كنت أظن وإن بعض الظن إثم أن مصر بعد 25 يناير ليست هي مصر قبلها, وكنت أحسب أن مصر بعد 30 يونيو ليست كما كانت قبلها، وحتي لا يسرح بنا الخيال بعيداً و«نشت» بأفكارنا إلي مناطق أبعد، ويظن البعض أنني أتحدث عن عودة الدولة العميقة كما يحبون أن يطلقوا عليها، أو رجال النظام القديم أو دولة مبارك ورجاله. أنا أتحدث هنا عن نمط التفكير وأسلوب الإدارة في حياتنا كمجتمع وكحكومة مسئولة عن إدارة هذا المجتمع، ونقول تحديداً أن الروح الجديدة مع العقل القديم، والعقل الجديد مع الروح القديمة، كلاهما يؤدي إلي نفس النتيجة، كلاهما يأخذنا الي الخلف، إلي الوراء، إلي نقطة ما قبل البداية، يقودنا إلي نقطة الانطلاق غير الصحيحة، يسير بنا إلي الاتجاه الخطأ، يدفع الدولة دفعاً إلي الأزمات ويبعدها عن أمل التجديد والتطوير فستجد مثلاً أن السيد رئيس الوزراء مع احترامي الشديد لشخص سيادته يمتلك الروح الجديدة للعمل ولكنه في ذات الوقت يتحرك بمنطق العقل القديم في إدارة هذا العمل ستجده يتحرك أكثر من الوزراء أنفسهم ومن المحافظين في محافظاتهم يريد أن يؤدى دورهم ولا يراقب عليهم أو يحاسبهم، لا يتخذ قراراً فورياً بمحاسبة مسئول أخطأ هنا أو أفسد هناك، لم يضع استراتيجية واضحة للنهوض، ودراسة واعية لما نحتاج للخروج من الأزمات والتحديات التي نواجهها، لم يأت بالخبراء كل في قطاعه متجردين عن المناصب ليضعوا لنا - كل في مجاله - رؤية شاملة واقعية تناسب بلداً بحجم مصر وشعبها للخروج من عثراتنا, ولكي أوضح ما أقصده من الروح الجديدة والعقل القديم، أو العقل الجديد والروح القديمة أروي لكم واقعتين حدثتا في جهاز واحد من أجهزه الدولة وهو جهاز الشرطة الذي أكن له التقدير والاحترام كمبدأ عام, كجهاز وطني بعيداً عن سلبيات بعض أفراده أو جرائم بعض مستغلي السلطة من المنتمين إليه في القتل أو الفساد أو الظلم، الواقعة الأولي وستجد وقائع كثيرة وبطولات وتضحيات متشابهة وهي واقعة استشهاد الرائد ضياء فتحى فتوح، الضابط بإدارة المفرقعات بالجيزة، والذى استشهد أثناء تفكيك عبوة ناسفة تم زرعها على بعد 15 مترًا من الباب الرئيسى لقسم شرطة الطالبية، هذا الضابط صغير السن كبير المقام كان يرتدي بدلة الحماية ولم تحمه، لم تؤمن له الوزارة عملية التعامل مع قنبلة بدائية الصنع انفجرت وأخذت في طريقها روح الشهيد الرائد ضياء دون إحداث خسائر أخري بمعني أن الضحية الاولي والأخيرة لهذه القنبلة بدائية الصنع كانت روح الرائد ضياء, هنا تعامل جهاز الشرطة بروح جديدة، بروح تنطلق من حب الوطن، وبروح نقطة الارتكاز فيها التضحية من أجل مصر وحماية أبنائها ولكن في نفس اللحظة استخدمت الشرطة عقلها القديم في التعامل مع هذه المخاطر الجديدة ولم تدفع بآليات جديدة وآلات حديثة لحماية أبنائها من هذه التحديات، لم تكن أشد حذراً, وكانت النهاية جنازة شعبية ورسمية شارك فيها عدد من القيادات الأمنية والتنفيذية وأسرة الشهيد وأهالى الشرقية، وأطلقت وزارة الشباب والرياضة اسم الشهيد الرائد ضياء فتحي علي مركز شباب القرية موطن رأسه تخليداً لذكراه، تاركين وراءهم طفلة عمرها خمسة شهور لا تعرف معني الجنازات الشعبية أو الرسمية ولا تعي معني وزارة الشباب والرياضة ولكنها تحتاج الي أبيها الشهيد، تحتاج في النهاية إلي أب ترتمي في أحضانه وتشعر معه بالأمان، الواقعة الثانية وهي واقعة قتيلي السويس اللذين لقيا مصرعهما برصاص سيارتي دورية شرطة نتيجة عدم وقوفهما بعد أن طالبت الشرطة منهما ذلك، وفرارهما هاربين بدراجتهما البخارية الى حواري منطقة عرب المعمل الشعبية قبل أن تلحق بهما قوات الشرطة وتصرعهما، وقد أكد عم القتيلين بأن الأقدار شاءت بأن يرى بعينيه مصرع ابناء شقيقه برصاص الشرطة، وأشار العم إلى أن القتيلين فزعا من سيارتي دورية الشرطة التى كانا يستقلها ضباط وأفراد من قوات العمليات الخاصة بملابسهم السوداء, وفرا هاربين الى منزل أسرتهما فى إحدى حوارى منطقة عرب المعمل الشعبية المجاورة لمكان دورية الشرطة، وأضاف أنه شاهد سيارتي الشرطة تطلق رصاص الأسلحة الآلية بعشوائية فى الحوارى الشعبية المكتظة بالاهالى باتجاه الشقيقين حتى أردتهما قتيلين فوراً وسط ذهول أهالى المنطقة وأسرة القتيلين وسط انهيار والدهما وأمهما عندما شاهدا مقتل نجليهما امام اعينهما وبجوار منزلهما ووسط اهلهما، هذه الواقعة توضح العقل الجديد للشرطة في مفهومه الأمني فقط الذي جعل دورية شرطة تطلق النار علي شخصين أياً كانوا دون تدبر أو تعقل أو التحلي بالروح الجديدة التي نريدها منهم، العقل الأمني دون إفراط في استخدام القوة مع المواطنين، العقل الأمني مع روح جديدة تتحكم في استخدام القوة مع الواقعة بقدر ما تحتاجه دون افراط أو تفريط، هذه الواقعة أنهت حياة شقيقين أمام أب وأم ووسط ذهول الحي الذي قتلا فيه تاركين الغضب والكراهية علي من فعل ذلك وضيع فرحة العروس الجديدة قبل الزفاف بأسبوعين، إذاً نحن في حاجة إلي عقل جديد وروح جديدة لننهض وفقدان أحدهما يؤدي الي نتائج رديئة لا نتمناها ولا نرضي عنها وسيكون الحال كما كان، تعالوا ننطلق بروح جديدة وعقل جديد متمسكين بالأمل الذي يجعل الشارد في الصحراء, التائه فيها يري الماء وحتي إن كان سراباً يعطيه الأمل في الحياة، نحن لا نحتاج إلي السراب بل نحن في أشد الحاجة للأمل لاستكمال الحياة والسير فيها دون توقف، والعمل دون انقطاع كمجتمع وكحكومة وكأفراد في هذا الوطن. • روح جديدة وعقل قديم