فى أزمنة القمع السياسى قديما، كان الساسة والمثقفون يهربون من قيود القمع من خلال التعبيرات الرمزية، حتى لا ينتهى بهم الأمر إلى القتل أو السجن على أيدى النظام القمعى أما حديثا وفى ظل الأنظمة القمعية على غرار ما يحدث فى إيران، يلجأ المعارضون والمثقفون بل أيضا ابناء الشعب إلى وسائل ووسائط اكثر حداثة وتقنية للتعبير آرائهم بصورة رمزية، والتعبيرعن رفضهم للنظام القمعى عبر الألعاب الإلكترونية التى صارت أداة للتعبير، ففى اللعبة يتم كشف وجهة نظر النظام بشأن معارضيه في الداخل (أشخاصاً) والخارج (دولاً)، من ناحية من خلال قنص رموز المعارضة واغتيالهم، كما تعكس وجهة نظر المعارضين للنظام من خلال انتقاد الأوضاع وكشف خيانة النضال. وتعد الألعاب الإلكترونية تعويضا للشعب الإيرانى عن قيام الحكومة بحجب المواقع الاجتماعية كتويتر وفيسبوك، حيث تشجع الشباب فى ابتكار وإصدار ألعاب تعرى سوء الاوضاع السياسية والاجتماعية الداخلية على غرار لعبة «عودة المختار، ولعبة ثورة 1979» التى تكشف خيانة النضال الذى قام به النظام إبان الثورة الإسلامية فى نفس العام الذى تحمله اسم اللعبة، وهى الألعاب التى جاءت من معارضين ردا على اللعبة التى اصدرتها مؤسسة «الفن الإسلامي الخالص» وتحمل اسم «الفتنة» وفيها يفوز مَنْ يقنص أكبر عدد من الشخصيات الإصلاحية عبر إطلاق النار عليها ك«أهداف» واللعبة تم اطلاقها بإيعاز من الحكومة لتوصيف احتجاجات عام 2009 التى ثارت عقب الانتخابات الرئاسية المثيرة للشكوك بشأن نزاهتها، لذا من يريد الفوز في اللعبة ينبغي عليه اجتياز ممرات مختلفة، فكلما ظهرت صورة لأحد «رؤوس الفتنة الشيطانية»، يجب إطلاق النار عليه. أما الألعاب المعارضة التى جاءت ردا على الفتنة وفقا لما جاء بصحيفة العرب اللندنية فهى لعبة «عودة المختار» المستوحاة من اسم «مختار الثقفي» الذي انتقم من قتلة الإمام الحسين بن عليّ، حسب الروايات الشيعية بعد حادثة كربلاء الشهير، يقول منتقدون إن الألعاب الإلكترونية تعبر عن وجهة النظر الحقيقية للنظام في إيران، تجاه رموز المعارضة، أو ردا من المعارضة على النظام، ويقول آخرون إنها أحيانا تأتي كردة فعل مستشهدين بإطلاق لعبة إلكترونية باسم «الهجوم على تل أبيب» ردا منهم على قيام شركات البرمجة الأمريكية بتطوير لعبة «ساحة المعركة 3» (باتلفيلد 3 سنة 2012 التي تتضمن محاكاة لهجوم أمريكي على إيران، حيث كان وزير الثقافة الإيراني السابق سيد محمد حسيني قد قال خلال معرض طهران الدولي الثاني لألعاب الكمبيوتر إن مختصين في بلاده حللوا تحليلا شاملا ألعاب الكمبيوتر الغربية للكشف عما تحمله هذه الألعاب من رسائل وما تسعى إلى تحقيقه من أهداف، وأكد دعم وزارته الكامل لتطوير ألعاب الكمبيوتر الإيرانية لتصبح طهران مركزا لها في المنطقة وبين الدول الإسلامية. وكان الجيش الإيراني قد أصدر أول لعبة إلكترونية من إنتاجه باسم «معركة في خليج عدن» عام 2012، ردا على اشتعال المناورات الإلكترونية بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران في السنوات العشر الأخيرة بسبب الملف النووي، حيث استعملت الولاياتالمتحدةالأمريكية عددا من الأدوات الإلكترونية التي تعد ضمن أسلحة تجسس. ويقول مبتكر الألعاب المعارضة وهو الإيراني نافيد خونساري إن الكثيرين في إيران يحبّون الألعاب الإلكترونيّة، حتى في المناطق البعيدة والنائية الواقعة على الحدود «وأمضى نافيد خونساري خمس سنوات في إخراج عدد من الألعاب الإلكترونيّة الأكثر شعبيّة والأكثر إثارة للجدل على الإطلاق، وأشهرها لعبة (سرقة السيّارات الكبرى)، وفقا لما نشره موقع مونيتور الإلكتروني، فان خونسارى غادر ايران برفقة عائلته إلى كندا عقب ثورة 1979 هربا من القمع، وبعد 27 سنة أي في العام 2006، قرّر أن يعود ليصدر لعبة «1979»، وفي الجزء الأوّل من أجزاء اللعبة الثلاثة، يتقمّص اللاعب دور صحفيّ إيرانيّ شابّ تدفعه الأحداث إلى الانضمام إلى الثورة، لكن النظام الجديد يلاحقه وحول اللعبة يقول خونساري ان «المذهل هو الإيمان بالتغيير وبأنّ كلّ شيء ممكن، وفي المقابل، تناضل من أجل قضيّة ما، ثمّ تتعرّض للخيانة». وتُعتبر لعبة «ثورة 1979» بمعظمها معركة تقوم على الذكاء، أكثر منها لعبة قتاليّة كألعاب خونساري الأخرى الأكثر شهرة، ويشير خونساري إلى أنّ الثورة الإيرانيّة «كانت مثيرة ومخيفة لكنّها لم تكن عنيفة بشكل علنيّ» ويأمل أن تمهّد لعبة «ثورة 1979» الطريق لنوع من الألعاب يتمحور حول أحداث تاريخيّة مهمة.