انطلقت يوم 14 أغسطس الماضي، احتجاجات المعارضة الباكستانية التي دعا لها حزبا «الحركة الشعبية الباكستانية و«حركة العدالة الاجتماعية» بقيادة المعارضين طاهر القادري وعمران خان (لاعب الكريكت السابق). وتعيش العاصمة الباكستانية إسلام آباد توترا كبيرا منذ ذلك اليوم بعد أن أخذت اعتصامات المعارضة فيها طريقا دمويا عنيفا وسط انسحاب الحكومة من المشهد تاركة الساحة للمتظاهرين وقوات الجيش التي تولت حماية المؤسسات الحكومية. ووقعت اشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين من حزبي حركة الإنصاف وحركة عوامي باكستان، اللذين يقودهما عمران خان وطاهر القادري، حيث حاول المتظاهرون التوجه لمقر رئيس الوزراء نواز شريف، وتتسارع التطورات في الدولة الإسلامية النووية وسط حرب كلامية مع جارتها الهندية خصمها التاريخي اللدود فيما اقتحم المتظاهرون المعتصمون في العاصمة إسلام آباد مبنى التليفزيون الحكومي قبل أن يسيطر الجيش الباكستاني على الموقف ويتدخل لحماية المؤسسات، بينما انسحبت الحكومة من الشارع وتركته للمتظاهرين وقوات الجيش. تدخل باكستان بذلك علي خط النار، مع أزمة جديدة ربما تضيف إسلام أباد على قائمة الدول التي تشهد توترات وأعمال عنف على غرار ما حدث فى دول الربيع العربي ، وربما بوتيرة أسرع تعجل بتفكيك الشرق الاوسط عبر إعصار جديد يهب عليه من أقاصي آسيا تضاف الي موجات الترنح التي تضربه بلا هوادة في العمق الافريقي .
«لا تنازل».. شعار الجميع الجيش يستعد للتدخل بعد تعثر المسار الديمقراطي استغلت المعارضة الباكستانية الذكرى 67 لاستقلال باكستان يوم 14 أغسطس الماضي، لإطلاق شرارة احتجاجاتها الضخمة لإطاحة رئيس الوزراء نواز شريف عن منصبه. بدت المظاهرات الضخمة على غرار الربيع العربي، خاصة عندما اندلعت مواجهات قوية بين المحتجين والشرطة الباكستانية، التي واجهتهم بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع. تعود جذور الأزمة السياسية التي تضرب باكستان عندما أدت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو 2013 إلى تولي نواز شريف الحكم للمرة الثالثة في تاريخ البلاد، ليبرز أكبر خلاف بين الحزبين والحكومة. لقد فاز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الذي يرأسه «نواز شريف» بالأغلبية في تلك الانتخابات التي اقر المراقبون الدوليون انها كانت نزيهة رغم بعض المخالفات في عدد من الدوائر الانتخابية. وينتقد حزب العدالة الذي يقوده عمران خان الذي حل في المرتبة الثالثة في ذلك الاقتراع، عمليات تزوير مكثفة قال إنها حصلت خلال الانتخابات. فيما قاطع محمد طاهر القادري الكندي الباكستاني وحزبه الحركة الشعبية في باكستان الانتخابات بعد ان قاد اعتصاما حاشدا في قلب إسلام آباد مطالبا باصلاحات انتخابية. وجدد «القادري» وهو دكتور في العلوم الاسلامية خلال الايام الاخيرة انه يناضل من اجل باكستان ديمقراطية معتدلة وتقدمية لكن ثورته الى جانب عمران خان تثير شكوكا. يتهم المراقبون الرجلين بانهما يلعبان لعبة الجيش، او على الاقل قسم من اجهزة الاستخبارات النافذة في هذا البلد المعتاد على الانقلابات. ويرى محللون ان الجيش يحاول الضغط على شريف بسبب عدة خلافات لا سيما محاكمة الجنرال السابق برويز مشرف بتهمة «الخيانة العظمى» دون محاولة الاطاحة بحكومته. الصحف الباكستانية نفسها تعاملت بشكل باهت مع تلك الدعوات الى «التغيير» و«الثورة» ، بل وحتى انتقدتها بعد 15 شهراً من أول عملية