تشغل الحالة العربية اهتمام العديد من الأوساط السياسية والبحثية الغربية في ضوء التحولات الخطيرة والجذرية التي مرت بها المنطقة منذ الربيع العربي في 2010 التي مثلت بداية لتغيرات ثورية بدأت ولم تنته بعد، رغم مرور أكثر من أربع سنوات وسط مخاوف بأن تنتهي بالمنطقة لحالة من الفوضى تبدو مؤشراتها في عدد من الدول وعلى رأسها ليبيا وسوريا واليمن. وفي هذا السياق، صدر مؤخراً كتابان جديدان يحللان موقفنا العربي هما «العرب الجدد: كيف غير جيل الألفية الثالثة الوضع في الشرق الأوسط؟»، للباحث المتخصص في شئون المنطقة جوان كول، والكتاب الثاني «إغراء السلطة: الإسلاميون والديمقراطية غير الليبرالية في الشرق الأوسط الجديد»، للباحث شادي حامد، وهما الكتابان اللذان قدم الكاتب روبرت وورث مراجعة نقدية لهما في مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» في إصدارها الأخير سبتمبر الجاري تحت عنوان «أعمدة الاستبداد العربي». يبدأ «وورث» تقديمه للكتابين بوضع القارئ في المشهد العربي من خلال لقاءات عقدها مع عدد من الناشطين المصريين في قلب القاهرة وعلى رأسهم زياد العليمي وآخرون ومناقشاته وحواراته مع الثوار من الليبراليين فى ميدان التحرير، خلال فترتين زمنيتين الأولى فور ثورة يناير 2011، والأخرى بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين ونجاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، رصد من خلالها الكثير من التغيرات اللافتة للأنظار بشأن طبيعة التحول السياسي في مصر. ويشير إلى ما خلص إليه من أن هؤلاء الشباب يحلم بمستقبل جديد يختلف عما كان عليه آباؤهم.. وحسب قول أحدهم فقد نشأنا – الشباب العربي – على فكرة وجود الرجل الكبير في الدين أو في السياسة، ولكن هذا المفهوم الآن يتم تقويضه.. وقد تم ذلك بفضل الإنترنت الذي ساعد علي اكتشاف العالم والتعرف عليه.. فإذا لم نكن الأفضل فمن الواجب أن نسعى لنكون كذلك. يذكر الكاتب أن ذلك يعكس رؤية ووضع جديدين في العالم العربي يمثلهما ويقودهما الشباب.. غير أنه يؤكد أنه مع ضباب الفوضى التي تضرب أطنابها في كل مكان بعيداً عن مصر التي بدأ حديثه بالإشارة إليها حيث العنف والدماء تراجعت صورة المعارضين العرب الذين يسعون سلمياً لتغيير الاوضاع التي خرجوا في ثورات للإطاحة بها. على هذه الخلفية يتساءل الكاتب عما إذا كان الأمل بازدهار الدور الليبرالي للشباب العربي يعتبر نوعاً من الوهم؟.. ويجيب من خلال كتاب جوان كول أن الإجابة بالنفي، حيث إن الفوضى التي تشهدها المنطقة وفقاً للكتاب المشار إليه إنما تعد نتاج جيل جديد من الناشطين الذين زرعوا بعمق عملية التغير الاجتماعي ومن المحتمل إن لم يكن من المحتم أن يعيدوا تشكيل الشرق الأوسط وفقاً لرؤيتهم. غير أن الكاتب يشير إلى أن جيل الليبراليين والمتعلمين ممن كان لهم الفضل فى تغيير الأنظمة السياسية فى بلادهم، لن يتمكن من الوصول إلى التغيير الحقيقى الذى يحمل مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فى ظل اجتياح وقوة الإسلام السياسى، ولذلك لا يتوقع إمكانية اعتلاء الليبراليين من الشباب كراسى الحكم سوى فى المستقبل عند بلوغهم سن الأربعين أو أقل قليلاً وإن كان من الصعب أن يتحقق ذلك الآن أو في وقت قريب. ولعله من هنا يأتي تناول الكاتب للدراسة الثانية من خلال كتاب «إغراء السلطة» الذي ركز على