لو لم تكن الانتخابات هي الوسيلة القانونية والسياسية للوصول إلى منصب الرئاسة في مصر هذه المرة، لأمكن التوافق على أن يتناوب المرشحان لمصر رئاسة مصر، لأن هذه الانتخابات التي تتم لأول مرة في سياق الاختيار بين مرشحين فقط وهي تذكرنا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تنحصر بين المرشح الجمهوري والديمقراطي. هذه الانتخابات تفرضها ظروف واستحقاقات سياسية وأولويات تفرض نفسها على عملية الاختيار الرئاسي، فهي ليست انتخابات للمفاضلة بين المرشحين، بقدر ما هي انتخابات لتأكيد الشرعية السياسية التي يقررها الشعب المصري، وأهميتها أنها تأتي بعد خسارة الحكم الإخواني، بعد ثورة يونيو، وعدم قدرة "الإخوان" على الاستجابة والتكيف مع التطورات السياسية التي أفرزتها ثورة 25 يناير، ولهذا تأتي هذه الانتخابات الرئاسية لتؤكد وتجدد مبدأ الشرعية السياسية الشعبية، ولتؤكد على مدنية وديمقراطية الحكم وهوية الدولة . وبهذا المعنى فإن الانتخابات الرئاسية تدور حول تأكيد هذه الهوية المصرية . وأي خروج عنها، أو انحراف سوف يتصدى له الشعب . فكلا المرشحان يمكن القول إنهما نتاج الثورة المصرية، ولكل منهما إسهامه من منظور معين . ولولا ما قام به الجيش من دعم للثورة ما قامت هذه الانتخابات، ولا أحد كان يمكنه التنبؤ بما قد تؤول إليه التطورات السياسية في مصر . وكلاهما مصريان وطنيان مخلصان يريدان لمصر كل الخير . والمفاضلة لا تكون بالمقارنة بين خلفية عسكرية ومدنية، معيار المفاضلة هو استعادة هوية مصر الحضارية والتنموية ودورها الريادي، وكلاهما يحملان مشروعين طموحين، ولا يمكن النظر إلى هذين المشروعين على أنهما منفصلان، بل العكس تماماً النظر إليهما على أنهما مشروعان يكملان بعضهما بعضاً، وليس المهم من يفوز أو يخسر، لأن كليهما في النهاية فائز إذا كان الهدف واحد . وقد يقول قائل إن الأساس في الحكم أن يكون مدنياً، ولا اعتراض على ذلك، لأن المرشح المشير السيسي لا يمكن الحكم عليه قبل الرئاسة بسبب خلفيته العسكرية، بل الحكم بالممارسة وبمدى الالتزام بمدنية الدولة وديمقراطيتها وقدرته على تقديم رؤية شاملة لكل المشاكل والتحديات . ولو اخذنا بهذا المعيار ما كان يفترض أن يتم انتخاب الدكتور مرسي للرئاسة على أساس الخلفية الدينية التي قد تكون أكثر خطورة في تداعياتها على مستقبل الهوية المصرية . وبالتالي لا يمكن الوقوف عند هذه النقطة للمفاضلة، فالمفاضلة تكون بممارسة الحكم، والتقيد بأهداف الثورة . وبمن يرى الشعب أنه الأقدر على تحقيق أهدافها . في النهاية لا بد أن يكون هناك رئيس واحد، ولكن بالمعنى الوظيفي، وبمعنى الممارسة والتكامل يمكن أن يكون هناك رئيس معارض أو قوة سياسية معارضة في إطار من الشرعية السياسية التي يلتزم بها الجميع . وتقاس قوة الرئيس المنافس، وقوة المعارضة السياسية بما تحصل عليه من اصوات، وبما تقوم به من دور في إطار الشرعية الواحدة . وهذا هو حال كل الدول التي تمارس انتخابات رئاسية ديمقراطية، ولا ننسى أن هناك انتخابات للسلطة التشريعية الممثلة بمجلس الشعب، وهي ساحة مهمة أمام المرشحين لنيل الأصوات الانتخابية لتأكيد شرعيتهم السياسية، وهي ساحة وحاسمة للقوى الثورية أن تتمثل فيها، وهذا مفهوم آخر للتكامل الرئاسي . وأن تتم الرئاسة في ظل ثنائية سياسية ليس عيباً ديمقراطياً، بل قد يكون تقليداً سياسياً جيداً للحالة المصرية في المستقبل . وهذا هو الخطأ الكبير الذي وقع فيه المرشحون للرئاسة في الانتخابات الأولى حيث التعدد والتنافس والزحام على منصب الرئيس حتى بين القوى الثورية لدرجة أفقد المواطن المصري العادي القدرة على التمييز، مع تشتت الأصوات الذي أدى في النهاية إلى عدم فوز أي من مرشحي الثورة، لتصل الانتخابات الثانية بين مرشحين غير متكاملين، وكانت النتيجة الحتمية اختيار مرسي، الذي لم يجسد اختياراً للثورة . هذه المرة الانتخابات بين مرشحين، وتتوفر فيهما صفات الترشح للرئاسة، وسيكون المواطن قادراً على الاختيار والمفاضلة السياسية . ولذا قد تحسم الانتخابات من المرة الأولى، وهو احتمال كبير لمصلحة المشير السيسي . وقد يتساءل البعض لماذا إذاً يرشح حمدين صباحي نفسه، في الانتخابات الرئاسية حتى لو أكدت استطلاعات الرأي فوز أحدهما فلا يعني أن ينسحب منها، وإلا فقدت مضمونها الديمقراطي . بالعكس أن وجوده فيه قياس لوزن المرشحين السياسي، وفيه دور سياسي لاحق، وهو ما أسميه بالنموذج التكاملي للرئاسة المصرية . لا تعني الخسارة أنه قد فقد دوره بقدر ما تعطية الانتخابات دوراً سياسياً جديداً بعد الانتخابات . فهذا النموذج سيفرز رئيساً يحكم، وآخر يقود المعارضة . وقاعدة الحكم الديمقراطي انه لا يكتمل إلا بوجود معارضة سياسية قوية وعقلانية وشرعية وملتزمة بقواعد الممارسة الديمقراطية . وقد يؤسس هذا النموذج تقليداً رئاسياً راسخاً وثابتاً يفيد في دعم ديمقراطية الحكم . وهنا البعد الآخر في التزاوج بين العسكري والمدني الذي يعكس خصوصية الحالة المصرية، ويعكس الدور الدستوري والديمقراطي للجيش . ولا شك أنه في حال فوز المشير السيسي وهو الأكثر احتمالاً فهذا هو الاختبار الأول لقياس مدى ديمقراطية ومدنية حكم الرئيس الجديد.