العدوان غير المسبوق الذي يشنه الاحتلال "الإسرائيلي" على فلسطينالمحتلة من دون أن يقتصر الأمر على مكان دون الآخر، يثبت أن المخطط المرسوم لهذه الحلقة الدموية الجديدة، شامل وسيتمدد أكثر فأكثر، والدلائل على ذلك كثيرة وواضحة جداً، وليست في حاجة إلى إثبات . أكثر من مئة شهيد في غزة وعشرات الجرحى والمنازل المدمّرة بالكامل، ونيران الاحتلال لا تلبث تتصاعد وتزداد حدتها لتبلغ مستويات عالية من القتل والتدمير، والهدف الأول والأخير يتمثل في كسر إرادة الفلسطينيين، وقتل معنوياتهم، وروح مقاومة المحتل التي ما زالت أساس المواجهة الوحيد، في ظل التراخي الدولي والتباطؤ العربي، وانعدام وجود المؤسسة أو الدولة العربية الفاعلة والرائدة، خصوصاً في الجوار الفلسطيني الغارق، إما في أزماته الذاتية أو الصراعات المشتعلة في جواره . 18 شهيداً فلسطينياً وأكثر من 50 جريحاً سقطوا في غارة واحدة استهدفت منزلاً في مدينة غزة ليل السبت/الأحد، في أفظع جريمة منذ بدء ما سماها الاحتلال عملية "الجرف الصامد" على قطاع غزة، قبل سبعة أيام، والحجة المعدّة مسبقاً لهذا الاستهداف الصارخ للمدنيين العزّل، هي أن المبنى يعود لقائد شرطة غزة تيسير البطش الذي ظل يصارع الموت حتى لحظة كتابة هذه السطور . أطفال ونساء وعجزة انتشلوا جثثاً أو أشلاء بشرية من تحت أنقاض المنزل المهدّم بالكامل، والمنازل المجاورة التي دمرتها آلة الاحتلال جزئياً، فيما سقط أغلبية الجرحى بينما كانوا يؤدون صلاة التراويح في مسجد مجاور، طالته صواريخ طائرات الغدر والقتل الجماعي . أما الكذب "الإسرائيلي" غير المتناهي عما يزعم الكيان أنها "قوة أخلاقية"، وأن الاحتلال "يحذّر" المدنيين قبل شن غاراته العدوانية، فإنه مكشوف منذ أول غارة وأول قصف معادٍ لإنسانية الفلسطيني، فالاحتلال ليس معنياً إلا بالمزيد من القتل والدم، وغير معني إلا بتواصل مخطط التدمير وتفكيك القدرات الفلسطينية المتضررة أساساً نتيجة تتالي حلقات العدوان والتدمير والقصف . حتى ذوو الاحتياجات الخاصة لم يسلموا من الدمار الشامل، الذي خلفته همجية الاحتلال، إذ ارتقت شهيدتان تعانيان من إعاقة دائمة وأصيب أربعة معاقين في قصف استهدف جمعية متخصصة بعلاجهم ورعايتهم . هكذا يصوّر الاحتلال منازل الآمنين من المدنيين، والمساجد ودور العبادة، وجمعيات رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والجمعيات الخيرية، على أنها "أهداف عسكرية"، أو نقاط لنشاط المقاومة الفلسطينية، والهدف من ذلك ليس تزوير الوعي العالمي فحسب، بل محاولة استفزاز الفلسطينيين، وتحريضهم ضد المقاومة، من باب تصوير الأمور وكأنها كانت مجرد "رد فعل"، فيما يؤكد الواقع أن الفلسطينيين منذ بداية هذا العدوان لم يستطيعوا إلا رد الفعل على الإرهاب الاحتلالي الذي لا يلبث يتجاوز الحدود . في ظل هذا الوضع الغارق في سواد المشهد والدم الفلسطيني النازف، تتحدث "إسرائيل" عن جهود لما تسميها "تهدئة" أو "وقفاً لإطلاق النار"، محاولة التغطية على فداحة الجرائم التي تقترفها بحق إنسانية الفلسطينيين سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، لكن الواقع يؤكد أن التهدئة المزعومة هذه لن تكون إلا مجرد وسيلة للتغطية على الواقع الفظيع . الاحتلال سيفشل في محاولته كسر إرادة الفلسطينيين، الذين باتت المواجهة والصمود عقيدتهم في الحياة، لكن الخسائر ستكون مضاعفة في ظل حالة الخذلان الإقليمية والتواطؤ الدولي . نقلا عن صحيفة الخليج