"القاهرة الخديوية" أو "وسط البلد"..واحة جمالية تاريخية نادرة, تزخر بالعديد من التحف المعمارية, التى تنافس بتصميماتها وزخارفها الفريدة أعتى المبانى الباريسية, لو لم تطلها يد الإهمال. "واجهة" ظلت مبعثا لفخر واعتزاز كل مواطن مصرى, وقاطني هذه المنطقة بالأخص, منذ أن دشنها الخديوى إسماعيل, فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر, إلى أن طُمست معالمها وجمالياتها فى الأربع سنوات الماضية, بعد أن أصابها فيروس الباعة الجائلين كغيرها من المناطق المصرية, الذين انتشروا فى شوارعها كانتشار النار فى الهشيم, وبشكل خاص بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011, لتفقد بذلك "القاهرة الخديوية" رونقها الجمالى, الذى يعطيها طابعاً خاصاً يميزها عن غيرها من المناطق المصرية. وعقب ثورة 25 يناير, تولت أنظمة تلو الأُخرى, لم يجرؤا أحداهم على اتخاذ قرار إزالة الإشغالات من الشوارع المصرية, وبصفة خاصة شوارع منطقة وسط البلد, خشية أن يُوصف مُتخذ هذا القرار بأنه معاد للثورة وللبسطاء الساعين إلى توفير قوت يومهم, عبر افتراش قارعة الطريق, وتسويق بضاعتهم, ولو بالبلطجة إن تطلب الأمر. واستمر الوضع إلى ان وصل الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم, ليتخذ فى الأيام الأولى من رئاسته قراره الشجاع بإزالة جميع الإشغالات والمخالفات, ليس فقط فى منطقة وسط البلد, لكن فى جميع المحافظات المصرية, من خلال الحملات التى تشنها وزارة الداخلية على المناطق التى يوجد بها الباعة الجائلون أو تلك التى تنتشر بها المخالفات. وبالعودة للحديث عن "القاهرة الخديوية", فقد بدأت بالفعل مطلع الأسبوع الجارى, رئاسة أحياء غرب القاهرة وعابدين اللذان تقع منطقة وسط البلد فى نطاقهما, حملات مكثفة لإزالة الباعة الجائلين والإشغالات التى كانت تحرم المواطنين من أحد أبسط حقوقهم, وهو السير على الرصيف, وسط تأمين قوات وزارة الداخلية. "بوابة الوفد" تجولت داخل منطقة "وسط البلد" عقب رفع الإشغالات جزئياً عن بعض شوارعها, والتى تستأنف رئاسة الأحياء السالف ذكرها بالتعاون مع وزارة الداخلية أعمال الإزالة, حتى تاريخ كتابتنا لهذا التقرير. وللمرة الأولى منذ أربع سنوات, أصبح ظهور رجل الأمن وشرطى المرور واضحاً للعيان, بعد أن كان يبدو كالإبرة فى كومة القش, وسط عربات وبضاعة الباعة الجائلين, كما أصبح من الطبيعى على المواطنين السير على أرصفة الشوارع بحرية وأمان دون خوف أو قلق من مضايقات الباعة الجائلين, والتمتع بالنظر إلى تصميمات المبانى وجمالياتها الأخاذة, بعد أن كانت تكسوها خيام وتجهيزات الباعة الجائلين. وخلال أعمال الإزالة, التقت"بوابة الوفد" مصادفة, مع المهندس جمال محيى رئيس حى عابدين, الذى كان يتابع أعمال إزالة الأكشاك المُخالفة بنفسه, حيث أكد أن هناك أكشاك حاصلة من المجلس الأعلى للصحافة على رخصة لبيع نسخ الجرائد, وليس لمزاولة أنشطة أخرى من التى كان يقوم أصحاب هذه الأكشاك بمزاولتها, لافتاً إلى أن أصحاب الأكشاك, وقعوا على إقرار, يقضى بإزالة أكشاكهم إذا تبين مزاولتهم نشاط آخر بخلاف الترخيص الذى يعملون من خلاله. وأكد محيى أن الشغل الشاغل لرئاسة الحى فى الوقت الراهن, هو العمل على إعادة الشكل الحضارى للقاهرة, مشيراً إلى أن منطقة وسط البلد ومبانيها التى تتنوع ما بين منشآت تاريخية وسيادية ومصارف, لا تتلاءم من الناحية الحضارية والأكشاك المُخالفة التى كان يحوى معظمها على آلات طهى من نوع"وابور الغاز" نظراً لعمل بعضها فى بيع المشروبات الساخنة. وناشد رئيس الحى المواطنين بمساندة رئاسة حى عابدين فى مهمته, لافتاً إلى أن المُخالفين سيتم توفير أماكن بديلة لهم, يمكنهم من خلالها مزاولة النشاط الذى يرغبونه, مضيفاً أن أعمال إزالة الإشغالات التى قامت بها رئاسة الحى اليوم, شملت مناطق البورصة والإذاعة القديمة, مشدداً فى ختام حديثه على أن الوجه الحالى لحى عابدين سيتغير فى غضون أيام. وعلى صعيد ردود أفعال المواطنين وأصحاب المحال التجارية التى كان يفترش الباعة الجائلون الأرض أمامها, فقد أبدوا جميعاً استحساناً لما تقوم به رئاسة الأحياء بالتعاون مع وزارة الداخلية. يقول محمد صاحب محل أحذية بشارع طلعت حرب: "الحمد لله, احنا رجعنا دلوقتى زى زمان.. قبل البائعين دول ما يمشوا, الزباين كانت بتخاف تيجى عندنا, والستات كانوا بيتعاكسوا منهم". وأشار إلى أن الفائدة الأكبر من أعمال إزالة الإشغالات, تصب فى مصلحة محال بيع الملابس, انطلاقاً من كون معظم الباعة الجائلين تخصصوا فى بيع الملابس. وطالب "محمود ربيع" ابن الخمس وعشرين ربيعاً, الذى تخرج من مدرسة السياحة والفنادق ويعمل بإحدى المقاهى المجاورة للبورصة, بتقنين أوضاع المقاهى المخالفة بمنطقة البورصة, ملمحاً إلى أن إزالة الإشغالات لا تأتى فى صالح العمال البسطاء, على الرغم من تأييده لمبدأ إزالة الإشغالات كما أورد لنا. يرى محمود أن أعمال الإشغالات, كان من الواجب تنفيذها بطريقة تدريجية, لا أن يتم إزالتها فى وقت واحد, بما يتوافق ومصالح العاملين بهذه المقاهى. ويقول إبراهيم, صاحب مكتبة بمنطقة البورصة, إن الباعة الجائلين كانوا سبباً فى كثير من المشاكل التى كان يواجهها أصحاب المحال التجارية بالمنطقة, بالإضافة إلى كونهم ظاهرة غير حضارية, معتبراً إياهم "عالة على المجتمع".