تحليل أداء جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وتونس بعد سقوط الأنظمة السياسية فى ثورات الربيع العربى فى 2011، ثم تطور هذا الأداء بعد سقوط حكمهم فى مصر وظهور جيل جديد من الإخوانيين المعتدلين حسب تعبيره، ثم رصده لصعود وبروز الحركة الداعشية فى العراقوسوريا ومقارنتها بجماعة الإخوان وتحليله للظاهرتين. توصلت هذه الدراسة إلى نتيجة مفادها، أنه من الصعب القضاء على الإخوان المسلمين والحركة الداعشية وأتباعهم وتلاميذهم فى وقت قصير، حيث إنها تعد بمثابة حضانات لأجيال متعاقبة ذات صفات جسمانية وأدبية معينة وراسخة، تحتاج لوقت طويل من العمل على إفشالها وإضعافها بعدة وسائل. مصر مركز إشعاع للثورات العربية يعتبر الكاتب أن الصورة أو الأوضاع خارج الحدود المصرية الآن قاتمة للغاية، حيث تزداد الكراهية بين أبناء الشعب الواحد كما هو الحال فى العراقوسوريا، وتشتعل الفتنة الطائفية والصراع المسلح والدامى الذى طالت حدوده ليبيا وقطاع غزة أيضا، ويرى الكاتب أنه مثلما كان للشباب دور فى الثورات كان له دور مماثل أيضاً فى إثارة العنف والفوضى التى تبعت ثوراتهم، وتبدلت صورة العرب من متظاهرين سلميين يطالبون بحقوقهم المشروعة، إلى صورة الشباب الصغار من المراهقين الجهاديين الذين يحملون السلاح ويقتلون الأسرى المعصوبين بالرصاص أو ذبحهم بالسيوف ويعلنون إقامة الدولة الإسلامية التى تشمل العراقوسوريا، ويقصد هنا الكاتب حركة أو جماعة «داعش». ورغم إشارته إلى أن الربيع العربي في بدايته حكمه قدر كبير من التفاؤل في حينه.. وقت قيام ثورات الربيع العربى، فإنه كان هناك العديد من العوامل والشخصيات المؤثرة فى الأحداث المتعاقبة للثورات أثرت بشكل سريع فى سير الأحداث بما لا تشتهى الأنفس. وفي حديثه عن تأثير الِشباب يشير الكاتب، وفق ما يذهب إليه كتاب العرب الجدد إلى أن التغيرات الديموجرافية الخاصة بتشكيل السكان فى الدول العربية لعبت دوراً أساسياً فى تنشيط وتفعيل العمل الثورى، حيث يذهب يوان كول إلى أن المجتمعات العربية يتراوح متوسط الأعمار فيها في حدود ال 24 عاماً للفرد.. أى أنها مجتمعات معظمها شابة فتية، حيث يمثل مواليد أعوام 1977 حتى عام 2000 نسبة 61% من مجموع سكانها.. كما لعبت الثقافة الإلكترونية التواصلية عبر الإنترنت بداية من التليفونات المحمولة والوسائط الإلكترونية والكمبيوتر فى أيدى الشباب العربى الصغير، دوراً أساسياً فى تبادل الأفكار الثورية واستثارة بعضهم لبعض، ووصل عدد العرب الذين يستخدمون الفيس بوك فقط فى عام 2010 إلى أكثر من 21 مليون شخص، وربما رصدت باقى الدراسات أعداداً أكثر من المستخدمين فيما بعد 2010. ويشرح الباحث «كول» رؤيته للشباب الصغير من مستخدمى الإنترنت فى مصر وتونس وليبيا، مشيراً إلى أن هذا الاستخدام أتاح قدراً وفيراً من الحريات أوجد طبقة جديدة من الثوار ممن يطلق عليهم «النشطاء». ويعتقد «كول» أن هؤلاء النشطاء ليسوا أصحاب فكر أيديولوجى معين متمسكين به ورافضين للأفكار الأخرى كما كان الحال فى الأجيال السابقة من اليساريين على سبيل المثال، والدليل على ذلك مرونة فكرهم وسعة صدرهم وقبولهم للعمل والاشتراك مع أصحاب التيارات الإسلامية والعمالية فى مختلف النشاطات والأعمال التى تجمعهم فيها نفس المصالح مثل تآزرهم وتكاتفهم فى ثورة 25 يناير على إسقاط نظام مبارك. مستقبل الشباب