نهر النيل.. أو كما يطلق عليه المصريون «شريان الحياة» يتعرض لأكبر هجمة شرسة ليست من الخارج فقط ببناء سدود تقلل من حصته الواردة إلينا بل بالتعدي الصارخ علي «حرم» النهر وأملاك الدولة نتيجة غياب الأمن وانشغاله بالأحداث السياسية طوال الثلاث سنوات الماضية مع عدم تحديد المسئولية عن تلك التعديات بين وزارة الري والمحليات، وتمثل هذه التعديات تهديدات مباشرة لنهر النيل، بداية من التأثير على تصريف المياه، خاصة في الأماكن التي يضيق فيها مجري النهر، مما ينتج عنه غرق مساحات من أراضي الجزر الواقعة في النهر، ووصولاً إلى تدمير بيئة النهر ودورة حياته، وكذلك الكائنات المرتبطة به. وتعد وزارة الموارد المائية والري هي المسئولة قانوناً عن مجري نهر النيل عن طريق قطاع حماية النيل المسئول عن المتابعة المستمرة مع الأجهزة الأمنية والأجهزة المحلية لتجنب توصيل المرافق أو تقديم أي خدمات للأنشطة المخالفة المقامة علي جانبي مجري النيل واستمرار حصر وتصنيف التعديات وتقييمها للوقوف علي الأسباب لرصد مصادر الصرف والتعامل مع الصرف المخالف من خلال الإجراءات التي قضي بها القانون. وحسب قانون الري، يجب السيطرة حتى مسافة 30 متراً من خط المياه وهو القانون رقم 48 لسنة 1982. وبدأت وزارة الري خلال الفترة الماضية شن حملات موسعة لإزالة التعديات علي مجري نهر النيل بالمحافظات، كما تدرس الوزارة حالياً إجراء تعديلات تشريعية جديدة على قوانين الرى لتغليظ عقوبات التعدى على نهر النيل، والوصول بها إلى السجن المشدد لمدة تصل لأكثر من 5 أعوام بدلاً من عقوبة الحبس لردع المخالفين. وأوضح آخر تقرير صادر عن قطاع حماية النيل بوزارة الموارد المائية والري أن جملة حالات التعدي علي مجري نهر النيل وصلت إلي 35 ألف حالة تعدٍ منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتي الآن تلحق الضرر ب 90 مليون مصري. وأضاف التقرير أنه تمت إزالة 319 حالة خلال الشهر الماضى، وأن إجمالى قيمة المساحة التى تم التعدى عليها بالردم داخل نهر النيل تصل إلى 400 مليون جنيه منها 40 مليون جنيه فقط فى الحوامدية وتم ردمها. وأكد الدكتور محمد عبدالمطلب، وزير الموارد المائية والري، في تصريحات صحفية أن نهر النيل ليس ملكاً لوزارة الري وإنما هو ملك للشعب المصري كله، ويجب أن تتكاتف جهودنا جميعاً في حمايته والحفاظ عليه من التلوث والتعديات، مضيفًا أن الرقابة الشعبية هي الأصل وأن الوزارة مستعدة لتلقى أي بلاغ من أي مواطن والتجاوب معه على الفور من أجل مكافحة التعديات والقضاء عليها وأنه سيتم قريباً تفعيل الاتفاق بين وزارتي الموارد المائية والري والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من أجل تركيب كاميرات مراقبة على طول مجرى النيل من أقصى الجنوب في محافظة أسوان إلى أقصي الشمال في محافظة الإسكندرية، وذلك ضمن الإجراءات الوقائية التى تقوم بها وزارة الري للحفاظ على المجرى المائي من التعديات وملاحقة المتعدين على طول نهر النيل. وأكد الدكتور ضياء القوصي، الخبير في شئون المياه ومستشار وزير الموارد المائية السابق، أن مشكلة النيل أنه «مالوش صاحب»، فشيوع المسئولية بين الوزارات جعل الحفاظ عليه صعباً، فوزارة الري مسئولة عن حماية النيل دستورياً، ولكن هناك بعض الوزارات كالزراعة والإسكان تتدخل في مياه النيل والتحكم بها سواء باستخدام المياه في الزراعة أو الشرب. أضاف «القوصي» في تصريحات خاصة ل «الوفد» أن جميع المصريين أهانوا النيل، فالأنهار لها عنصران هامان.. الأول يسمي «حرم» النهر وهو خط وهمي من الناحية الشرقية والغربية وممنوع أن تتواجد به أية منشآت.. لكن نجد منطقة «الملك الصالح» جميعها تقع في «حرم» النهر وهو اعتداء صريح علي نهر النيل. أما العنصر الثاني فهو «وجهة» النهر وهو من حق كل مصري أن يتمتع برؤية نهر النيل، ومافيا التعدي لم تحترم هذين العنصرين الهامين. وطالب «القوصي» بوجود جهة تكون مختصة بحماية نهر النيل بجانب وزارة الري، موضحاً أنه رغم كونها المسئولة دستورياً، إلا أنها لا تملك السلطة لردع المخالفين، وبالتالي يجب أن تكون هناك جهة مختصة تحاسب علي أي تقصير أو إهمال يضر نهر النيل. ويري الدكتور نادر نور الدين، أستاذ المياه والأراضي بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أنه نتيجة انشغال الأمن خلال فترة ما بعد الثورة قام البعض بالبناء المخالف علي «زمام» نهر النيل، خاصة بمحافظات بني سويف والمنيا. وأضاف «نور الدين» في تصريحات خاصة ل «الوفد» أنه يجب أن يكون هناك تعاون بين أجهزة الدولة ممثلة في وزارة الري والشرطة والحكم المحلي لوقف تلك «الهمجية» التي يشنها البعض علي نهر النيل، فخطورة تلك المباني ليست فقط في أخذ مساحة من أراضي الدولة، ولكن في الصرف الصحي الذي يخرج منها ليصب مباشرة في نهر النيل، وهو ما يتسبب في تلوثه وتهديد صحة المصريين.