوامات فى المنطقة كلها. وأوضح شعبان، أن أغلب من كان لهم عوامات فى الثمانينات باعوها، وآخر من باع عوامته هنا كان الفنان صلاح السعدني، وهذه العوامات لا يسكنها إلا الأغنياء فقط، وهؤلاء لهم تعامل مختلف ونظام حياة مختلف أيضا، مشيرا إلى أن أقل عوامة ثمنها الآن نحو 2 مليون جنيه، لكنها لا تقدر بثمن فى الحقيقة، لأن ترخيص العوامات توقف الآن، وقد حاولت الدولة منذ خمس سنوات تقريباً إزالة هذه العوامات، فأرسلت إنذاراً بالإخلاء، ولكن السكان هنا أثبتوا وجود تراخيص معهم مما أثبت أحقيتهم بالملكية. اما عن المهندس مصطفى أنور، صاحب إحدى شركات المقاولات وصاحب ثلاث عوامات بالعجوزة، فقد أكد أنه لا يعيش بشكل دائم فى العوامات التى يملكها، لكنه يستخدمها بديلاً عن المطاعم والكافيهات، وأحيانا يستخدمها لاستضافة عميل قادم من الخارج، مؤكدا على صعوبة المعيشة بشكل دائم وسط النيل. أبدى محمد جلال، أحد الحراس على إحدى العوامات، غضبه الشديد من تعامل الإعلام، خصوصاً السينما، مع العوامات وتصويرها على أنها أماكن خاصة، يمكن أن يفعل فيها المرء ما يشاء، وهذا خطأ تماماً "على حد قوله"، مؤكداً إنها مكان للسكن مثل أى شقة تؤجر لمن يريد فى أى مكان بالقاهرة، ولا يتردد على العوامات إلا أبناء العائلات الكبرى، وجميعهم لديهم مراكزهم فى الدولة، وأن الشرطة تمر فى دوريات متتالية. واختتم جلال كلامه قائلاً إنهم يقومون بتقديم بلاغات ضد الخارجين عن القانون أو الآداب فى حال حدوث أى أعمال خارجة عن الآداب العامة، مؤكدا أن الحياة فى العوامة باهظة الثمن ولا يستطيع أحد أن يعيش بها إلا "الكبار"، في إشارة الى الأثرياء.