العربى الليبرالى ويعلق «وورث» على هذه الرؤية قائلاً: إنها قد تكون صحيحة بشأن استمرار الشباب العربى الليبرالى فى ممارسة ضغوطه داخل وخارج بلاده حتى يحصل على الديمقراطية المنتظرة، حتى يكبروا فى السن وتتراوح أعمارهم آنذاك بين الثلاثينيات والأربعينيات.. وهنا ستتوافر لهم الفرصة فى إعادة تشكيل الحياة السياسية فى بلادهم بشكل أفضل ومباشر، ومن ثم يمكن لنا أن نرى وقتها صدى لثورات يناير 2011 أى بعد مرور حوالى 10 سنوات.. ويتوقع الكاتب «وورث» والباحث «كول» أنه حينئذ تؤتى ثمار الوحدة بين الطوائف ولم الشمل وتحقيق أساسيات الحكم المدنى فى معناه الحقيقى والأوسع، وهنا نجد أنفسنا أمام جيل جديد قادر على قيادة المستقبل وإقناع الأجيال الأكبر سناً بقدراته. وفي رصده لمحاولة الباحث «يوان كول» تلخيص الأزمة فى الشرق الأوسط يشير إلى أنها نتاج عمليات القمع والكبت التى عاشتها الشعوب العربية، تحت حكم أنظمة سياسية لم تسمح بقدر ضئيل من الحريات، خوفاً من انقلاب الأمور ضدها أو خلق أوضاع جديدة ضد مصالحها واستقرارها فى كراسي الحكم، ويشبه «كول» هذه الأوضاع التى تعيشها المنطقة الآن بما كانت عليه فرنسا فى عام 1870 بعد إعلان الجمهورية الثالثة. الليبراليون طبقة اجتماعية انهار مشروعها ويرى الكاتب أن طبقة الليبراليين العرب يمكن لها أن تطفو على السطح منذ الآن، خاصة أنها صاحبة شعارات «ثورة الشباب» و«انتصار جيل الشباب»، لكن الأكاديميين من الدارسين العرب يرون أن هناك عائقاً يقف أمام صعود هذه الطبقة لأنها - من وجهة نظرهم - ومن التجربة الواقعية فى الدول العربية، تجعل هذه الطبقة ليس لها صدى واسع لأنها تنتمى إلى طبقة اقتصادية واجتماعية معينة أكثر من انتمائها الثقافى أو مستوى معين من التعليم أو السن. وهذا ما توصل إليه ووجده الباحثون فى حالة ثوار ميدان التحرير فى مصر، ففى الوقت الذى كان ينادى فيه أصحاب الطبقة المتوسطة صاحبة التوجه الليبرالى عادة بالحقوق المدنية والديمقراطية والحريات، كان الفقراء كباراً وصغاراً جنباً إلى جنب معهم، وفى نفس النفس ينادون «بلقمة العيش».. ومع تردى الأحوال الاقتصادية والاجتماعية فى الدول العربية التى قامت فيها الثورات أغلقت الكثير من المدارس، التى كانت تقوم بدور تنويرى أبوابها فى وجه الفقراء وسادت الفوضى مع غياب الأمن وسط مخاوف من انهيار المشروع الليبرالى أمام هذه التداعيات. وفاق ليبرالى إسلامى يليه صدام وخلاف وتناول كتاب «يوان كول» فى فصله الأخير محاولات الليبراليين المستميتة لإنجاح مشروعهم بأى ثمن حتى وإن تطلب ذلك تحالفهم مع الإسلاميين ممثلين فى الإخوان المسلمين فى مصر الأكثر تنظيماً وعدداً، من أجل تحقيق نفس الهدف آنذاك وهو إسقاط نظام مبارك السياسى وأتباعه، وبالفعل بعد نجاحهم كفريق عمل واحد انقلبت الآية رأساً على عقب، وحدث الصدام عندما ظهرت بوادر طمع الإخوان فى السلطة ومحاولاتهم اكتساح الانتخابات البرلمانية فى 2012، لكن الشباب الليبرالى الصغير على الرغم من قلة خبرته السياسية كان لديهم حس وطني بمصلحة بلدهم التى تخالف مصالح جماعة الإخوان.. ومثلما تحالفوا معهم لتحقيق المصلحة الأولى، انقلبوا عليهم وأسقطوهم فى المرة الثانية فى 30 يونية 2013. ومن هذه النقطة يناقش الكاتب وضعية الحركات الإسلامية ممثلة في الإخوان وداعش من خلال كتاب الباحث شادي حامد، والصادر عن مطبوعات