يعتبر فيلم «الحرب العالمية الثالثة» إحدي التجارب الكوميدية التي حققت جذباً جماهيرياً كبيراً بما يحمله من جرأة في الطرح وجرعات مكثفة من البهجة، ولكن لأن صناعته وراء انتفاضة الكوميديا في ثوبها الجديد فالتجربة الرابعة لأحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد تجاوزت إيراداتها العشرة ملايين في الأسبوع الأول لأنها تنتمي لفكر جديد منفتح علي الآخر وقادر علي استقطاب جمهوره والتأسيس لقواعده بطريقة صحيحة، فالسينما لم تعد تفرض نفسها حسب أهواء منتجين وأبطال خدعتهم ذواتهم المتضخمة وأوهمتهم بالتربع علي عروش الضحك، ولكن جمهورها تحول لريموت كنترول يتجول بين دور العرض حتي يصطدم بجديد يجذبه وهو ما حققه الثلاثي في تجاربهم السابقة سينمائياً وتليفزيونياً، في تجربتهم الوحيدة «الرجل العناب» التي كانت مشروعاً لفيلم سينمائي تأرجح بين محمد حفظي والسبكي ولم ينتج فلجأوا لتنفيذه تليفزيونياً، بعد تعامل الوسط معهم بتعال وحذر معتقدين أن نجاح تجاربهم السينمائية ضربة حظ. ولكن الحقيقة أن وراء هذا النجاح فكراً مختلفاً التف حوله جمهور كبير من شباب الإنترنت الذي يسخر طوال الوقت من كل الأشياء وكثيراً ما يسخر من عالمه الافتراضي الذي يجد فيه متنفساً يعبر من خلاله قيوداً وأسواراً ترتفع شيئاً فشيئاً من قبل الأنظمة الاستبدادية خوفاً من ارتفاع سقف أحلام هذا الجيل الذي يعرف حقوقه المهدرة أكثر من جمعيات حقوق الإنسان كما يعرف عن هوليوود وأفلامها ونجومها ومخرجيها أكثر من أرباب النقد السينمائي في مصر باستثناء أسماء قليلة ممن رحم ربي. والأفكار التي طرحها شيكو وأحمد فهمي وهشام ماجد أدخلت قفص الاتهام بداية من «ورقة شفرة» وانتهاء ب «الحرب العالمية الثالثة» بتهمة السرقة من أفلام أمريكية ولكن كثيراً من كتاب الصحافة الفنية ولهم وافر الاحترام لا يدركون الفرق بين ما يعنيه سرقة عمل فني أو اقتباسه أو السخرية منه وهذه الفروق لا تتأتي إلا بدراسة وافية للسيناريو المنقول عنه وتحديد الخطوط الرئيسية التي تمت سرقتها أو الأفكار المقتبسة من وإلي، وهو ما لا يحدث فنحن نخشي أن نشاهد ونمل التفكير فيما شاهدناه ولا نجد عيباً ولا رادعاً في أن نلقي حجراً في بركة ماء صافية وننتظر من يوقف الدوامات. لهذا يأتي اتهام «الحرب العالمية الثالثة» بالسرقة سطحياً لأن فيلم «ليلة في المتحف» لبنستيلر عرض جزؤه الأول قبل ثمانية أعوام ثم التقطته الفضائيات سريعاً ومازال يعرض بشكل شبه يومي علي قنوات الأفلام وجميعنا يعرف الفيلم بجزأيه ويحفظ شخصياته، والمتعارف عليه أن سارقي الأفلام يبحثون عن المجهول منها لنقله ومما سبق يجب أن نضع التنويه في مقدمة الفيلم ضمن المقدمات التي تؤدي إلي نتيجة واحدة وهي اعتماد الفيلم مبدأ السخرية وكتب علي سبيل الإفيه رغم أن فكرة الفيلم الأول وعودة الروح إلي تماثيل من الشمع ليست بجديدة لتسرق، فالغرض كما قلنا هو نقل رؤية ساخرة لأفلام هوليوود التي سخرت من نفسها لأنها بالفعل سينما ترجع إلي الخلف بعد عقود صدرت خلالها للعالم الكثير من الأفلام التافهة، ثم لم تجد ما تقدمه فسخرت مما قدمت كما في أفلام «saw» وغيرها من أفلام الرعب التي جمعها عدد من شباب السينما الأمريكية وقدموا معالجات كوميدية تسخر من أفلام الرعب في أربعة أجزاء حملت اسم «سكير موفي» وحققت رواجاً لا في الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط ولكن في مصر أيضاً. والفيلم هنا يعتمد علي المفارقة التي يتلقاها من يعرفون فيلم «ليلة في المتحف» جيداً بموجة من الضحك، خاصة أن البطل هو «خميس» أو أحمد فهمي ابن صاحب محل أدوات صحية يدعي الشجاعة