مصر، بموقعها الفريد، كانت تتعرض لخطر الغزو من كل الجبهات. مرات جاءها الغزو والخطر من الشرق، عبر سيناء، من الهكسوس الذين غزوا مصر قادمين من غزة، إلي الفرس.. ثم الإسكندر.. ومن الشرق جاءتنا الحروب الصليبية، من إمارات الصليبيين مع من جاءوا من الشمال عبر البحر المتوسط. وجاءها الأتراك العثمانيون.. أيضاً من الشرق بعد أن هزمونا بالخيانة عند سوريا. وجاءنا الخطر من الغرب، مرات عديدة، عندما تحكمت القبائل الليبية وحكمت مصر عدة سنوات، في أواخر العصر الفرعوني، ومن هذا الغرب حاول الفاطميون غزو مصر عدة مرات في أواخر الحكم الإخشيدي لمصر إلي أن نجح جوهر الصقلي في فتح مصر.. ومن الغرب أيضاً جاءنا الخطر في الحرب العالمية الثانية خلال الحكم الإيطالي المدعم بالقوات الألمانية- أيام «روميل»- وحاولوا وقتها احتلال مصر والوصول إلي قناة السويس، وحقول البترول في السعودية والعراق وإيران. وجاءنا الخطر- أيضاً- من الجنوب. ومن أشهر هذه الغزوات محاولة عبدالله التعايشي- خليفة محمد أحمد المهدي- غزو مصر من الجنوب بجيش سوداني يقوده عبدالرحمن النجومي.. ولكن الجيش المصري نجح في إحباط هذه المحاولة عند توشكي، حيث تم قتل الآلاف من الغزاة منهم «النجومي»- قائد الغزوة نفسه. الآن الخطر يهدد مصر من كل جانب. فالخطر يحاصر مصر من كل الجهات. هناك خطر يهدد المنطقة بدأ بالحرب العراقية- الإيرانية من 80 إلي 1988 لتدمير قوة الجيش الإيراني، غربي التسليح، ثم بجريمة صدام حسين عندما غزا الكويت، ويومها أغمضت أمريكا عيونها عن هذه الجريمة، لتبرر عملية استكمال ضرب الجيش العراقي، الذي كان في مقدمة الجيوش العربية قوة وتسليحاً إلي أن تمت عملية تدمير العراق: الجيش. والشعب. والأرض. واستدار المخطط الغربي لتدمير المنطقة ليضرب سوريا ويمزقها.. لأنه أيضاً آخر الجيوش العربية القوية.. ومازالت الجريمة مستمرة في الشام. وإذا كنا نتابع المؤامرة علي العراق وسوريا.. مع محاولات جر لبنان إلي هذه المعمعة.. فإن الخطر الأكبر، المباشر الآن علي مصر.. هو ما يأتي من الغرب، أي من ليبيا.. حيث انتهت الدولة الليبية.. ضمن مخطط أن تصبح ليبيا الممزقة أرضاً عازلة بين مشرق العالم العربي، ومغرب هذا المغرب العربي من تونس إلي الجزائر إلي المغرب وإلي موريتانيا.. وهذا هو الخطر الذي لا يحسه إلا من يفهم حقيقة الوضع شديد الأهمية للأرض الليبية.. وليس بعيداً- هذا المخطط- عن المخطط الغربي لزرع إسرائيل لتفصل بين الدول العربية شرق فلسطين- وهي سورياولبنان والعراق- وبين غرب فلسطين، الذي هو مصر ودول المغرب العربي. وهكذا يتحقق المخطط الغربي لتمزيق المنطقة العربية، أي إعادة رسم المنطقة.. وبذلك يتحول حلم «الربيع العربي» إلي واقع الخريف العربي ربما لأن الغرب قد أصابه الضرر بإسقاط النظم التي كانت مؤيدة له! والهدف من كل ذلك هو «إحاطة» مصر بأراض معادية أي عزلها تماماً عمن حولها.. لكي يسهل للغرب «ضرب. وتصفية» هذه المقاومة المصرية، وهي الوحيدة الباقية، فوق الأرض العربية.. أي المخطط يقول «إضرب» قلب هذه المقاومة.. ليسهل للغرب تنفيذ ما يشاء من مخطط لإعادة رسم حدود، ومصير كل دول المنطقة. يفعل الغرب ذلك، وهو علي يقين من أنه لن يتمكن من تحقيق هدفه هذا طالما بقيت مصر.. صامدة! وما أشبه اليوم بالبارحة.. فما يتبعه الغرب الآن هو نفس ما نفذه الغرب فيما عرف بالحروب الصليبية.. إذ- يومها- عندما كانت مصر القلعة الصامدة أمام هذه المخاطر الصليبية.. وكلما جاءت حملة صليبية هدفها ضرب الأراضي المقدسة في فلسطين بل وإنشاء دويلات صليبية أربع هناك.. كانت مصر هي التي تتصدي. وتقاوم.. عندها فكر الغرب المسيحي في توجيه ضربات مباشرة لمصر.. لإخضاعها أو إجبارها علي التخلي عن مقاومة مخططات الصليبيين.. فكان أن توجهت حملاتهم العسكرية مباشرة إلي هذا القلب.. إلي مصر. . فكانت حملة جان دي برين الصليبية علي مصر عام 1219 وفيها احتل الصليبيون دمياطوسيناء وحاولوا الوصول إلي القاهرة.. وكانت حملة ملك فرنسا لويس التاسع عام 1249.. وكررت نفس الهجوم واحتلت دمياط وشرق الدلتا.. وحاولت التقدم جنوباً لاحتلال القاهرة.. والحمد لله إن ذلك لم يتحقق بفضل الصمود المصري. أقول ذلك وأنا واثق 1000٪ من أن الرئيس السيسي قد حمل هذه الحقائق إلي الأشقاء في السعودية، لكي يعملا معاً علي إحباط هذا المخطط الذي يستهدف أيضاً ضرب الأشقاء في السعودية والمخلصين في الخليج.. فهؤلاء مع مصر هم القوة الوحيدة الباقية.. القادرة علي الصمود أمام مخطط تدمير المنطقة كلها وإخضاعها لمطامع الغرب.. فهل يتحقق هذا الصمود؟