جامعة إكسفورد، وقدم رؤية مقارنة بين وضع الإخوان وداعش في الوقت الراهن وفي المستقبل. أسباب سقوط دولة الإخوان فى مصر في تحديده لأسباب سقوط دولة الإخوان في مصر، يقول الباحث شادى حامد: إن الأجندة الإسلامية للرئيس الإخوانى الأسبق محمد مرسى، لم تكن السبب الوحيد فى إسقاطه ولكن إقرار الإخوان وإعلانهم أن تنظيمهم هو الذى بيده مقاليد الأمور والقرار فى مصر فور صعودهم للسلطة، وأن مصلحة الجماعة السرية تفوق أى شىء آخر كانا سببين رئيسيين فى إسقاط حكمهم. وتذكر دراسة «حامد» أنه فى استطلاع للرأى العام فى 2012 كشف عن قبول المصريين للحكم بالشريعة الإسلامية، مضيفاً أن هؤلاء هم أيضاً هم الذين غيروا رأيهم بعد أداء الإخوان المتخاذل فى الحكم. وعلى حد ما يذكر مؤلف الكاتب، فإن الفصيل الإسلامى أكبر من أن يتم اختزاله فى تنظيم الإخوان المسلمين فقط، وأنه حتى الآن لم يؤرخ أو يوثق لهذه الحركات بالكامل، لكنها دائمة الصدام مع السلطة الحاكمة، خاصة عندما تكون هذه السلطة علمانية أو مدنية. صراع الشباب الليبرالى والإسلاميين وفي محاولة للتحديد وتصنيف الشباب الصاعد الذي يقود الأوضاع في العالم العربي يقول «وورث»: إنه ليس بالضرورة أن يكون الشباب المتعلم الذى فجر ثورات 2011 هو نفسه الطليعة لشرق أوسط جديد وعلماني.. مضيفاً أنه في مقابل هذا العدد القليل من أصحاب التوجه الليبرالى هناك أيضاً عدد كبير من الشباب فى دمشقوإيران ودول الخليج العربى، الذين مازالوا يؤمنون بأحقية وشرعية أنظمتهم السياسية الحاكمة الحالية، أمثال بشار الأسد فى سوريا، والخمينى فى إيران، ونصر الله فى لبنان، بل إنه يشير إلى أن الكثير من الشباب العربي من دول الخليج يرون أن المنطقة غير مستعدة للديمقراطية وأن الربيع العربي لم يأت في أوانه الصحيح. منهج الاعتدال رؤية جديدة للإسلاميين تذكر الدراسة أن هناك أصواتاً ورؤى غربية من خارج حدود الدول العربية كانت ومازالت متفائلة دائماً بالمستقبل، حيث ترى أن تطلع الإسلاميين أو أصحاب توجهات الإسلام السياسى إلى السلطة دائماً فى مواجهة القوة الليبرالية وتنافسها معهم بقوة على الوجود والسيادة ومع ظهور أصحاب التوجه السلفى الذين أبدوا مرونة واضحة مع أقرانهم من الليبراليين بل والعسكريين أيضاً، مما يهدد مصير وحلم الإخوان وسحب البساط من تحت أقدامهم، وإدراكهم لخطأهم الكبير فى خوض الانتخابات الرئاسية التى كانت بمثابة الحفرة والسقطة الكبيرة لهم، التى أعطت فرصة ذهبية لخصومهم بالتحالف مع بعضهم البعض وتكوين جبهة قوية ضدهم، كل هذه العوامل جعلتهم مع حلفائهم يعيدون النظر ويصبحون أكثر مرونة واعتدالاً بل وتنازلاً فى بعض الأوقات فى سياستهم الخاصة بالتزام المنهج الإسلامى المتشدد وكبح طموحهم فى تطبيق الشريعة الإسلامية. أداء الإخوان فى تونس ذكرت دراسة «شادى حامد»، أن أداء الإخوان فى تونس كان يتسم بضبط أكثر للنفس، حيث كان هناك تيار ليبرالي علماني شبابي قوي قام بالتعاون مع قوة العمال الضخمة والتجار على مستوى أنحاء تونس، بالإضافة إلى تعاونهم مع حزب النهضة الإخوانى بقيادة راشد الغنوشى، وهو يمثل جيلاً قديماً من الإخوان أكثر تعقلاً وهدوءاً من جيل الشباب من الإسلاميين هناك، ونادى الغنوشى بالتسوية والتفاهم مع باقى التيارات التى فجرت المظاهرات بعد اغتيال التيارات الإسلامية لشخصيتين من أصحاب التوجه اليسارى. ويصف الباحث