تشهد مصر خلال الأسابيع القادمة استكمال الاستحقاق الثاني في خارطة المستقبل السياسي والتي أقرها وارتضاها الشعب المصري، وتعقبها بأشهر قليلة الانتخابات البرلمانية والتي تعبر عن الاستحقاق الثالث في خارطة المستقبل السياسي، ويتوقف على هذين الانتخابين شكل المستقبل السياسي لمصر خلال سنوات قادمة، ومدى القدرة على مواجهة التحديات التي يتعرض لها الأمن القومي المصري، فضلا عن ارتباط ذلك بالدور المصري سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، ودرجة الاستقلالية في السياسة الخارجية المصرية وتخلصها من الأشكال المختلفة للتبعية، بالإضافة إلى مدى استطاعة مصر إعادة القدرة والفاعلية والهيبة إلى مؤسسات الدولة المصرية، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولا: أن هذه الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية تأتي في ظل ظروف وتحديات متعددة تتعرض لها مصر سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، فهي تأتي في فترة ترتفع فيها أعمال الإرهاب الأسود الموجه إلى مصر وقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية، وبعبارة أخرى فإن الإرهاب موجه إلى شعب مصر بأكمله، وهي ظاهرة ربما تحدث لأول مرة منذ فترة زمنية طويلة، حيث كان الإرهاب يوجه نحو الحكومة أو نحو رجال الأمن، بينما أصبح الآن يوجه إلى الشعب ككل مما أنهى التعاطف من جانب الشعب مع أي أعمال إرهابية، لأن الشعب أصبح هو المستهدف الأول من هذه الأعمال وهو ما يعني تراجع فرص نجاح الإرهاب في البيئة المصرية والتي يتكاتف فيها الشعب مع قواته المسلحة والأمن لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الجميع، والتي لا يمكن فصلها بطبيعة الحال عن التحديات الإقليمية والدولية التي تتعرض لها مصر والمنطقة، والمتمثلة في ضغوط اقتصادية وسياسية ودبلوماسية تمارس ضد مصر، فضلا عن المتاعب التي تعاني منها مصر طوال ثلاث سنوات سابقة سواء كانت هذه التحديات اقتصادية أو أمنية أو محاولات لإحداث انقسامات سياسية، ورغم دقة وصعوبة هذه المشكلات التي تواجه مصر إلا أنه من المتوقع أن تؤدي إلى تكتيل جهود وصفوف الشعب المصري لمواجهتها، وربما كانت هذه هي الخبرة المستخلصة من التاريخ، حيث واجهت مصر العديد من التحديات والأخطار التي هددتها وهددت المنطقة بأكملها واستطاعت مصر أن تحمي نفسها ومنطقتها من هذه الأخطار، وربما هذا هو دور وقدر مصر بحكم التاريخ والجغرافيا والموقع والدور الذي ارتبط بها في قيادة المنطقة مما يعطي أهمية خاصة للانتخابات القادمة الرئاسية والبرلمانية. ثانيا: أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في مصر يترتب عليها الخروج من حالة الفراغ وعدم الاستقرار المؤسسي التي عانت منها مصر طوال أكثر من ثلاث سنوات سابقة، حيث كانت بعض المؤسسات السياسية المهمة بالنسبة لأي نظام سياسي غائبة مثل الرئيس المنتخب والذي يرضى عنه الشعب ويكون قادرا على تحقيق آمال وطموحات الشعب المصري، أو البرلمان الذي يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا ويعكس مطالبه وإرادته باعتباره معبرا عن السيادة الشعبية ،ونتيجة لذلك فإن الانتخابات القادمة سواء الرئاسية أو البرلمانية لا تعني مجرد استكمال مؤسسي شكلي ولكنها انتخابات يترتب عليها إيجاد مؤسستين غائبتين، هما الرئاسة والبرلمان ولهذا فالأمر يتطلب أن تكون هذه المؤسسات قوية وناضجة وقادرة على أداء دورها على الوجه الأكمل في ظل التحديات التي تتعرض لها مصر،ولذلك يكون مطلوبا من الرئيس القادم أن يكون رئيسا للمصريين جميعا وليس رئيسا لحزب أو فصيل أو جماعة، وأن يحظى برضاء وتوافق قطاعات الشعب المختلفة رغم اختلاف انتماءاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويكون بذلك عامل توحد واحتشاد وليس سببا للفرقة والانقسام، وأن يعمل على تنفيذ برنامج يتسم بالواقعية والعلمية والاعتماد على القدرات الحقيقية، وأن يعالج هذا البرنامج المشكلات المختلفة التي يعاني منها الشعب سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية أو ثقافية أو صحية أو غيرها بأسلوب علمي ووفقا لخطط وتوقيتات زمنية، وبحيث يشعر أفراد الشعب أن أحوالهم تتحسن وأن أمورهم المعيشية تتجه نحو الأفضل، كذلك مطلوب من البرلمان أن يكون صوتا قويا للشعب ومعبرا عن مطالبه وآماله وطموحاته،وأن يصدر من القوانين والتشريعات ما يتناسب مع هذه المطالب الشعبية في فترة فارقة من تاريخ الوطن وتطوره السياسي. ثالثا: ونظرا لما للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة من أهمية محورية فإن الأمر يتطلب من الشعب أن يحسن الاختيار في هذه الانتخابات، وبحيث يتم اختيار الأفضل والأصلح للوطن، فنحن لا نملك الآن ترف التجربة والخطأ، فبعد كل التطورات السابقة التي عرفتها البلاد أصبح من المرغوب فيه مواجهة فعالة للتحديات وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحسين ظروف المواطنين، ولذلك فإن رئيس مصر القادم لا بديل أمامه سوى النجاح في أداء مهمته الصعبة وهو ما يتحقق من خلال الاختيار الجيد من جانب الشعب حتى لا تعود البلاد إلى نقطة البداية مرة أخرى، كذلك يتطلب الأمر أن نحسن الاختيار في الانتخابات البرلمانية القادمة لأن الاختيار الخطأ لممثلي الشعب يمكن أن يترتب عليه إعادة انتاج نظام سبق أن أسقطه الشعب، فقد أسقط الشعب المصري خلال فترة زمنية قصيرة نظامي الحزب الوطني والإخوان، ولذلك يتطلب الأمر أن يحسن المواطن اختيار من يمثله في المجلس التشريعي القادم حتى لا يعاد إنتاج أنظمة سابقة بمسميات مختلفة أو أشكال أخرى،لقد تغير شعب مصر في السنوات القليلة الماضية تغيرا كبيرا ونحن نثق في الحس السياسي والوعي السياسي للشعب ،وفي القوانين المنظمة للانتخابات المصرية القادمة بحيث لا يكون هناك تأثير للمفسدين أو لرأس المال أو البلطجة أو لمن يتخفى في عباءة الدين،فنحن في حاجة إلى مؤسسات سياسية حقيقية وقوية تتعاون وتتضافر جهودها لتحقيق طموحات وآمال الوطن.