بدأت الانتخابات الهندية قبل أكثر من أسبوع، ولكنها سوف تستمر حتى منتصف شهر مايو/أيار المقبل. لا غرابة في ذلك إذ أن الهند هي كما هو معروف وشائع - أكبر ديمقراطية في العالم - ولقد كانت هذه الديمقراطية الصاعدة التي سوف تحتل مكانها بين القوى الكبرى والعظمى عاجلاً أم آجلاً، دولة صديقة للعرب، وكانت حليفاً قوياً للعرب الذين اختاروا طريق التحرر والاستقلال وبناء الديمقراطية والتعاون الإقليمي والتحديث . وكانت الهند بلداً يتعاطف مع العرب عندما رفض زعيمها التاريخي المهاتما غاندي قيام "إسرائيل" لأنه كان يعارض قيام دولة دينية (يهودية، إسلامية أم هندوسية)، بما كانت تمثل من تطهير ديني أم عرقي أم قومي . وكانت الهند تتعاطف مع العرب عندما قال غاندي لأحد المسؤولين العرب إبان توسطه بين الهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية عام ،1947 أنه -أي غاندي- كان يتعلم من سعد زغلول ويتابع ثورة 1919 المصرية يوماً بعد يوم ويحفظ دروسها . وكانت الهند بلداً صديقاً للعرب عندما توطدت صلات الصداقة بين نهرو وعبد الناصر ووقف حزب المؤتمر الهندي الحاكم إلى جانب الدول العربية في سعيها من أجل الاستقلال والتقدم . ولكن هذه العلاقة التاريخية دخلت مرحلة صعبة منذ تفكك النظام الإقليمي العربي، وأصاب الرابطة العربية الضمور . ومن المرجح ان تدخل العلاقة بين الدول العربية والهند مرحلة أكثر صعوبة إذا ما تمكن حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي (بي .جي .بي) من الفوز في الانتخابات، وإذا ما قيض لزعيمه ناريندرا مودي أن يشكل حكومة الأغلبية في البرلمان الهندي الجديد . لقد دخل حزب بهاراتيا خلال الثمانينات المسرح السياسي الهندي من باب العداء للمسلمين . واكتسب شعبية كبيرة إبان معركة تدمير مسجد ابوديا وبعد أن بنى على أنقاضه معبداً هندوسياً . وعزز الحزب مواقعه في الحقل السياسي الهندي بعد النكسات التي أصيب بها حزب المؤتمر على إثر اغتيال انديرا وراجيف غاندي واستفحال الفساد والترهل في صفوفه . واستطاع بي . جي . بي، أن يعزز مكانته في الأوساط الدينية المتعصبة بحيث ارتفعت نسبة التأييد له من 74 .7% عام ،1984 إلى 59 .25% عام 1998 بحيث أصبح قوة رئيسية باتت تنافس حزب المؤتمر على الحكم . خلال هذا التطور لم يخفف باراتيا من تطرفه الديني، بل أنه، كما لاحظ البعض حافظ على هذه النزعة . ولئن مال بعض زعمائه إلى الاعتدال، فإن البعض الآخر منهم توغل فيهم . وفي هذا المضمار تفوق ناريندرا مودي، الذي يتوقع له أن يصبح رئيس الحكومة الهندية الجديدة، على زعماء الحزب الآخرين . ولقد اتهم مودي الذي انتخب رئيساً للحكومة المحلية في ولاية غوجارات الهندية أنه كان وراء المجازر التي قتل فيها، عام 2002 نحو الألفين من مسلمي الولاية وتعرض خلالها ما يفوق المئتي ألف إلى الإصابات والتهجير . وأكدت الهيئة الأمريكية للحريات الدينية الدولية التي تعمل كمنظمة استشارية للرئاسة الأمريكية، هذه الاتهامات، عندما طالبت عام 2008 الإدارة الأمريكية بعدم السماح لمودي بدخول الولاياتالمتحدة . واستشهدت الهيئة