انتقالية ديمقراطية في تاريخ البلاد الذي قاده العسكر طيلة ثلاثة عقود. دعوات الجيش للفرقاء السياسيين لحل الأزمة، مع تصاعد حدة المواجهات بين الشرطة الباكستانية ومعارضين، سقط على إثرها مئات الجرحى، كانت بمثابة إنذار مثير للقلق من عودة الجيش مرة أخرى للحياة السياسية. ومع محاولة المتظاهرين احتلال مباني حكومية وسيادية، يتعزز ترجيح المحللين إلى خطوة أكبر من جانب الجيش قد تتجاوز محاولات الوساطة. يستند هؤلاء في رأيهم إلى تصريح وزير الدفاع خواجة آصف الذي قال «إن المتظاهرين أرادوا احتلال مبان تشكل رموزاً للدولة. لقد رددنا على محاولتهم وسنواصل القيام بذلك عبر استخدام كل القوة الضرورية. هذا واجبنا». المعارضة تتمترس وراء طلب إقالة شريف، رافضة أي اصلاحات شكلية دون هذا المطلب. أما الحكومة فتصر على البقاء، وأصدرت بيانا تقول فيه «إن استقالة شريف ليست واردة، وإنه لا يوجد أعضاء بالحكومة اقترحوا تقديم استقالاتهم». وهدد رئيس الوزراء الباكستاني نفسه بمحاسبة كل من يحاول إعاقة عمل الديمقراطية في البلاد، لافتاً أن الأحزاب تأتي وتذهب لكن الديمقراطية يجب أن تستمر كنظام سياسي. قراءة المحللين تؤكد أن الجيش يتمتع بنفوذ كبير وقد يستغل الجيش هذا الوضع المتصلب بين الجانبين لتنظيم «تدخل هادئ» ، يعزز به هيمنته على السلطات المدنية. كما أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن المظاهرات التي شهدتها باكستان طوال ما يقرب من أسبوعين تنطوي على العديد من المخاطر، إذ إن الجيش يراهن على التدخل في الحياة السياسية من خلال التنسيق مع قادة المظاهرات الذين يتقدمهم لاعب الكريكيت العالمي عمران خان. واضافت الصحيفة ان عودة الجيش إلى الحياة السياسية بقوة، تأتي بعد اقل من سنة واحدة من انتقال السلطة في باكستان إلى حكومة منتخبة. وكان قائد الجيش الجنرال رحيل خان قد اجتمع مع عمران خان وطاهر القادري رجل الدين المتصوف الذي يشارك في قيادة المظاهرات ، وقدم قائد المؤسسة العسكرية عرضا بالوساطة بين الحكومة والمتظاهرين، مع التعهد بضمانات لقيادات التظاهر لتحقيق الجدية في المفاوضات التي يمكن أن تتم مع الحكومة، إذ إن الأزمة تتجه إلى طريق مسدود، بعد إصرار المتظاهرين على استقالة رئيس الحكومة نواز شريف المتهم بتزوير نتائج الانتخابات التي جاءت به إلى الحكم. وهنا تختلف الآراء حول شخصية القادرى, فهو يمثل الإسلام الصوفي المعتدل بعدما حاز شهرة دولية لأبحاثه العديدة فيه ومن بينها فتواه ضد الهجمات الانتحارية. وقد عمل كأستاذ جامعي حتى عام 1981، حيث أسس شبكة حركة منهج القرآن التعليمية لتنمية روح التسامح بين الطوائف, ثم أسس حزبه السياسي «الحركة الشعبية في باكستان» وانتخب في عهد حكومة برويز مشرف ولكن بعد أن ضاق ذرعا من عدم قدرته علي تغيير أخطاء النظام هاجر إلى كندا, وقد عاد مؤخرا لباكستان من أجل قيادة ثورة سلمية لإسقاط الحكومة التي جاءت بتزوير بين كما يردد مؤيدوه, وأنه واحد ممن سلطوا الضوء علي ديمقراطية باكستان الهشة, بينما يصفه منتقدوه أنه جاء لزعزعة أمن واستقرار البلد. ولابد من الاشارة الى ان شريف الذى شغل منصب رئيس الوزراء لولايتين غير متتاليتين, وتمت الإطاحة به في انقلاب عسكري علي يد الجنرال برويز مشرف, وتم نفيه خارج البلاد ثم عاد عام 2007 ليفوز بفترة حكم ثالثة من خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت في مايو 2013, اعتبر مصدرا للخلاف بين حزبي المعارضة والحكومة, منذ أن