في بداية عهد جديد، تتشكل جوانبه بإفرازات ونتائج ثورة يناير المجيدة التي وضعت مصر علي طريقها الصحيح، وأعادت للشعب حريته وكرامته التي افتقدها سنوات عديدة، عاش فيها مقيدا مكتوفاً يعاني فسادا وتدهورا تتابع وتراكم، ولا أحد يشعر بما يعانيه. وجاءت ثورة يناير لتمحو آثار سنوات عجاف بآمال ورؤي وتطلعات جديدة، جعلت قلوب الشعب تنبض من جديد، وتتنسم روح العزة والكرامة التي تحكمت فيها أياد عابثة لم تبال بالشعب، وظنت أنها أحكمت مقاليد السلطة، وأن إرادة المصريين قد تبخرت بغير رجعة. كم هي جميلة تلك الثورة، التي أخرجتنا من القهر والظلم والمحاباة والاستبداد، وقضت علي أحلام الطغاة ومخططات المفسدين، لكن.. ما نعيشه الآن من غياب لمؤسسات الدولة وجهاز الشرطة وموجة الفتن والاضطرابات التي تشهدها البلاد، هي الخطر الذي آن لنا أن ننتبه إليه ونواجهه سريعاً قبل أن يتفاقم. إننا نتكاتف لتكون للثورة يد تحميها، لكن ما جدوي يد تحمي إن لم تكن هناك يد أخري لتبني؟ وكما أن لنا حقوقاً، فمصر هي الأخري لها حق علي أبنائها، وإنني وكل مصري مخلص بقدر ما أتمني أن تتحقق كل أهداف الثورة بشكل كامل، بقدر ما يهمني أيضاً ان تتواجد مقومات الدولة من جديد. لا أدري لماذا تقف عجلة الإنتاج في تلك الفترة التي تتطلب منا بناء مصر، ونقف نحن متفرجين؟ تباري المجلس العسكري وكل الوطنيين في توضيح خطورة أوضاعنا، وأننا أصبحنا علي وشك أن ينفد المخزون الاحتياطي من القمح، وأيضا المخزون النقدي، ولجأنا إلي صندوق النقد الدولي، وتأثر الاقتصاد وتراجعت أسهم السياحة، ومعظم المستثمرين يستعدون للرحيل، لكن.. للأسف اتسعت دائرة التشكك والتخوين وانعدام الثقة التي نجح النظام السابق في إصباغها للشخصية المصرية، وأصبح من يحذر من خطورة أوضاعنا للأسف يوضع في قفص الاتهام بالالتفاف علي الثورة والسعي لتفتيتها، لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وتبقي المسئولية الوطنية تحتم علي كل قلم حر أن يراعي ضميره، ويوضح الحقائق خوفاً علي مستقبل البلاد. بدأت معارك تصفية الحسابات، وأصبحت المصالح الشخصية هي الهدف الذي يشغل الكثيرين، وأصبحت القوي الانتهازية تستغل الظرف الراهن لتحقق أكبر قدر من المكاسب، ولو علي حساب الوطن ومصالح أبنائه، ولم نخرج نحن من نظام استبدادي لنواجه نظاما استبداديا جديدا. نعيش معاً مسلمين وأقباطا إخوة وشركاء في الوطن والتاريخ، تربطنا علاقات قوية وثيقة، غيبت الحكومات السابقة الأقباط ولم تهتم بمطالبهم المشروعة، والآن يقف بعض الانتهازيين ويشعلون نيران الفتن ويحرضون البعض علي ألا يتحملوا تعبيرهم عن ضيقهم واستيائهم، ويلعبون علي أوتار حساسة، فتنشب المعارك، ونتناسي روح الثورة وننشغل بصراعات داخلية قد تذهب بنا إلي حافة الهاوية. إن لكل ثورة تأثيرات وتوابع، لكن الخطر أن نظل نرتكن لتلك القاعدة، ونبلور كل شىء ونعلقه عليها كشماعة لكل وضع سيئ، وإن وقوف عجلة الإنتاج والتكاسل عن البناء والتعمير لا يعد بأي حال من الأحوال ضمن توابع أي ثورة في العالم، وإن ثورتنا العظيمة تستحق أن تحقق أهدافها ومصر أيضاً تستحق من أبنائها أن يضعوها أولا وفوق أي اعتبار.