«لنجرّب المزيد فى العالم والكتابة» هكذا تحدث الكاتب الشاب محمد الفخراني إلى جمهوره عام 2011 بعد فوزه بجائزة يوسف إدريس للقصة القصيرة التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة عن مجموعته القصصية «قصص تلعب مع العالم» والصادرة عن دار ميريت، كذلك فاز هذا العام الفخراني بجائزة معهد العالم العربي في باريس، عن روايته «فاصل للدهشة»، المترجمة للفرنسية من دار نشر لاسوي، وتعد هى الجائزة الثالثة تقريباً التى يفوز بها الفخرانى. والأمر لم ينته عند الفخرانى فى حصول صف شباب الروائيين على الجوائز المحلية والعالمية، فهناك عدد غير قليل منهم حاز عدداً من الجوائز مثل الروائية منى الشيمى الحاصلة على جائزة مجلة دبي الثقافية، وجائزة الإبداع العربي في الشارقة وكذلك الكاتب أحمد مراد الذى وصل إلى القائمة القصيرة للبوكر عن روايته الفيل الأزرق، وعدد كبير منهم مثل محمد عبد النبى وأشرف الخميسى وأشرف العشماوى وعصام يوسف، وكثيرين غيرهم. وإذا ما تركنا الجوائز جانباً سوف تقابلنا جملة الأكثر مبيعاً، تلك الجملة التى صادفت أعمال كثيرين من هؤلاء الروائيين، والغريب فى الأمر أن هؤلاء الكتاب الذين ما زلنا نطلق عليهم شباب الروائيين وما زالنا نناقش أعمالهم وإن كانوا هم أصحاب موهبة حقيقية أم لا، معظمهم بدأ عقده الخامس من عمره، ومهما اختلفت الآراء حول كتابات هؤلاء الكتاب فالمؤكد انهم استطاعوا أن يعيدوا الجمهور للقراءة وخاصة جمهور الشباب حيث قدم معظمهم رؤية جديدة لمفرداته، مشكلين عالماً جديداً فى السرد الروائى الجديد من خلال التجريب والبحث عن طرق وعوالم جديدة للكتابة، ويظل السؤال الذى توجهنا به إلى نقاد الرواية الحديثة، هل سوف يستطيع هؤلاء الكتاب خلق جيل من الروائيين يوازى جيل الستينات؟ الدكتور حامد ابو أحمد فيرى أن هناك جيلاً من الشباب يكتب بتقنية حديثة هى التى باتت تستخدم فى العالم كله بينما ما زال البعض يكتب بشكل انتهى من العالم كله، فيقول : الرواية فى العالم كله تغيرت فى السنوات الأخيرة وعلى هذا فقد تغيرت لدينا أيضاً، ويضيف ولكن هناك من غالى فى هذا التحديث حتى أصبح يكتب بطريقة غير مفهومة، فهناك رواية لشاب لم أستطع إكمال قراءتها، فقد توقفت عن القراءة بعد حوالى ستين صفحة، لقد شعرت بأن الكاتب يكتب بشكل مبهم بل هو يغالى فى هذا الإبهام، لأن معيار نجاح أى رواية هو أن تخرج منها بشخصية أو أكثر تظل عالقة بذهنك، أما ان تقرأ وأنت لا تعى من هذا ومن ذاك، فهذا شيء لا أعده من الإبداع فى شيء، صحيح أن هناك جوائز تمنح لمثل هذه الأعمال، ولكن يبدو أن القائمين على هذه الجوائز لهم معايير خاصة لا يعلمها أحد، ولكننى فى المقابل قرأت لشباب كثيرين، بعضهم بهرنى مثل رواية « منافى الرب « لأشرف الخمايسى، فهذه الرواية كتبت كما لم يكتب أحد من قبل. ويضيف أبوأحمد هناك نوع من الشباب يكتب وهو متأثر بالميديا الجديدة والتقنيات التكنولوجيا الحديثة، وهناك من يكتب الرواية التقليدية بأحداثها العادية وأشخاصها العاديين، وفى الحالة الأولى يخرج العمل مكتوباً بشكل يستعصى على الفهم أحياناً، وفى الحالة الثانية يخرج العمل مكتوباً بطريقة منتهية من السرد الروائى الحديث بشكل عام، ولكن هناك مجموعة من شباب الروائيين يحاولون أن يبتدعوا أشكالاً وتقنيات وطرقاً جديدة وهم عدد كبير وأتوقع لهم الاستمرارية