وجه الكاتب الأمريكي أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنجامتون الأمريكية في نيويورك جيمس بتراس الرسالة التالية لخريجي أهم كلية عسكرية في أمريكا وهي وست بوينت في 8 يونية بمناسبة تخرجهم، ننقلها للقارئ كما جاءت قبل التعليق عليها. يقول بتراس للخريجين: في مايو عام 2014 وجه الرئيس أوباما خطاباً افتتاحياً لخريجي الأكاديمية العسكرية الأمريكية في وست بوينت، وخلف الراية البراقة لأبطال الحرب القدامي والحاليين.. حدد أوباما رؤية لنجاحات عسكرية سابقة وعرض السياسات الحالية علي أسس من التضليل العميق لتحليل السياسة العالمية لأمريكا حالياً. كان عرض أوباما يتميز بأكاذيب ممنهجة عن حروب ماضية وتدخلات أمريكية عسكرية حالياً، وتجاهل حديثه تماماً ذكر ملايين المدنيين الذين قتلهم الجيش الأمريكي في تدخلاته العسكرية، وباهي في خطابه بنمو مؤسسة NSA وهي الأداة الأمريكية للدولة البوليسية، وعرض حساباً متضخماً عن دور أمريكا في الاقتصاد العالمي، وأسوأ من ذلك عرضه لسياسة المواجهة المتناهية الخطورة مع القوي العسكرية والاقتصادية الصاعدة خاصة في روسياوالصين. أولاً: تزييف الماضي بتحويل الهزائم والتقهقر إلي انتصارات: فأحد أكثر عوامل القلق في حديث الرئيس أوباما هو تزييفه لتدخلات أمريكا العسكرية خلال الحقبة الماضية، فهو يزعم أنه بأي معيار فنادراً ما كانت أمريكا أقوي مما هي الآن بالمقارنة بباقي العالم، رغم أنه بعد 13 عاماً من الحرب والاحتلال في أفغانستان فشلت أمريكا في الانتصار علي طالبان وتركت خلفها نظاماً عميلاً ضعيفاً علي وشك الانهيار، كما اضطرت أمريكا للانسحاب من العراق بعد أن تسببت في مقتل مئات الألوف من المدنيين وتهجير وإصابة الملايين وإشعال حرب طائفية مكنت نظاماً موالياً لإيران من الوصول للسلطة في بغداد، وفي ليبيا دفع أوباما حلف الناتو لتدمير الدولة كلها لكي يسقط حكومة القذافي العلمانية مما دمر أي فرص للتوافق بين القوي المتصارعة في ليبيا، ودفع إلي السلطة عصابات إرهابية إسلامية شديدة العداء لأمريكا. وفشل تماماً جهد أمريكا في الوساطة بين فلسطين وإسرائيل وتميز باستسلام أوباما المخزي لرئيس وزراء إسرائيل شيمون بيريز في هدفه بابتلاع مزيد من الأرض الفلسطينية لإقامة مستوطنات يسكنها اليهود فقط ويمول إنشاءها دافع الضرائب الأمريكي، وينفي استسلام أوباما للنفوذ اليهودي في واشنطن زعمه بأن يقود القوة العظمي في العالم. لقد سمعتم في الأكاديمية محاضرات عن الاقتصاد العالمي وطبعاً تعلمون أن الصين حلت محل أمريكا في الأسواق الرئيسية في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، وبينما تعتبر الصين تحدياً اقتصادياً رئيسياً فهي ليست قوة عسكرية توسعية، فهي لا تملك آلاف القواعد العسكرية في الخارج أو قوات خاصة تعمل في 75 دولة ولا تعقد أحلافاً عسكرية ولا تغزو دولاً تبعد عنها آلاف الأميال، أما سياسة أوباما نحو آسيا فهي توسعية استفزازية علي حدود الصين بعكس تصريحاته العلنية بتقليص العمليات العسكرية في الخارج. يتكلم أوباما عن الدفاع عن مصالحنا الحيوية بالقوة المسلحة ومع ذلك يستفز الصين بالنزاع حول مجموعة صخور في بحر الصين الجنوبي مدمراً بذلك مصالح ال 500 شركة كبري التي تتعامل مع الصين واستثمرت فيها مليارات الدولارات.. يذكر أوباما موضوع محاربة الإرهاب ومع ذلك فقد شجعت سياساته الإرهاب فقد سلحت أمريكا الإسلاميين الإرهابيين الذين أسقطوا حكومة القذافي المدنية ودفعوا ببلدهم إلي الفوضي.. ويساند أوباما الإرهابيين الإسلاميين الذين يحاولون إسقاط الحكم السوري المدني ويدفع مليار دولار ونصف المليار سنوياً معونة عسكرية لديكتاتورية مصرية عسكرية تقمع معارضيها المدنيين، وتقتل وتسجن الآلاف منهم، وفي فبراير ساندت أمريكا الانقلاب العنيف الذي أسقط حكومة أوكرانيا المنتخبة وساندت قيام السلطة في كييف بضرب القوي الديمقراطية جواً في الجنوب الشرقي لأوكرانيا وغالبيتهم الكبري من الروس. إن جعجعة أوباما عن حربه ضد الإرهاب هي غطاء لإرهاب الدولة الذي يمارسه ويقفل بذلك باب أي حلول سلمية في الدولة التي تواجه إرهاباً من المعارضة ويتشدق