وسط حالة من الصراع السياسي المحموم بين الفرقاء، يعززها التخندق الطائفي وتزكي نيرانها أوضاع إقليمية مضطربة، سيطرت ما يمكن أن نطلق عليها أشباح الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” علي ثلاث محافظات سنية، سقطت في قبضة مئات المسلحين دون مقاومة تذكر من قوات الجيش أو الشرطة العراقية، بعد أن فر عناصرها وتركوا مواقعهم ومراكز تسليحهم وأقسام الشرطة لنيران متطرفين يرفعون رايات “القاعدة”. فبعد أيام قليلة من عمليات كر وفر سيطر خلالها مسلحوا “داعش” علي مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية، فرض مسلحوتنظيم “داعش” سيطرتهم علي مدينة الموصل ذات الغالبية السنية أيضا مركز محافظة نينوي، التي تعد ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة بغداد. وفي الوقت الذي طلب نوري المالكي رئيس وزراء العراق الذي يصارع من أجل الحصول علي ولاية ثالثة يعارضها احلفاؤه الشيعة قبل قيادات السنة، من البرلمان إعلان حالة الطواريء في البلاد، إتهم محافظ نينوي وهوشقيق رئيس البرلمان، المالكي بأنه سبب ما يجري بالمناطق السنية، وأنه يدفع بالأمور إلي تقسيم البلاد دون أدني إعتبار لخسائر العراق مما يجري. وفيما يتبادل الساسة العراقيون الإتهامات بشأن سقوط المحافظات السنية المروع، تأتي تصريحاتهم التي تدعوإلي التكاتف باعتبار أن ما يجري حاليا هومؤامرة خارجية، حيث طالب المالكي المتنازع مع كل شركاء العملية السياسية بحشد “كل الطاقات الوطنية من اجل انهاء تنظيم داعش في محافظة نينوي والمحافظات الأخرى”، فيما قال رئيس البرلمان أسامة أن العراق “يتعرض لغزوخارجي”، وان الوقت حان لاعتماد الحل السياسي للأزمة في العراق، داعيا المجتمع الدولي إلي تحمل مسؤولياته لانقاذ البلاد من التفكك. إلا أن النجيفي الذي يرأس أكبر تكتل سني خاض الانتخابات الأخيرة، نوه إلي إن محافظة نينوي سقطت في أيدي مسلحي دولة العراق والشام الاسلامية “داعش”، بسبب انهيار معنويات القوات العراقية وهروبها من ساحة القتال، في إشارة إلي عدم وجود تنسيق أوقيادة تستطيع إنقاذ البلاد من أي خطر مهما كان، وهوما يعزز توجهات الساسة السنة بالعراق إلي تقويض آمال المالكي في ولاية ثالثة لرئاسة الوزراء التي يتولاها منذ عان 2006 . المحافظات السنية ونظرا لضبابية الرؤية حول ما يجري بالمحافظات السنية العراقية، فإن باب الاتهامات بات مفتوحا أمام الجميع، كما أن أبواب التأويلات والمعلومات الوهمية باتت أكثر إتساعا، حيث تناقلت وسائل الاعلام ما يفيد بوقوف عناصر من الجيش العراقي السابق بقيادة عزت الدوري وراء ما يجري، فيما إتهمت قيادات عسكرية لوحدات انسحبت من مدينة الموصل القيادات العليا في بغداد بإعطاء أوامر لكافة القوات الامنية من جيش وشرطة بالانسحاب تماما من الموصل، وهوما أفسح المجال أمام المئات من مسلحي “داعش” للسيطرة علي الموصل وإقتحام مقر محافظة نينوي والمصارف الحكومية والأهلية. فيما تطرح أسئلة حائرة نفسها علي مائدة الحوار، حول ما تتمتع به اشباح ” داعش” من نفوذ يمنحها كل تلك الحرية في الحركة من محافظة غلي أخري وإسقاطها والاستيلاء علي أسلحة وذخائر القوات الرسمية المتمركز فيها، وإحراق مراكز الشرطة والإستيلاء علي المصالح والمصارف، ولماذا بدا الجيش العراقي ضعيفا في مواجهة الهجمات المتتالية لمسلحي “داعش”، ولماذا تتأخر عمليات تسليح الجيش العراقي، ولماذا يلقي عناصره السلاح ويخلعون ملابسهم الرسمية ويفرون هاربين أمام مسلحين لا يتجاوز عددهم المئات . فيما يطرح تواجد قوات كردية ” البيشمركة” في مناطق بعينها بدعوي الدفاع عنها أمام ” داعش” تساؤلات مثيرة