وافق مجلس الوزراء برئاسة المهندس «محلب» منذ عدة أيام علي تخفيض الدعم بالموازنة العامة للدولة، بالنسبة للوقود والطاقة، وذلك من خلال زيادة الأسعار الخاصة بالبنزين بأنواعه المختلفة، وكذلك بالنسبة للسولار والغاز.. إلخ، وقد أثارت هذه القرارات العديد من التساؤلات المختلفة، التي استدعت أن يجري رئيس الوزراء حواراً تليفزيونياً بقناة «صدي البلد» وكذلك أن يعقد المشير السيسي رئيس الجمهورية، حواراً يتعرض لمبررات هذه القرارات، والأهداف المرجوة من إصدارها، ويجب مبدئياً أن نذكر أن البلاد تعاني بشدة من أزمة اقتصادية شديدة، حيث يوجد عجز هائل في الموازنة العامة سواء بسبب مبالغ الدعم المقررة لعدد من السلع والخدمات والمرافق العامة، أو بسبب زيادة قيمة فوائد الدين الداخلي والخارجي أو بسبب مبالغ الدعم المقررة لعدد من السلع والخدمات العامة أو بسبب ارتفاع وزيادة الاعتمادات المخصصة لتوفير خدمات المرافق العامة مثل التعليم والصحة والمياه والنقل والاتصالات والكهرباء! كما يوجد عجز كبير في «الميزان التجاري» وفي «ميزان المدفوعات» بسبب انخفاض الإنتاج القومي خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد أكد رئيس الوزراء أن مواجهة هذا العجز أصبح ضرورة حتمية لإصلاح الاقتصاد القومي، وكذلك أكد المشير السيسي رئيس الجمهورية في حواره مع الإعلاميين والصحفيين، علي ذات المعني وعلي ضرورة قبول الشعب التضحيات اللازمة.. وللحقيقة فإن معالجة عجز الموازنة العامة يجب أن يتحمله القادرون والأغنياء وغيرهم دون الفقراء ولا ينحصر علاج هذا العجز علي الإلغاء الكلي أو الجزئى للدعم كما فعلت الحكومة، ولكن يمكن معالجته بزيادة الإنتاج وتعدد الاستثمارات وتشغيل المصانع المتوقفة التي بلغت 4500 مصنع، وكذلك بيع الأراضي واكتشاف آبار البترول، كما يمكن معالجة هذا العجز بالاقتراض الداخلي من النظام المصرفي أو بقروض خارجية من الدول العربية الصديقة، أو من صندوق النقد الدولي، أو بإصدار قرار جمهوري بقانون بفرض «ضرائب تصاعدية» علي أرباح القادرين ودخولهم، بما يحقق زيادة موارد الخزانة العامة أو بزيادة إصدار النقد، وهذا الحل بالطبع مرفوض تماماً لما يرتبه من تضخم وارتفاع هائل في الأسعار وانخفاض لقيمة العملة!، وكذلك يمكن أن يرفع مقابل خدمات عامة أو رسوم بعض المرافق العامة مثل رسوم المرور في قناة السويس، التي لم يتم الإشارة إليها بأي وجه! وفيما يختص بالكهرباء والمياه والغاز التي أصابها أيضاً قرار رفع الدعم الجزئي لها فقد بررت الحكومة المحلية ما قررته بشأن التخفيض الجزئي للدعم بالنسبة للطاقة وخدمات المرافق العامة الأخري ليس فقط بأنه لا يوجد لعجز الموازنة العامة سوي هذا الإجراء، ومن ناحية أخري الزعم بعدم وصول الدعم إلي مستحقيه واستفادة الأغنياء وحدهم مع القادرين منه وبصفة خاصة فيما يتعلق بأثمان الأنواع المختلفة من البنزين وكذلك من السولار والغاز.. إلخ. ولقد أثارت هذه القرارات الخطيرة أيضاً مدي دستورية هذه الإجراءات وبالذات مدي اتفاقها مع أحكام المادة 124 من الدستور التي