الغنوشى وأتباعه بأنهم ليسوا معتدلين فى حقيقتهم، ولكنهم الأكثر والأطول صبراً فقد عاشوا فى ظل حكم علماني لعشرات السنين فى تونس هيأت الإسلاميين وأعدتهم على إعداد وحساب الأمور بشكل مستقبلى وطويل المدى دائماً، ما أكسبهم القدرة على الصبر لفترات طويلة، ولكن ارتكابهم نفس أخطاء الإخوان المصريين فى إعلانهم الرسمى عن رغبتهم فى السلطة والسيادة وسط الجماهير، جعل هناك مخاوف من أسلمة تونس وأثار غضب الليبراليين حتى انساق ولبى حزب النهضة الإسلامى كل طلبات الليبراليين، لإيمانهم بأن وجه الخلاف بين التيارين لا يقتصر فقط على الممارسة السياسية بل يمتد إلى الخلاف على نمط الحياة والنظرة إلى العالم بمنظورين مختلفين لا يمكن التوفيق بينهما، ويؤكد الباحث «شادى حامد» أن الوقت مازال مبكراً لكتابة نهاية سعيدة للأوضاع فى تونس. الفكر الجديد لإخوان مصر قارنت الدراسة بين الحالة الإخوانية فى تونس ومصر، فهناك العديد من أعضاء الجماعة وحلفائهم من الحركات الإسلامية حاولوا خلال العام الماضى أن يجعلوا الأعضاء القدامى أن يدركوا أخطاءهم ويتعلموا منها حتى يعيدوا ظهورهم من جديد على المجتمع، ويتفاعلوا سياسياً بشكل أكثر مرونة وأقل جموداً من ذى قبل، وبالطبع كانت المهمة صعبة التحقيق فى ظل وجود زعماء وقيادات الجماعة فى السجون، ومهددين بأحكام تصل إلى الإعدام، والباقى هرب إلى الدوحة وأسطنبول دون الالتفات إلى الشباب من أعضاء الجماعة الذين أخذوا على عاتقهم وضحوا بأرواحهم من أجل إسقاط مبارك ومن أجل المصلحة الأساسية للجماعة. هؤلاء الشباب من الجماعة يحاولون أن يخلقوا أرضية ومصالح مشتركة بينهم وبين العلمانيين الليبرالييين داخل وخارج مصر، لكن هذه المحاولات مازالت فى طور الاختبار ولم تحقق نجاحاً حقيقياً بعد.. حتى هذه اللحظة مازالت الأجيال القديمة مسيطرة على مقاليد الجماعة، ومازالت أيضاً مقتنعة بأن مرسى هو الرئيس الشرعى لمصر، وأنه لا تسوية مع نظام العسكريين أو الجيش أو لا اعتراف بأي غلطات كانت ولا تزال الجماعة ترتكبها إلا بعد أن تسترد حقوقهم المسلوبة منهم. ويحكى الباحث والكاتب «شادى حامد» تجربته الشخصية فى لقاءاته مع شباب الإخوان من أصحاب التوجهات الثورية التحررية.. ويقول: إنه على الرغم من تنازلاتهم ومحاولاتهم إثبات التغيير والوجه الجديد للجماعة، فإنهم يصطدمون بالجماهير فى الشوارع التى باتت ترفضهم شكلاً وموضوعاً، ويستكمل الباحث تجربته مع شباب الإخوان الجدد، مشيراً إلى أنهم يعيشون صراعاً داخلياً فى محاولاتهم بالتظاهر فقدانهم لانتمائهم الإسلامى أمام التيارات الأخرى فى مصر، وتظاهرهم على الجانب الآخر للممولين الخليجيين لجماعتهم بالتمسك بجذورهم وتعاليمهم، حيث يرفض الممولون التوجه الليبرالى الذى يدعو إلى التغيير مما سيكون له أثر سلبي على مستقبل أنظمتهم واستقرارها فى بلادهم. الفرق بين المنهجين الإخواني والليبرالى هناك دائما صدام أو عدم توافق بين مبدأى «السيادة الشعبية»، وما تحمله من مسلمات خاصة بالحريات والديمقراطية، وبين مبدأ «السيادة الإلهية» الذى يعتمد فى مضمونه على الاستسلام للأوامر الإلهية كما يدعى الإخوان، وقضوا وقتاً طويلاً هم وإخوانهم فى تونس والأردن سنين طويلة فى محاولة إقناع أصحاب التيارات الأخرى المخالفة لهم بأنهم يؤمنون بالديمقراطية بشكل أساسى، ولا يمكن لهم تطبيق الشريعة الإسلامية فى المجتمع