ويجسد نموذجاً شعبياً يعرفه الكثيرون منا فهو صاحب الكرة الذي لا يجيد اللعب ولكنه يلعب بقانون الملكية فلا يقف كحارس مرمي أو يلهث للإتيان بالكرة التي يدفعه للحصول عليها أخيراً لدخول المتحف قبيل صحوة التماثيل ثم يحصل علي طوق النجاة قبيل إعدامه بانتحال شخصية صلاح الدين الأيوبي وهي مفارقة أخري، والسيناريو هنا يقدم شخصيات مختلفة لا تلتقي مع الفيلم الأمريكي إلا من خلال شخصية «توت عنخ آمون» لتأتي مختلفة مع اعتماد السيناريو مرة أخري علي المفارقة بجعل «شيكو» يجسد شخصيته فلا تتلاقي هيئتهما بأي حال من الأحوال، ناهيك عن الكوميديا التي تنبعث من تركيبة الملك التي تحمل طفولة لا تتناسب وهيئته. ويضيف السيناريو شخصية علاء الدين التي يجسدها هشام ماجد مستعيناً بفانوسه السحري وبداخله عفريته «سيد» أو أحمد فتحي هذا العفريت الكسول المتخاذل إلي جانب بعض الشخصيات الفاعلة مثل محمد علي باشا وأحمد عرابي، يتابعان الملك والإسكندر الأكبر صاحب قهوة إسكندراني داخل المتحف وبوب مورلي مطرب الأغاني الشعبية «المسطول» ويتحول تمثال بن ستيلر لتمثال أبوالهول الذي يعمل بمبدأ «تفتيح الدماغ» ويطلب سيجارة ليتستر علي أي شخص يريد اقتحام الجناح الملكي. فالمفارقة تأتي من اختلاف طبيعة الشخصيات التي ترتدي أزياء تاريخية ولكنها تتعامل بمنطق ومرادفات العصر وهذا في حد ذاته يولد الكثير من الكوميديا وعلي الجانب الآخر يقف محور الشر المكون من هتلر «علاء مرسي» وهويدا «إنعام سالوسة» موظفة المتحف التي تترك الخدمة وتسعي للحصول علي كتاب التعويذات السحرية لاستخدامه، وهتلر في شن حرب عالمية بإيقاظ أشرار العالم ومعسكر الشر لا يختلف في تركيبته الإبداعية التي وضع لبنتها الثلاثي هشام ماجد وأحمد فهمي وشيكو، وعبر عنها مصطفي صقر ومحمد عز الدين في سيناريو الحرب العالمية الثالثة. ولكن مع خروج التماثيل من المتحف يبدأ الإيقاع في التراخي ولا تفلح مارلين مونرو أو بوسي بوصلتها الكوميدية أو الغنائية، وحوار عمرو يوسف الذي يجسد رأس صلاح الدين أو حتي إطلالة سمير غانم كرجل أمن في شد إيقاع العمل لتتغلب هوليوود علي صناعه في التمهيد للحدث وتقديم ذروة تليق بنهاية الفيلم، فتوافر الكوميديا لا يعني الإهمال في قواعد اللعبة السينمائية، ناهيك عن حشد العديد من الشخصيات التي لم يسهم السيناريو في توظيفها مثل أحمد عرابي صاحب الدور المحدود وغاندي الذي لم ينطق سوي في مشهدين وأم كلثوم التي قدمت وصلة غنائية وحيدة ورأفت الهجان في مشاهده القليلة، كذلك شخصية أبوالهول التي قدمها صلاح عبدالله ولم يتم استغلالها جيداً رغم مردودها الكوميدي واستخدام الجرافيك في تحريكها بشكل مباشر، بالإضافة لأسدي قصر النيل وكان علي المخرج أحمد الجندي الاهتمام بالصورة والديكور بشكل أكبر لأن التجارب تمر ولا تتكرر والفيلم رغم تميزه افتقد تفاصيل مهمة كان من الممكن أن تحقق إبهاراً إلي جانب الكوميديا وهو ما نسعي لتقديمه في السينما المصرية لنلحق بركاب هوليوود وهو أمر غير مستحيل. وفي النهاية نؤكد أن أحمد فهمي وشيكو وهشام ثبتوا أقدامهم علي مسرح الكوميديا بهذه التجربة، خاصة أنهم لم يصروا علي الكتابة بل فضلوا الاستفادة من عقول أخري مثل مصطفي صقر ومحمد عز الدين، كذلك استعانتهم بكوميديانات مثل بيومي فؤاد الذي أثبت أنه كوميديان من نوع خاص وقادر علي التنوع والإدلاء بدلوه في كثير من مناطق التشخيص، بالإضافة لأحمد فتحي الصاعد بقوة ويوسف عيد المبهج وسيدة الكوميديا إنعام سالوسة، إضافة لمحمد علي وشيماء والظهور الشرفي لمحمود الجندي، فنحن أمام تجربة جيدة كانت تستحق جهداً أكبر، خاصة علي مستوي الإنتاج.