بنجاحنا في إنشاء تحالف وشراكة مع أوروبا والعالم، ومع هذا فسياسته العدوانية حيال روسيا خلقت شقاقاً كبيراً بيننا وبين بعض دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية التي تتاجر مع روسيا بمليارات الدولارات وتعارض مثل ألمانيا فرض عقوبات علي روسيا بسبب أوكرانيا، وفي أمريكا اللاتينية فإن منظمة الدول الأمريكية التي تسيطر عليها أمريكا لم تعد لها قيمة، وتقوم في مواجهتها منظمات إقليمية تستبعد أمريكا من عضويتها ولا تنسي لأمريكا محاولاتها إسقاط حكومات فنزويلا وكوبا، وقد فشلت أمريكا تماماً في خلق جبهة اقتصادية في آسيا تستبعد الصين من عضويتها. وأينما نظرت تجد حلفاء أمريكا هم الأقل ديناميكية والأكثر قمعاً مثل إسرائيل واليمن والسعودية ودول الخليج والشمال الأفريقي والديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية وآسيا ويفسر أوباما دور أمريكا في العالم تفسيراً ملتوياً، فيتجاهل خسائر الحروب التي لا نكسبها وتراجعنا الاقتصادي، ويرفض الاعتراف بأن سياسته الخارجية مثار اعتراض معظم الأمريكيين ولذا فالأكاذيب الكبيرة والمغامرات العسكرية ستعني أن الضباط حديثي التخرج مثلكم سيكونون وقود المدافع نتيجة سياسات يمقتها الأمريكيون. ويحاول أوباما يائساً خلق تاريخ امبراطوري لفترة رئاسته، فهو مشغول حالياً ببناء قوات جوية وأرضية والقيام بمناورات استفزازية في البلطيق وبولندا موجهة ضد روسيا مما يهدد باحتمال ضربة نووية أولي منا ضد دولة نووية كبري لا تهددنا، ونتيجة ضعف شعبيته في أمريكا يحاول تعويضها في الخارج بمغامرات عسكرية مثل زيادة حجم الأسطول قرب سواحل الصين وإرسال المئات من القوات الخاصة للأردن لتدريب الإسلاميين الذين يهددون سوريا، ويشجع قمع أوكرانيا للمعارضين السلميين في الشرق عن طريق زيادة المعونة العسكرية لحكومة كييف، كما أرسل الآلاف من القوات الخاصة لعديد من دول أفريقيا، وخصص مليار دولار للتوسع العسكري للدول الأوروبية المواجهة لروسيا، وخمسة مليارات دولار للدول القمعية، التي تقمع معارضيها، ولذلك فرؤيته للسياسة الخارجية تمثل خطراً شديداً علي أمريكا خاصة تزايد اعتماده علي الجنود المرتزقة ونشر الفوضي والبؤس في الدول الأخري استناداً إلي القوة العسكرية المفرطة، لتأجيل اليوم المحتوم لفقدان أمريكا وضعها كقطب دولي أوحد. وقد دمرت حربه الجوية ضد ليبيا دولتها تماماً، وحولها إلي إقطاعات للوردات الحرب المتنافسين، وموطناً خصباً لتنظيم القاعدة وغيره من عصابات الإرهاب التي تهاجم دولاً عديدة مثل سوريا ولا تؤيد أغلبية الأمريكيين الساحقة عداءه لكوبا وفنزويلا، وقد تكشفت سياساته الازدواجية تماماً فهو يتكلم عن السلام ويشن الحروب، وسيرسلكم أيها الضباط حديثو التخرج إلي حروب وقمع ثورات شعبية ليخدم رأس المال الأجنبي، وسيكون عليكم حماية حكومة نهبت الخزانة العامة، وسيكون عليكم التضحية بحياتكم وبأطرافكم في حروب لحساب إسرائيل والنازيين الجدد في أوكرانيا وتشجيع الانقلابات العسكرية ضد الحكومات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية وغيرها. إن تخطيط أوباما لكم يتنافي مع مثلكم العليا ورغبتكم في أمريكا مزدهرة ديمقراطية مسالمة، عليكم الخيار بين خدمة نظام يحتقر دستورنا ويخطط لحروب عدوانية لحساب اللصوص من أصحاب المليارات أو رفض المساهمة كعضلات صماء في خدمة امبراطورية دموية، فماذا ستختارون؟ وإلي هنا ينتهي هذا التشريح المتميز لشخصية شرير يحكم دون وازع من قانون أو ضمير، وإن كان لنا تعليق في نهاية هذا العرض فهو أن الكاتب يبدو أن كثرة حديثه عن أكاذيب أوباما قد أصابته برذاذ من هذه الأكاذيب، فإذا به يتجاهل الحقائق الثابتة التي أجمع عليها معظم العالم فيزعم أن ما حدث في 30 يونية 2013 في مصر لم يكن ثورة شعبية كبري بل انقلاب عسكري ديكتاتوري، رغم أن القوي الاستعمارية نفسها التي زعمت نفس الشيء حين وقعت ثورة 30 يونية المجيدة قد بدأت في التراجع والاعتراف بأنها ثورة، رغم حسرة هذه القوي الاستعمارية لسقوط حكم العصابة المتأسلمة التي كانت ستنفذ لها مخططتها الشرير بتمزيق دول الشرق الأوسط. نائب رئيس حزب الوفد