حول وجود صفقات مع حكومة المالكي المنتهية ولايتها، وما هوالثمن الذي سيتسلمه الأكراد نظير دعم المالكي، خاصة بعد وارد تسريبات حول عدم موافقة مجلس النواب المنتهي ولايته علي اعلان حالة الطواريء كما يريد المالكي . الموصل والدور الأمريكي أما التصريحات الأمريكية المتصاعدة فانها تطرح تساؤلا حول أبعاد الدور الأمريكي، وماذا يجري التخطيط له في أروقة صناع القرار بخصوص العراق والمنطقة، خاصة بعد فشل إدارة أوباما وتراجعها بشأن القضية السورية لصالح الأجندة الايرانية الروسية، التي أمنت إستمرار نظام بشار الأسد، كما يمكن إعادة التساؤل حول تصير أمريكا ” وهي دولة الاحتلال ” في أعادة بناء جيش عراقي قوي قبل اتمام انسحابها، للدرجة التي ظهر بها في حالة رثة لا يقوي علي مقاومة مجموعات مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة . فالجيش العراقي بعد أكثر من ثلاث سنوات علي انسحاب القوات الأمريكية يبدوفي وضع كارثي شديد الهشاشة، والدليل علي ذلك هوأن القوات العراقية التي دربتها وسلحتها واشنطن وأنفقت عليها ما يقارب الخمسة والعشرين مليار دولار ويتجاوز قوامها المليون عنصر أمني، غير قادرة علي مواجهة حرب منظمة تقودها جماعات مثل “داعش” تسيطر علي الأرض وبدت مؤخرا وكأنها تنفذ عملياتها كجيش نظامي. كما أن دخول مسلحي “داعش” واحتلالهم أجزاء كبيرة من مدينة سامراء بالغة الأهمية قبل أسبوع، قد أحدث صدمة لدي العراقيين بسبب الضعف الواضح الذي بدت عليه القوات العراقية في مواجهة المسلحين المقتحمين للمدينة بآليات عسكرية متطورة، رغم أنها محصنة بثلاثة ألوية للجيش والشرطة إضافة إلي قيادة عمليات سامراء. فما صرحت به جان ساكي، الناطقة باسم وزارة الخارجية الامريكية بإن الموقف في الموصل “خطير جدا”، وان الولاياتالمتحدة تحبذ “ردا قويا ومنسقا لدحر هذا العدوان.”، يعد أمرا مثيرا للتوقعات بشأن تحرك عسكري أمريكي، خاصة مع ما صرح به عضومجلس الشيوخ الجمهوري المتطرف جون ماكين بإن نجاح داعش في الاستيلاء علي الموصل يعتبر انعكاسا لتقاعس الرئيس أوباما في إبقاء قوات أمريكية في العراق للمساعدة في توطيد الاستقرار هناك. حيث قال ماكين للصحفيين “كان غلينا إبقاء عدد محدود من القوات في العراق، كما فعلنا في كوريا والمانيا والبوسنة، ولكننا لم نفعل ذلك، والنتيجة هي انزلاق العراق نحوالفوضى.” ولعل ما يجب التذكير به الآن هوأن ” داعش” التي لا يعرف أحد من العراقيين ” من أي جحيم جاءت ”، يبدوأنها أكملت مهمتها في سوريا، وضربت كل قوي المعارضة لنظام بشار الأسد، وهي الآن تفرغت للحالة العراقية، خاصة مع وجود بيئة مواتية للحركة، سواء بسبب الصراعات السياسية التي إنعكست علي الواقع الأمني، أوبسبب غياب الرؤية لدي المواطن العراقي الذي بات حائرا بين ” الخندق الطائفي ” و”النزاع القومي ” من جهة، ومحاولة لملة أشلاء وطنه الممزق ورد المؤامرات الخارجية عليه من جهة أخري . وفي ظل عملية سياسية فاشلة، كان يريدها الإحتلال الأمريكي نموذجا يحتذي في التحول نحوالنموذج الغربي للديمقراطية، فإن الطريق مازال مزروعا بالمتفجرات أمام العراقيين، بعد أن سقطوا فريسة لدولة فاشلة وأجندات خارجية لا تريد للعراق أن يعود إلي مساره كدولة فاعلة في المنطقة والعالم . إلا أن السؤال الذي لا يجد إجابة سواء لدي العراقين أوالمتابعين للشأن العراقي هو” من أين جاءت تلك الأشباح المسماة داعش، وإلي متي سوف تستمر في حرق الأخضر واليابس، ولصالح من تعمل، ومن أين يأتيها كل هذا الدعم المادي والعسكري، وهل العراق علي موعد مع مؤامرة جديدة تدخله عهدا جديدا من الفتن التي تستبيح دماء أبنائه وثرواته ؟؟ ” .