بتقرير أعدته الحكومة الهندية المركزية الذي أكد دور مودي وحزبه في هذه المجازر وربط بين هذا الدول و"التعصب الديني والفساد اللذين كانا يطغيان على حكومة غوجارات وعلى مؤسساتها القضائية بصورة خاصة" . كان مفروضاً بالحكومات والدول والمنظمات السياسية أن تتخذ من مودي ومن حزبه ومن حكومة غوجارات التي ترأسها، موقفاً يأخذ بعين الاعتبار التوصية الصادرة عن الهيئة الأمريكية وغيرها من المنظمات الدولية التي انتقدت العنف الذي مورس ضد الأبرياء في مجازر عام ،2002 وما رافق هذه الاعمال من أعمال إرهابية استمرت من دون انقطاع لمدة أربعة أشهر تقريباً . خلافاً لهذه التوقعات، فإن الحكومة "الإسرائيلية" وجدت في مودي وفي حزبه حليفاً وصديقاً يمكن الاعتماد عليه في التسلل إلى شبه القارة الهندية . وبفضل مودي نمت العلاقات بسرعة بين "اسرائيل" وغوجارات بحيث استثمر "الإسرائيليون" فيها "المليارات من الدولارات" وبينما كانت حكومات كثيرة ترفض التعامل مع مودي بسبب تورطه في المجازر الدينية، فإن "إسرائيل" كانت تمضي في تنمية صلاتها بحكومة غوجارات . ولم تلبث هذه العلاقات أن تطورت تطوراً كبيراً عندما تزعم حزب بهاراتيا الحكومة الهندية فانتقلت العلاقات الوثيقة بين "إسرائيل" والهند إلى مستوى جديد بين الجانبين . وكان أحد مظاهر هذا التطور في العلاقات حلول "إسرائيل" محل روسيا خلال العقد المنصرم كمصدر السلاح الرئيسي إلى الهند، هذا فضلاً عن نمو التجارة بين البلدين في مجالات أخرى متعددة . يوصف مودي في الإعلام الهندي بأنه أفضل صديق ل "إسرائيل" في جنوب آسيا . ولئن كانت هذه العلاقة تثير بعض الارتباك للطرفين نظراً للنقد الذي مارسته أوساط دولية كثيرة ل "إسرائيل" بسبب احتلالها للأراضي العربية وسياسة العداء التي يمارسها مودي ضد المسلمين الهنود، فانه من المعتقد أن وصول الأخير إلى رئاسة أكبر ديمقراطيات العالم، سوف يقلل من حجم الارتباك . فالعالم مضطر اليوم إلى الكف عن النظر إلى مودي كنشاز في السياسة الدولية . ومن الأرجح أنه سوف يستقبل بالحفاوة المعتادة في البيت الأبيض وفي مقر الأممالمتحدة . ولكن هذا لا يعني إنه سوف يتغير ويتراجع عن سياسة ركبها فوصل إلى القمة . أن مودي لم يقبل في أي وقت من الأوقات الاعتذار عما جرى خلال مجازر غوجارات، ولم يبدر عنه ما يدل على استعداده لإعادة النظر في سياسته تجاه المسلمين الهنود، ولا تجاه الدول العربية . أن شخصية مودي وسياساته لم تكونا موضع نقد لدى قادة الأحزاب الأخرى، ولكنها كانت مجال النقد حتى داخل حزبه بحيث انتقده بعض مؤسسي بهاراتيا بسبب تطرفه الشديد . إن هذا التحول المؤسف في السياسة الهندية جدير بأن يستأثر باهتمام القيادات العربية . ولعلها فرصة مناسبة لكي يتدارس المعنيون بالأمر مبررات التراجع الكبير الذي أصاب العلاقات العربية مع دول، مثل الهند، كانت لهم معها علاقات وطيدة، واسباب فشل العرب في كسب صداقة الدول الأطلسية رغم كل التنازلات التي قدموها لها ول "إسرائيل"، لماذا خسرت الدول العربية صلاتها الحميمة بدول إفريقيا وآسيا وأمريكا . نقلا عن صحيفة الخليج