دون طلب الجماهير لذلك المطلب، ولكن الباحث «حامد» يعتبر أن هذه المحاولات ما هى إلا «حيلة» يليها إعلان مطلب الجماهير بتطبيق الشريعة فى حكمهم، ويؤكد الباحث أن الإخوان لم يكن لديهم لا برنامج اقتصادياً أو سياسياً كخطة طريق لحكم مصر، والهدف الأساسى دائماً والخفى هو أسلمة المجتمع. ثورة شباب الإخوان تقول الدراسة إنه من خلال لقاءات الباحث بالشباب الإخوان الجدد، أكدت له بعض القيادات أن هناك احتمال قيام ثورة للشباب داخل الجماعة، وهناك رغبة عارمة فى خروج الكثيرين من العضوية، لكنهم لا يجدون البديل على نفس المستوى حتى الآن، وهو ما يعتبره الباحث أكبر مشكلة تواجهها الجماعة الآن، ويتوقع الباحث أنه يمكن لها أن تزول ولكن بشكل بطىء ويحتاج وقتاً طويلاً. أيديولوجية داعش وحكمهم تناولت الدراسة الظاهرة الداعشية وأكدت أنه على الرغم من ظهورها وخطفها للأنظار حول أدائها العنيف وقطعها لرؤوس، فإنها ابتدعت علاقة جديدة بين الأيديولوجية الإسلامية المتشددة العنيفة وبين أدائهم الحكومى أو الإدارى المسئول تجاه المجتمع الذى يعيشون فيه، حيث قاموا بتسويق إنجازاتهم لأعمال توصيل شبكات المياه والكهرباء والحكم المحلى فى مدينة الرقة وبعض المدن السورية، لإثبات كفاءتهم فى إدارة الدولة الإسلامية التى يعتبرون سوريا عاصمتها المتوقعة، ويعتبر الباحث أن هذا الأداء يعتبر نقلة أو تطوراً فى أداء واستراتيجية الجهاديين، فضلاً عن مجهوداتهم فى التواصل الإلكترونى الذى يبعثون من خلاله رسائل إلى الشباب العربى، فى محاولة لإقناعه بفكرهم والانضمام إليهم من منطلق المجد الذي ينتظرهم فى الدولة الإسلامية. تنظيم الإخوان والحركة الداعشية على الرغم من صعود داعش فى الوقت الذى يتراجع فيه تنظيم الإخوان واعتبارها بديلاً له، فإن تطرفها الشديد ورجعيتها أظهرا وجهاً آخر أكثر تحضراً للإخوان، مما كان له أثره السلبى على الحركة وإظهار ضعفها، خاصة بعد توجيه بعض قيادات الإخوان النقد للبربرية والهمجية فى أداء الداعشيين، ولكن كلا الفريقين يبذل قصارى جهده فى تسويق نفسه وفكره وأدائه لنفس الجمهور المستهدف، وتعود الأسباب التى قادت المنطقة إلى داعش والمصير المجهول إلى ضعف الدولة وتهديد كيانها وبقائها كما هو الحال فى ليبيا والعراقوسوريا واليمن، التى تحولت أراضيها إلى حلبة واسعة للجماعات المسلحة وبيئة حاضنة للعاطلين من شباب الألفية الثالثة والزج بهم فى عمليات زرع التفرقة والحقد والفوضى فى دول الربيع العربى. مصير داعش وتلاميذها وحلفائها توصلت الدراسة فى النهاية إلى أن الغزو الداعشى لشمال وغرب العراق لم يستفز فقط أصحاب التوجهات المتطرفة والراديكالية للمشاركة، بل استهوى السنة من العراقيين، خاصة بعد تسويق فكرة «الخلافة الإسلامية». ويرى الباحث «شادى حامد»، أن تنظيم داعش لا يمثل خطراً فى حد ذاته على الآخرين من الدول المحيطة أى خارج حدود العراقوسوريا، لكن هناك مجاهدين وإسلاميين يريدون نقل التجربة والمنهج إلى بلادهم «تونس ومصر». ويعتبر الباحث أن الصفات الشخصية والجسمانية التى يتمتع بها أعضاء داعش وشركائها من أجيال الشباب، التي تتمثل فى الشجاعة المفرطة وعدم الخوف من المصير المجهول، التدريب عالي المستوى وصغر السن المصحوب بالصحة البدنية العالية أيضاً، فضلاً عن المثابرة والنفس الطويل، تعد أموراً صعب القضاء عليها وعلى أصحابها فى وقت قصير.