حينما طرحت سؤال هل ربيع الثورات العربية سيُغير مفاهيم وموازين القوى العسكرية في الشرق الأوسط ؟ واتبعته ببحث مدى الاستعدادات الإسرائيلية والأمريكيةالجديدة تجاه بعض الدول عربية والشرق الأوسط ، وتناولت أهمية تلك المنطقة كسوق لصناعات وبيع الأسلحة الغربية ، وكتبت عن علاقة تجارة الأسلحة وضبط موازين القوى العسكرية ، وأوضحت أن الغرب يُريد المال والقوة والنفوذ والسيطرة . نحاول الآن معرفة لماذا وكيف يُحقق الغرب كثير من أهدافه فى المنطقة العربية ؟ ولماذا ينجح فى ضبط موازين القوى العسكرية لصالحه ؟ ونستند لدراسات المؤسسات السياسية والعسكرية والأبحاث الغربية ، ونقرأ ما بها كى نعرف كيف يُفكر الغرب تجاه المنطقة العربية ، والى ماذا يسعى ، وما هى أهدافه ومصالحه المُستقبلية فى أرضنا ولدى شعوبنا . بداية نؤكد ان ذلك لا يتحقق بفضل قوته ولكن بسبب بواطن الضعف والقصور لدى الادارات السياسية فى الأنظمة العربية ، وبصراحة شديدة ودون تجميل للأمر من المُفيد لأمتنا العربية ان نرصد جوانب الخلل فى الأنظمة السياسية ، وانعكاساته على الإدارات العسكرية العربية بها . ان هيكلية القيادات العسكرية مركزية ومُتصلبة ، وهو الأمر الذى لا يمنح صغار ومُتوسطى الرتب العسكرية مرونة التصرف والانطلاق لتطوير الآداء العسكرى المطلوب ، تلك القيادات التى هى معنية أكثر من أركان القيادات الكبيرة بحركة تطوير ديناميكية القواعد الأساسية للجيوش ، لذلك فإن المرحلتين الحالية والمُقبلة بعد الثورات العربية خاصة فى كل من مصر وتونس وسوريا واليمن تتطلب منح صف وصغار الضباط مساحات معقولة من حُرية اتخاذ القرارات ، ومُشاركة القيادات العليا فى خطط تطوير القوات المسلحة ، ومزيد من الاهتمام بالعُنصر البشرى ورعايتة ، ليكون هؤلاء هم محل الثقة الفعلية ، وحماية الوطن خارجياً وداخلياً من كل أنواع الخطر الذى يُهدد أمن وسلامة البلاد . هذا الى جانب الضعف في قدرات التقويم الاستراتيجي ، ويؤكد الواقع انه من خلال رصد تاريخ المعارك العسكرية التى حدثت فى المنطقة العربية بعد حرب اكتوبر عام 1973 فى الحروب ( الايرانية العراقية المعروفة بحرب الخليج الأولى – حرب الكويت ) نجد ان الاعتماد على جوانب مُهمة لإدارة المعارك كان على امريكا وبعض من الدول الأوروبية ومؤسسات عسكرية بعينها ، وهذا يدل على وجود ضعف اساسي في إدارة المعارك ، وكذلك منظومات القيادة والسيطرة والاتصال والاستخبارات ، وليست الحروب التقليدية وحدها هى التى كشفت بواطن الضعف ، بل حتى فى بلد مثل اليمن وجدنا ان الجيش لم يتمكن من حسم الخلاف بين الحركة الشعبية الثائرة والنظام الحاكم ، فلا هو وقف كاملاً الى جانب الثوار لإسقاط نظام الرئيس على عبد الله صالح ، ولا هو تمكن من إخماد الثورة لصالح النظام ، وفى سوريا يقف الجيش حتى اللحظة الى جانب النظام السياسى ضد مصلحة الشعب ، الأمر الذى ينذر بتفاقم أزمة الثقة بينه وبين الثوار خاصة والشعب عامة ، وذلك بعكس ما حدث ويحدُث فى كل من تونس ومصر ، على الرغم ان بعض القوى السياسية المصرية الجديدةالشابه ترى ان تحرك الجيش المصرى جاء مُتأخراً نسبياً فى عملية حسم والحفاظ على ثورة شباب 25 يناير . ولو عُدنا للحروب التقليدية التى تفجرت فى المنطقة العربية بعد اكتوبر 73 نجد ان عملية تحديد وتقييم حجم الخسائر في ارض المعارك لم تكن صائبة ، كما انه قد ظهر خلال تلك المعارك عدم وجود انسجام وتنسيق لوجيستيكى متطور بين الفرق والقطاعات ادى لحدوث خسائر ، وعدم تحقيق الأهداف المرجوة من بعض العمليات العسكرية ، ووجدنا ايضاً الاستعانة بالغرب وامريكا فى امور داخلية عربية افسحت المجالات لإختراقات اسرائيلية من خلال العباءة الأمريكية وحلف شمال الأطلنطى . أيضا غياب القيادة الموحدة يؤدى الى حدوث إيقاع بطيء للعمليات العسكرية ، كما ان الابحاث الفنية العسكرية التى تجريها أجهزة الاستخبارات العسكرية الأجنبية على الجيوش العربية تفيد ان بها نقص حاد في قوات الدعم لصيانة