فاز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، الذي يرأسه شريف بالأغلبية. فبالرغم من إقرار المراقبين الدوليين بنزاهة الانتخابات,فإنه تم رصد العديد من المخالفات في عدد من الدوائر الانتخابية, الأمر الذي انتقده بشدة حزب خان، والذي حل في المرتبة الثالثة في ذلك الاقتراع. وقد جاءت المظاهرات الحالية لتحيي المخاوف من تجدد الصراع على السلطة بين الجيش والقادة السياسيين المدنيين، حيث اتهم عدد من المسئولين أفرادا في الجيش بدعمهم المعارضة وتنظيم المظاهرات لإضعاف الحكومة المدنية. فى الوقت الذى يعتقد فيه محللون سياسيون أن شريف الذى يعتمد على الجيش لإحلال الأمن في وجه التحديات التي تواجهه، قد يضطر لاتباع سياسة أقل عنادا فيما يتعلق بتنفيذ السياسات التي يعترض عليها الجيش، مثل المضي قدما في اتهام القائد السابق للجيش برويز مشرف بالخيانة العظمى. وفى الوقت الذى يتبادل فيه الطرفان عمليات الشد والجذب فيراهن طرف على تزايد أعداد المتظاهرين والمعتصمين، بينما يسعى الآخر للظهور بمظهر رجل الدولة المنفتح للحوار مع المعارضة فى اطار الدستور والقانون، يبقى المواطن العادى الذى لا تشغله كثيرا صراعات السياسيين بقدر ما يشغله تحقيق الحد الادنى من مطالبه الاقتصادية والحياتية هو الطرف الأضعف فى هذه المناورات التى يتخوف الكثيرون أن تتحول الى مواجهات دامية قد تسيل فيها دماء المدنيين الطامحين فقط لتحسين حياتهم.
عودة الحرب الكلامية بين نيودلهي وإسلام آباد تجددت الحرب الكلامية بين الهندوباكستان مؤخرا على ضوء الأحداث فى إسلام آباد، ويتهم البلدان بعضهما البعض باللجوء لإطلاق النار بصورة استفزازية وانتهاك وقف اطلاق النار وانتهاك الحدود، حيث أكد زعيم جماعة الدعوة حافظ عبد الرحمن مكي - رئيس قسم الشئون الخارجية – ان الهند تستغل الوضع الداخلى فى باكستان وما تشهده من مظاهرات واحتجاجات حاشدة وتنتهك وقف إطلاق النار غير المبرر، كما تنتهك الحدود الفاصلة بين باكستانوالهند. وقال مكى إن المظاهرات صرفت النظر عن العمليات الجارية في وزيرستان، وكما استفادت منها الهند بالتسلل وانتهاك الحدود، كما طالب الأحزاب السياسية والدينية بتوحيد صفوف المسلمين وحثهم على التضامن بمقاييس إسلامية. وأضاف مكي أن الهند تستخدم الأراضي الأفغانية ضد باكستان للتخريب، وقد أرسلت الهند 25000 جندي إلى أفغانستان وهذا جزء من المشروع ضد باكستان، وعلي الهند أن تتذكر أنه قد بدأ العد التنازلي للزوال. وحذر حكماء باكستان بعدم اعطاء الممر للهند وأنها تنوي السيطرة على تجارة آسيا الوسطى، وأوضاع العالم تسير لصالح باكستان، وكما أكد أن هيمنة الولاياتالمتحدة وحلفائها في المنطقة لن تنجح، ومصيرها مصير الاتحاد السوفيتي، وهذا كله بفضل الجهاد. وأضاف مكي: يجب على باكستان أن تكون مستعدة للدفاع عن الأمة المسلمة، وباكستان تلعب دورا مرموقا في الوضع الحالي في الشرق الأوسط.وفي وقت سابق انتهكت الهند قطاع سيالكوت وكشمير، وإن لم تكف الهند عن وقف إطلاق النار والتسلل لابد لباكستان الدفاع عن حدودها والرد بالمثل. اتهم ناريندا مودي رئيس وزراء الهنديباكستان بالتورط في حرب الارهاب بالوكالة ضد بلاده. وقال مودي فى كلمته أمام افراد الجيش وسلاح الجو بمقاطعة لاداخ إن باكستان فقدت قوتها في القتال في الحرب التقليدية ولكنها تستمر في مشاركتها في حرب الإرهاب بالوكالة، وجاءت تصريحات مودي وسط توترات بين البلدين بشأن الحدود الدولية وخط السيطرة الذي يقسم