تنص علي أن تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء ويعرض مشروعها علي مجلس النواب، ويجوز للمجلس أن يعدل النفقات الواردة أو مشروع الموازنة عدا التي ترد تنفيذاً لالتزام محدد علي الدولة، وإذا ترتب علي التعديل زيادة في إجمالي النفقات وجب أن يتفق المجلس مع الحكومة علي تدبير مصادر للإيرادات تحقق إعادة التوازن بينهما، وتصدر الموازنة بقانون ويجوز أن يتضمن تعديلاً في قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق هذا التوازن، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يتضمن قانون الموازنة أي نص من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة.. إلخ. ويؤكد هذا النص ضرورة موافقة مجلس النواب علي مشروع الموازنة العامة مع سلطته في التعديل فيها، كما أنه لا يجوز أن يتضمن مشروع الموازنة الذي يصدر بقانون بعد موافقة مجلس النواب لأي عبء مالي جديد أياً كانت تسميته علي المواطنين!، ونص المادة في هذا الشأن مطلق ولا يحتمل أي استثناء، وليس فيه أي غموض في الدلالة علي حظر أن تضاف أية أعباء جديدة بالموازنة العامة علي المواطنين، بينما الذي حدث هو رفع أسعار البنزين والسولار والغاز وثمن المياه والكهرباء، وكل ذلك يمثل أعباء جديدة علي المواطنين نتيجة لتخفيض الدعم المقرر علي هذه السلع والخدمات!، ويثير ذلك بالطبع السؤال عن السند الدستوري لما صدر من قرارات تلغي جزئياً الدعم وترفع أسعار وأثمان هذه السلع والخدمات، وهو ما سوف يترتب عليه حتماً ورغم التصريحات المتفائلة لرئيس مجلس الوزراء عن قبول التجار ومقدمي خدمات النقل السلعي والفردي بعدم رفع التعريفة أو الأسعار نتيجة للإلغاء الجزئي للدعم بناء علي ما يترتب علي ذلك حتماً طبقاً للمبادئ الاقتصادية الصحيحة رفع الأسعار والتعريفات بطريق مباشر للسلع والخدمات المقصودة بالقرارات الخاصة بالتعديل في الدعم، وكذلك رفع الأسعار بالنسبة لباقي السلع والخدمات الأخري بالسوق سواء بنسبة زيادة في السعر أو التعريفة، أو بما هو أكثر من ذلك حيث لا توجد تسعيرة جبرية ولا رقابة جدية علي الأسعار الودية العادية ولا يوجد تحكم فعال في العرض بواسطة الدولة، وأجهزتها يحتم عدم رفع الأسعار بصورة استغلالية وانتهازية من التجار. وقد صدرت الموازنة العامة لسنة 2014/2015 بقرار جمهوري بقانون وذلك لعدم وجود مجلس النواب حالياً الذي سوف يتم انتخابه في الشهور الثلاثة القادمة وبالضرورة فإنه سوف تتم استقالة الحكومة الحالية، وتشكل حكومة أخري جديدة كما تقضي بذلك أحكام الدستور في هذا الخصوص ولا يجوز أن نتجاهل الآثار السياسية لهذه القرارات حيث يعاني المواطنون من الإرهاب ومن الأزمة الاقتصادية الخانقة ومن تدني وانهيار معظم خدمات المرافق العامة المختلفة، ومن الغلاء أيضاً وكل ذلك يجعل مناسبة إصدار هذه القرارات بتخفيض الدعم ورفع الأسعار محل انتقاد وتفرض ضرورة دراسة اتقاء ما قد يولده السخط الشعبي من التظاهر رفضاً لها في بداية المدة الرئاسية للرئيس المشير السيسي والله غالب علي أمره. رئيس مجلس الدولة الأسبق