زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخاطفة إلى الجزائر في طريقه إلى القمة الإفريقية في مالابو، محملة بالدلالات والرسائل، ولأنها كذلك، فهي ليست زيارة للمجاملة، بل تأتي ضمن نظرة استراتيجية تحكم البلدين إزاء ملفات عدة من أمن واقتصاد وتنسيق سياسي. وإزاء التحديات الخطرة التي تواجه البلدين، فإن التقاءهما على توجه واحد سيساهم في خلق ديناميكية جديدة في المنطقة ويدفع إلى تغييرات مطلوبة إفريقيّا لا تقبل التأجيل . تاريخ مصر والجزائر المشترك الذي تعمد بالدم مراراً سواء في حرب التحرير الجزائرية أو الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني ليس وحده المبرر لإعادة صياغة شراكة خلاقة بين القاهرةوالجزائر، فما يواجهه البلدان في هذه المرحلة لا يقل خطورة عن كل ما سبق . وبعد الإطاحة بنظام الإخوان وما انكشف بعده من مخططات لخطف المنطقة وتجيير مقدراتها لمشروع لا أفق له، يصبح التنسيق المصري الجزائري مطلباً ثنائياً للبلدين وشعبيهما وقومياً عربياً وقارياً إفريقياً بدرجة ثالثة . وفي ظل التنامي المروع للإرهاب وتعطل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن مجابهة هذه التحديات تستدعي تكتل دول المنطقة على ذلك وفي المقدمة يجب أن تقود مصر والجزائر القاطرة . صحيح أن مصر تمر بظروف اقتصادية صعبة تستدعي تضحيات جبارة من قيادتها وأبناء شعبها، وهو أمر يحصل بوعي وقاد ومسؤولية تاريخية . ومصر في عهدها الجديد، وهي مصممة على التعافي، تتجه إلى عمقها الإفريقي وتستعيده تجسيداً لريادتها في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية واستضافتها لأول قمة لتلك المنظمة عام ،1964 ففي ذلك الوقت كانت مصر القوة العظمى الوحيدة في القارة وشكلت مع الجزائر تحالفاً صلباً قدم خدمات جليلة لشعوب القارة الإفريقية عندما كان أغلبها، إما تحت الهيمنة الاستعمارية أو تفترسه المجاعة والأوبئة والجهل . وليس قليلاً على القارة الإفريقية اليوم أن ترد الجميل، ولا يكفي رفع تجميد عضوية القاهرة في الاتحاد الإفريقي، وإنما بصياغة ميثاق جديد يعيد بناء الاتحاد ودور الدول فيه بحسب أدوارها التاريخية وإمكاناتها الراهنة، على أسس علمية تأخذ في الحسبان التغيرات الحاصلة وتضع بنك أهداف يقع الالتزام به والعمل على تنفيذه . في العهود السابقة كانت مشاكل التنمية والحروب الأهلية ورفع الأمية والمجاعات والأمراض أكبر التحديات التي تواجه القارة السمراء، وفي هذه المرحلة ظهر ما هو أخطر ليفاقم المشكلات السابقة . ويتعلق الأمر بملف الإرهاب الذي بات يضرب معظم الدول الإفريقية ويعرقل أي خطوات إلى الأفضل . وبكل المقاييس، فإن ليبيا قد تحولت إلى مستوطنة للإرهابيين، ومنها اجتاح الخطر جوارها وبالأخص مصر والجزائر وتونس، ووصل إلى دول الساحل الصحراوي وسواها، وها هي جرائم "بوكو حرام" وتنظيم "القاعدة" وحتى "دامس" (الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي) تتوالى كل مطلع شمس . وهذا الخطر دفع الأفارقة إلى تأسيس قوة إقليمية لمحاربة الإرهاب الصحراوي تحت قيادة الجزائر، وربما تكون نتائج الحرب أضمن حين تنضم مصر بكل مقدراتها الأمنية والعسكرية لهذا المجهود الإقليمي، ولن يكون مستبعداً أن نشهد شيئاً من هذا التوجه في الأيام المقبلة . فمصر في مثل هذه المعارك أكثر من ضرورة، مثلما إفريقيا لمصر أكبر ظهير ونصير .