كل يوم وأنا في طريقى إلى مصر الجديدة أمر على امرأة في مقتبل العمر تحتل مساحة 70 * 100 كفاصل بين قطعتين من الأسمنت كحاجز بين الطريقين ومعها طفلها 4 سنوات وأعلن عن قربى لها بصوت من النفير فتقدم لى طبق من البلاستيك تستقبل فيه عطاء الله بابتسامة الحياة فسميتها ابتسام.. ابتسامة تغسل لى وطأة الحياة وتزيدنى حباً للناس وتذكرنى بشكر الله على نعمته لى واختيارى لأكون الوسيلة لإسعاد مخلوق له تدب فيه الحياة.. ابتسامة لا تشكرنى فقط بل تشكر الله، وشكر الله الدائم هو أحد أهم العناصر للإيمان وتحتل هذه الابتسامة الراضية بما قسم لها الله جزءاً من تفكيرى وأنا نائم تحت بنيان مترف من الخرسانة وهى تتخذ من فراغ الأسمنت ملجأ لتقتات من خلاله هى وطفلها وزوجها المريض وتأبى أن تعيش من نهديها ورضيت أن تمد يدها تبيع ورق المناديل كغطاء لكبريائها. وأتذكر أنه بعد أيام سنحتفل بعيد الأضحى وجال فى خاطرى سؤال، هل هى لا تعرف طعم اللحم إلا عن طريق صدقة الأضحى؟.. أم أنها تجمع أرجل الفراخ من بقايا الكرماء لتعمل عليها شوربة فراخ ترم بها نمو طفلها وتساعد زوجها على الشفاء وتضع بالشوربة كسور رغيف جاف بقايا الفرن وتحلى من بقايا الجوافة التى تحن بها جارتها عند عودتها كل مساء، وكان الله بالسر عليم.. بالله كيف يعيش إنسان له ضمير وهو يرى كيف تسير حياة الآخرين، هو يرفل في النعيم وهم أقرب إلى الجحيم. قالوا إن الإنسانية من الإنسان، هل هذا حقاً؟.. أم نزعنا الإنسانية من نفوسنا وحلت بدلها الأنانية، ويصبح الأثرياء والحكام بالعدالة الاجتماعية وهم لم يذوقوا طعم الحرمان ولا ألم المعدة وهى خالية من الطعام أو من ظلم الأيام والإنسان أو محاولة الشفاء بدون دواء أو يتيم لا يعرف الحنان أو أرملة تربى أولادها وليس لديها إلا دموعها والدعاء.. كيف ينام امرئ تحت الغطاء في الشتاء وغيره يلتحف السماء ولا يبلع ريقه حتى لا يثير جوع الأحشاء ثم يأخذ قسطاً من البكاء الصامت حتى يكل فينام. هل خلقنا الله لنكتنز المال ونجمع النفائس ونشترى النفوس ونسعى إلى النفوذ حتى إن كانت على الأجساد والأخلاق.. لا والله، لقد أعطى الله بعضاً منا لنعطى نحن بدورنا غيرنا ووضع العشور والزكاة نبراساً لنا، ولكن هل نعقل ونعلم برسالتنا؟.. كيف تضع يا أخى رأسك على وسادتك فى المساء وقد رفضت في الصباح يد تطلب العون والحياة وقد طمست فى ذاتها كل حياء وكبرياء. قالوا إن الإنسان حيوان عاقل وأقول إن هناك حيوانات أعقل.. قالوا إن الإنسان استمد الرحمة من الله الرحيم وأقول إن هناك حيوانات أرحم. إن السعادة يا أخى حالة معدية تستطيع أن تصيب بها الآخرين فتسعدهم وابتسامتك وهى تمتد إليهم سوف ترتد إليك بابتسامات من البشر والترحاب وحب الناس لك هو من رضاء الله عليك وأن جمال الوجه من راحة الضمير.. إن ما تملكه هو ليس لك بل عليك.. هل نعى نحن هذا المعنى الكبير؟.. لو فهمناه حقاً لما صار هناك فقير.. فأنت للمجتمع دائن فكن مديناً.. هل تعلم أن فضلات موائدك يقتات عليها الكلاب وأيضاً بعض الجوعى من الإنسان.. هل قارنت بين هزال هذا الطفل الذى يمسح لك زجاج سيارتك وبين إعلان شركات إزالة السمنة من أصحاب الكروش، الأول جسد مقعر والثانى كرش محدب.. حاول أن تعمل معروفاً أو حسنة واحدة كل يوم وخبرنى كيف ستنام هذه الليلة مرتاح البال والضمير، ولا تستكثر مالك على الضياع ولا أولادك على الموت فالكل إن شاء ربك إلى الضياع، فكن رحيماً بالحياة حتى تكون هى رحيمة بك بإذن من الله. لهذا إن أعطيت فلا تجعل يسارك تعلم بما تفعل يمينك وإن أحسنت فلا تذل أعناق العباد لأن المال كما يذل النفوس قد يذل أيضاً الرقاب.. إن الله خلقنا أحراراً فلست أنت مالك لهذه الرقاب. عضو الهيئة العليا