شطر كشمير، وتستهدف قوات حرس الحدود وجيشا البلدين النقاط التابعة لبعضهما البعض على خط السيطرة والحدود الدولية. وقالت الهند إن اثنين من قوات حرس الحدود ومدنيين اصيبوا بسبب اطلاق نار من جانب باكستان على قطاع ارينا في حين قالت باكستان إن اطلاق النار الهندي تسبب في مقتل سيدة وإصابة آخرين في قطاع تشارواه بالقرب من سيالكوت، وهاجم مسلحون قافلة تابعة لقوات حرس الحدود الهندية في بلدة بامبوري واصابوا ثمانية أفراد من بينهم ضابط قبل ساعات فقط من زيارة مودي للمنطقة. وتتهم نيودلهي إسلام اباد بإرسال مسلحين إلى شطر كشمير الخاضع لسيطرة الهند. بيد أن إسلام اباد تقول إنها تساعد الكشميريين فقط بالدعم المعنوى والسياسي. ويزعم الجانبان احقيتهما في كشمير التي تقع في منطقة الهيمالايا والمقسمة بين الهندوباكستان، بالكامل. ومنذ استقلالهما عن بريطانيا، خاضت الدولتان ثلاث حروب، اثنتين فقط حول كشمير. التيار الإسلامي: الأزمة مفتعلة لإنقاذ «مشرف» يزعم الإسلاميون أن الأزمة السياسية التي تخيم على باكستان الآن مفتعلة، بهدف إضعاف حكومة نواز شريف ذات التوجه الإسلامي المحافظ. ويقول هؤلاء إن الدول الغربية اختارت طريق الحياد مما يحدث في باكستان، ولم تعلق تلك الدول على ما يحدث في باكستان أو تدين الممارسات العنيفة التي تسود التحرك ضد حكومة نواز شريف، والتي وصلت إلى حد ممارسة العنف واقتحام المؤسسات الحكومية وعلى رأسها مبنى الإذاعة والتلفزيون. يقول المدافعون عن حكومة شريف إن الأحزاب التي تقود هذا الحراك المتسم بالعنف والمطالب بإسقاط الحكومة واستقالة رئيسها نواز شريف ذات توجه معاد للإسلاميين. أهم هذه الأحزاب حزب حركة الإنصاف يترأسه «عمران خان» ، لاعب الكريكيت الباكستاني والذي تحول للسياسة في منتصف التسعينيات والذي قضى كثيراً من حياته في نوادي لندن الليلية وتأثر بأفكار الغرب وتوجهاته، وتزوج سيدة المجتمع الإنجليزية «جيميما جولدسميث» التي تحولت إلى الإسلام بحفل ديني مدته دقيقتان في باريس. والحركة الشعبية التي يرأسها «طاهر القادري» الصوفي صاحب العلاقات القوية مع الشيعة، وصاحب الفتوى الشهيرة التي صدرت له في 600 صفحة بشأن الإرهاب، والذي وصف - في مؤتمر صحفي بلندن عام 2009 – من يقومون بأعمال تفجيرية انتحارية بأنهم غير مسلمين، معتبرا أن الإسلام يعتبرهم «كفاراً»، واصفا تنظيم «القاعدة» بأنها «شر قديم باسم جديد». المدافعون عن التوجه المحافظ لحكومة شريف يعتبرون أن ذلك يمثل دليلا لفهم ما يجري في باكستان. وهم يرون أن حياد الدول الغربية وعدم وصف هذه المظاهرات بالعنف أو التطرف، يشير إلى عدم رضاها عن التحول الديمقراطي الذي شهدته البلاد، والذي قد يخرج باكستان من بوتقة النفوذ الأمريكي أو يخفف من شدة هيمنتها على تلك الدولة الإسلامية الكبيرة. وعلى الرغم من عدم وجود سيناريو محدد لمستقبل الأحداث التي تجري في باكستان، إلا أن كثيراً من المحللين يؤكدون أن الحكومة بقيادة نواز شريف لا يراد لها أن تخرج من الأزمة بغير تنازلات للجيش أقلها السماح لقائدها السابق «برويز مشرف» الذي يحاكم حاليا بتهمة الخيانة بمغادرة البلاد. ولا يعني ذلك إلغاء احتمالات قيام الجيش بانقلاب ناعم على الحكومة باسم المحافظة على الأمن واستقرار البلاد , أسوة بكثير من دول العالم وعلى رأسها حاليا دول ما سمي «بالربيع العربي»، والعودة بباكستان إلى مربع الحكم العسكري الذي ساد فيها لفترة ليست بالقصيرة. إسقاط حكومة فواز شريف هدف المحتجين