واصلاح الآليات في ارض المعركة ، والعجز في مجالات قطاعات الدفاع الجوي والهجوم ابرز ايضا بعض المشاكل في المواجهات الجوية ، ويعود هذا لوجود نقص في الانظمة الفعالة لشن هجمات بعيدة المدى ، ومن ناحية ثانية اوضح ثمة عجز في شن عمليات مشتركة ومنسقة بشكل فعال وجيد بين القوات البرية والجوية. ولا يمكن إغفال ان عدم توافر الامكانات للقتال ليلاً أو في الاحوال الجوية الصعبة المُختلفة يمنح العدو فرص مُتقدمة ، وهذا يساهم فى عجز فنون وحرفية القتال دفاعياً او هجومياً ضمن عمق جغرافي جيد ، ايضا سوء استخدام قوات الاحتياط وتدريبها واعدادها جيدا ، يحرم القوات العسكرية العربية من القدرة الفعالة على استخدامها ، وذلك على عكس قوات العدو الاسرائيلى ، ومن الواضح ان النقص الكبير في التمرينات والمناورات يضعف الجهود القتالية لقد اهتمت امريكا واسرائيل وأوروبا اكثر من اى وقت مضى بالشؤون العسكرية فى المنطقة العربية بعد اندلاع ربيع الثورات العربية ، ولا تزال تتابع بشكل مُلفت للنظر ، وقد تلخص هذا الاهتمام بما يُعرف سياسياً وعلمياً بنظرية " الثورة في الشؤون العسكرية " على اعتبار انها أهم قياس يرصد مدى قيام حداثة نوعية لجيوش المنطقة العربية وقوتها ، وهو قياس اساسى تستخدمه المؤسسات الاسترتيجية العسكرية اليوم في تحديد قوة الجيوش العربية ومدى صلابتها. الغرب يخشى ايضاً من تأثير الثورات العربية على الجيوش العربية ، لذلك فهو يسعى جاهداً الى ترسيخ مفاهيم وموازين عسكرية واستراتيجية مُستحدثة تتناسب مع المرحلة الحالية والمُستقبلية ، ويخشى من مطالب الشباب العربى لجيوشه بتطوير مجالات التسلح الفنية والعمليات الميدانية والاستراتيجية العسكرية ، ولا يرغب فى خروج أصوات عربية ثائرة شابة تطالب جيوشها بالتطور الالكتروني الذى يُعتبر من اهم عوامل الثورة في الشؤون العسكرية ومسبباتها ، اذ تمكنت التكنولوجيا الحديثة من تحقيق طموحات قادة الجيوش من تأمين اتصالات سريعة وفورية وكشف مواقع العدو من الفضائين الخارجي والداخلي بشكل مأمون وشن غارات جوية واصابة الاهداف بدقة من دون تعريض حياة الطيارين للخطر او التسبب في خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين على الارض ، لذلك يريد الغرب حرمان الجيوش العربية من عملية تحديث ، ولا يرغب فى حصولها على خبرات علمية ، ولا يرغب فى حدوث تزاوج بين الثورات العربية ، ولا يرغب ايضا فى تدخلها في الشؤون العسكرية ببلادها . ان المرحلة المُقبلة وبعد عودة الاستقرار للبلاد التى قامت فيها ثورات عربية لابد من فتح مسارات لشباب الثورات خاصة فى مصر للدخول فى حوارات تهدف الى تطوير القوات المُسلحة وتحديثها ، فجيش مصر فى حاجة ماسة الى تنمية القدرة على شن الحرب ليلاً وفي الاحوال الجوية المختلفة ، وامتلاك انظمة متقدمة ومترابطة للسيطرة والاتصال والقيادة والمعلومات ، تقوم بوصل كافة قطاعات القوات المسلحة عملياً وميدانياً في شكل يُمكن صغار الضباط والقادة من ادارة المعركة المُحتملة بفعالية ، وتقدير حجم الخسائر في صفوفه او صفوف العدو لتقرير خطوة التفوق التكنولوجي الذي يمنح القوات القدرة على خداع العدو وحرمانه من عُنصر المفاجأة. كما يجب وضع كل الاحتمالات لحرب جديدة قد تبدأها اسرائيل ضد مصر ، فأولى بنا سُرعة اعتماد استراتيجية الحرب الجوية بصفة خاصة ، والإستعداد لإقامة تنسيق كامل ومترابط بين قطاعات القوات المسلحة كافة لتسهيل تحرك الوحدات البرية مع تأمين السيطرة الجوية ، وسد القصور والعجز ان وجد " كما تؤكد الدراسالت العسكرية الغربية " فنحن المستفيد فى النهاية من وجود فرق دعم قادرة على صيانة العتاد والاجهزة في ساحة المعركة حال حدوثها ، من اجل تأمين استمرار العمليات العسكرية حسب المخطط. والى حلقة قادمة نرصد فيها الاحتياجات وبواطن القوة والضعف ، ونكشف المزاعم الاسرائيلية العسكرية ، وكيف نستعد للمرحلة التاريخية المُقبلة بعد نجاح ثورة شباب 25 يناير المصرية . [email protected]