والنجاح منهم أشرف الخميسى كما ذكرت ومحمد الفخرانى أيضاً وآخرون، أما من يحاول أن يكتب كى يلفت النظر فهو منته بسرعة ظهوره لا محالة. أما الناقد الأدبى الدكتور حسين حمودة فهو يعتقد أن فى مصر وفى كثير من البلدان العربية تجربة تمثل تياراً جديداً من المبدعين والمبدعات فى مجال الرواية، وقال حمودة : أتصور أن لدينا مجموعة كبيرة من الأسماء الذين بدأوا فى الحصول على بعض ما يستحقونه، سواء على مستوى الجوائز أو على مستوى ازدياد معدلات القراءة، وأن هذا كله يعد جزءاً من سنة الحياة التى هى لابد أن تصبح سنة تطور الأدب أيضاً، ففى كل فترة من فترات التاريخ هناك دائماً إبداعات جديدة وأسماء جديدة، ومع ذلك لا أعتقد أن هذه الإبداعات يمكن تنقطع عن التجارب السابقة عليها، ففكرة القطيعة فى الحقيقة هى فكرة مضللة، وإسهامات هذا التيار الآن لا تنفصل عن إبداعات من سبقها، ولن تنفصل عما سيتلوها من إبداعات أخرى. ويؤكد الدكتور حسين حمودة أن فى كل فترة تمر الإبداعات بعملية أشبه بالانتخاب الطبيعى، بحيث يبقى بعضها ويتم نسيان البعض الآخر (وهذا ينطبق بوجه خاص على ظاهرة الأكثر مبيعاً) ولكنى أتصور أنه سيبقى الكثير من نتاج الإبداعات الروائية الجديدة، وأنا شخصياً متفائل بوجه عام فيما يخص ما سوف يبقى من هذه الإبداعات. الروائى والناقد الأدبى السيد الوكيل يرى أننا لا يجب أن نتعامل مع الإبداع من باب المجايلة، فيقول : ليس هناك ثمة ما يسمى بجيل جيد وآخر رديء فى أى مجال خاصة مجال الإبداع، ولكن هناك أشخاصاً منفصلين، وكل شخص من هؤلاء مسئول عن تجربته الإبداعية التى يقدمها للناس من خلال أعماله، حتى جيل الستينات الذى كثيراً ما نتحدث عنه، لم يتبق منه إلا عدد قليل جداً، فأين إذن الجيل؟ ويضيف الوكيل: هناك الآن عدد كبير موهوب موهبة حقيقية ومنهم على سبيل المثال محمد عبد النبى، وعبدالنبى تحديداً أنا شخصياً أتنبأ له بمستقبل فائق فى عالم الرواية، لقد قدم هذا الكاتب حتى الآن فى مشروعه السردى خمسة أعمال، أى أكثر مما قدم ابراهيم أصلان، لكن هناك أشخاصاً على الرغم من موهبتهم إلى أنى أعتبرهم أشخاصاً «موديين»، بمعنى أنهم يظهرون على الساحة الأدبية أو يختفون دون أسباب معلومة، فمثلاً أحمد الخمايسى اختفى ما يقرب من خمسة عشر عاماً قبل ظهور عمله الأخير وعلى الرغم من أنه عاد عظيماً، لكن كيف يمكننا أن نضمن بقاءه. ويضيف الوكيل الموهبة ليس لها صلة بالقدرة على الاستمرار ومع ذلك فإن الجيل أى جيل لن يمنح أى كاتب صك الاعتراف إذا ما غاب عن المشهد، فلنترك فكرة الأجيال هذه ونتعامل مع كل تجربة بشكل منفرد، وأنا أرى أن هؤلاء الشباب فى ذروة إنتاجهم الأن وجل عطائهم، ومنهم من يقدم كل عام جديداً ومنهم من توقف عند حد معين ولم يعد معنى بتطوير تجربته، ومنهم من خرج من المشهد نهائياً، ولن يبقى الأكثر موهبة بل سيبقى الأكثر وعياً. الناشرة فاطمة البودى رئيس مجلس إدارة دار عين للنشر والتى اختارتها مجلة فوربس هذا العام ضمن أقوى مائتى امرأة على مستوى العالم تقول : يوجد كثير من الأدباء الشبان وأعنى هنا أدباء من الجنسين ممن نالوا جوائز، ربما تلقى هذه الجوائز الضوء على تجربتهم إذ عادة تكون الكتابة هاجسهم وهم بحق قضوا وقتاً فى القراءة والاحتشاد لإثراء كتاباتهم، لكن من جهة أخرى نجد أن الجوائز الأدبية تسببت فى طوفان من روايات لا قيمة لها.