في عام 1974 أطيح الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، عندما أرغم على تقديم استقالته، تفادياً لتقديمه للمحاكمة، بسبب ثبوت تورطه في فضيحة ووترغيت، وهي التي ارتبطت بتنصت رجاله على الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي المنافس . وبعد مرور حوالي 10 سنوات وفي عام ،1986 عاد نيكسون إلى الأضواء، من خلال نشر كتبه، ودعوته من مؤسسات عدة لإلقاء محاضرات في السياسة الخارجية، واستقبلته الصحف التي سبق أن هاجمته، بالترحيب بعودته، بعضها حمل عنواناً رئيسياً يقول "عودة الملك"، وكثير منها راح يستعرض قدراته السياسية، ويكتب عن أنه أفضل من كان يفهم في السياسة الخارجية، من بين رؤساء أمريكا الآخرين . وأذاع معهد غالوب نتائج استطلاع للرأي العام جاء فيه، أن نيكسون واحد من أكثر 10 شخصيات في العالم تأثيراً . اليوم - و في عهد أوباما - يعيد كبار خبراء السياسة الخارجية، الحديث عن نيكسون، داعين إلى إعادة إحياء مبدأ نيكسون في السياسة الخارجية . هذا المبدأ كان قد شرحه وزير خارجيته هنري كيسنجر في كتابه "الدبلوماسية" Diplomacy، بعبارات موجزة، وهي أن مبدأ نيكسون يقوم على احتفاظ أمريكا بمركز قيادي في العالم، من خلال الانتقال من وضع الهيمنة، إلى وضع المشاركة في القيادة مع آخرين، باعتبار أن الولاياتالمتحدة لن تستطيع حل كل الأزمات العالمية، وعليها أن تحدد أي المشكلات يمكنها حلها، في حدود قدراتها الدبلوماسية، والعسكرية، والاقتصادية . كانت التحديات التي تواجه نيكسون وقت مجيئه إلى الحكم، تشمل تورط الولاياتالمتحدة في حرب طويلة في فيتنام، ومعاناتها مشكلات داخلية، نشأت عن معارضة قطاعات واسعة من الأمريكيين للحرب، بجانب دور منظمات حقوق الإنسان تجاه هذه المشكلة . وذلك إضافة إلى انشغال الولاياتالمتحدة، في صراع إيديولوجي ممتد على الاتحاد السوفييتي . وكان طريق نيكسون للخروج من هذه المشكلات، يبدأ بإخراج الولاياتالمتحدة من فيتنام، واستغلال التوتر القائم وقتها بين الاتحاد السوفييتي والصين، بإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين . وبهذا الانفتاح على الصين، يمكنه خلق نوع من التوازن في مواجهة الاتحاد السوفييتي، وبهذا يكسب حليفاً له على جبهته الشرقية، يضاف إلى حلفائه الأوروبيين على جبهته الغربية . في هذا الوقت نشرت مجلة "تايم" في يناير/ كانون الثاني ،1972 صياغة نيكسون لمبدئه، متضمنة التركيز على الحاجة لميزان القوى، تستطيع من خلاله الولاياتالمتحدة، أن تحتفظ بمركز قيادة، وليس أن تهيمن على دول أخرى قوية . الخبراء الذين أطلقوا الدعوة لإحياء مبدأ نيكسون، اتفقوا على أن أوباما يواجه تحديات مماثلة لتلك التي واجهت نيكسون . فهو يحاول إخراج أمريكا من أفغانستان التي يخوض فيها أطول حرب برية . في الوقت نفسه الذي يحاول فيه حل مشكلات داخلية، تتمثل في تحسين حالة الاقتصاد، ويواجه مشكلة صعود الصين، وتأثيره في ميزان القوى العالمي . وبعد أن ثارت أخيراً مشكلته مع روسيا، التي بدأت بضم بوتين للقرم إلى بلاده . فضلاً عن تحديات أحداث الربيع العربي التي أظهرت تناقضات مواقف أوباما منها، بحيث تحولت سياساته إلى مجرد ردود أفعال، من دون امتلاك استراتيجية متكاملة تجاهها . وفي مواجهة ذلك كله، أصبح أوباما - في نظر كبار خبراء السياسة الخارجية - في حاجة لأن يضع في اعتباره، ما حدث من ازدياد القيود، على قدرة أمريكا في الساحة العالمية، واتساع حجم مشكلاتها الاقتصادية وأن يحدد ما هي مصالح الأمن القومي لبلاده، وكيف ينوي الدفاع عنها . وحسب رؤية كيسنغر فإن على أوباما، المحافظة على أن تكون أمريكا، دولة قائدة، ضمن آخرين، وفي إطار تعددي، وأن تفهم متى وكيف يمكنها توسيع نفوذها . إن الإقرار بالتراجع النسبي للقوة الأمريكية اقتصادياً، ودبلوماسياً، وعسكرياً، أصبح أمراً مسلماً به، من جانب مؤسسات صناعة السياسة الخارجية في الولاياتالمتحدة، لكن خطأ أوباما - في نظر الأمريكيين - إنه بدل أن يتوافق مع الواقع المتغير، فإنه ظل معلقاً بأحلام استمرارية قدرة أمريكا في الهيمنة على العالم . وهو ما دفع خبراء السياسة الخارجية، إلى وضع مبدأ نيكسون على مائدة المناقشات الجارية الآن، ومطالبة أوباما، بأن يكون هذا المبدأ هو طريقه لتصحيح مسار سياسته الخارجية . نقلا عن صحيفة الخليج