"موعد مع فضيحة" هكذا هو حال المواطن المصري الذي لا يكاد ينتهي من الاستماع أو مشاهدة الفضيحة أو خبر عنها، إلا ويجد فضيحة أخري قد تخص فنانا أو فنانة أو شخصا شهيرا في سلسلة من التشتيت لا تتوقف. واعتبر خبراء مصريون أن سلسلة الإلهاء والفضائح التي يتعرض لها المصريون حالياً هو أمر متعمد في محاولة لإزاحة ما هو سياسي عن الأضواء لصالح الفضائح الفنية وغير الفنية. وآخر هذه الفضائح هو قرار السلطات في مصر الأسبوع الماضي حبس الممثلة المصرية "نهى العمروسي" 4 أيام علي ذمة التحقيق بتهمة حيازة المخدرات بغرض التعاطي. كانت العمروسي قد تم القبض عليها في حي الزمالك الراقي وسط القاهرة. ونهي العمروسي هي أحدث فنانة تتعرض للحبس، حيث اعتاد المصريون علي هذه النوع من الأخبار منذ عدة أشهر بعد أن اختفت عقب ثورة يناير 2011، إلا من حالات نادرة. ويعد الفنانون أبرز الفئات التي تتعرض للفضائح وحرب الشائعات وذلك بما لهم من مؤهلات سواء في مهنتهم أو في حياتهم الاجتماعية المتحررة نسبيا. كانت الراقصة الأرمينية "صافيناز" تعرضت للحبس وتم الإفراج عنها في بلاغ غامض بسبب خلافها مع الفندق الذي ترقص فيه. وعلي نفس الإيقاع الفضائحي في الإعلام أثار تكريم الراقصة الشهيرة "فيفي عبده" لاختيارها "أما مثالية" ضجة إعلامية كبيرة . وشهدت القضية الأشهر بين نجمي التمثيل "أحمد عز" و"زينة" تطورات جديدة ساهمت في الاهتمام الإعلامي بها، حيث ادعت زينة زواجها من عز وإنجابها منه توأما، إلا أن الفنان الشاب أنكر الزواج منها، لتنتقل فصول القصة إلى أقسام الشرطة وأروقة النيابة والصحف والشاشات بانتظار قاعات المحاكم. وشهد الوسط الفني والإعلامي استقطابا حادا بين متضامن مع زينة ومتعاطف مع عز، لكن أحدث الفصول كان ادعاء محامي زينة بزواج الممثل سرا من المطربة "أنغام" من قبل وهو ما ساهم في ترويج القصة والدفع بها إلى بؤرة الاهتمام الجماهيري . وسبق عز وزينة القبض علي الممثلة انتصار ومعها ثلاثة أكاديميين كويتيين في الشارع حيث وجهت الشرطة لهم اتهاما بالسكر البين. وبين كل قضية وأخرى، تثور ضجة حول أحد المشاهير أو تثار قضية بشكل غامض وكأنما يتم استخراجها من بين ركام قضايا عفا عليها الزمن ولعل الحملة الشهيرة ضد منتج سينمائي معين هو (أحمد السبكي) بسبب هبوط مستوى إنتاجه وسوقيته، بحسب نقاد سينمائيين. والسبكي نفسه تعرض لشائعات حول القبض عليه ومن ثم اتضح أنه تشابه أسماء مع شخص يحمل نفس الاسم ويتعاطى المخدرات ورغم وجوده في عالم الإنتاج منذ سنوات طوال إلا أن الحملة جاءت بشكل مفاجئ وانتهت أيضا بالشكل نفسه. كان الفيلسوف الأمريكي "نعوم تشومسكي" قد أعد قائمة اختزل فيها الطرق التي تستعملها وسائل الإعلام العالميّة للسيطرة على الشّعوب عبر وسائل الإعلام في 10 استراتيجيّات أساسيّة جاءت أولاها استراتيجيّة الإلهاء وهي عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وتتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والاقتصادية، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاء والمعلومات التافهة. واستراتيجيّة الإلهاء ضرورية أيضا لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب و علم الحواسيب، بحسب تشومسكي. وذكر تشومسكي في كتابه "أسلحة صامتة لحروب هادئة" ملخصا لتلك الفكرة قائلا: "حافظ على تشتت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. وأضاف: اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات." من جانبه، قال حسن الخولى، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس إن "علم "سياسية إلهاء الشعوب" يتم تدريسه على المستويين الأكاديمي والسياسي لرجال الأمن وصانعي القرارات ومن يقوم على تدريسها ويضع مناهجها ويقوم بتنفيذها هي جهة الاستخبارات في كل بلد". وأضاف الخولي أن "سبل الحاكم لإلهاء الناس عديدة يكون هدفها الأول إزاحة ما هو سياسي عن الأضواء لصالح ما هو فني أو غير ذلك". ومضى قائلا إن "سياسة الإلهاء تصل إلى ابتكار مشكلة أو موقف لإثارة رد فعل معين عند الناس بحيث يندفع الجمهور، مطالبا بحل يرضيه كالسماح مثلا بانتشار العنف في بعض المناطق الحساسة أو تنظيم هجمات إرهابية دموية لأماكن بعينها حتى تصبح قوانين الأمن العام مطلوبة ولو حتى على حساب حرية الآخرين". وأوضح أنه ربما يتم "خلق أزمة اقتصادية يصبح الخروج منها مشروطا بقبول الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية وتفكيك بعض الخدمات العامة الحيوية، وبناء عليها يتم تقديم حلول مبرمجة لنا سلفا وواجبة القبول على أنها شر لابد منه أو تمرير لإجراء أو قانون غير مقبول من الممكن أن يثير ثورة داخلية في البلاد، لو تم تنفيذه دفعة واحدة وتطبيقه بشكل تدريجي حتى يتم قبوله". فيما اعتبر الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي أن "فن إلهاء الشعوب باستخدام الفن وأهل الفن استخدم بشكل كبير في مصر خصوصا في أوقات الأزمات والحروب". وقال الشناوي "خير مثال على ذلك وضع السينما عقب نكسة 1967 (يقصد حرب يونيو 1967 التي انتهت بهزيمة القوات المصرية أمام الإسرائيلية) حيث ظهرت موجة الأفلام الكوميدية بهدف إلهاء الناس عن أسباب الهزيمة. وأضاف "كما قلت الرقابة على الأفلام وسمحت بوجود مشاهد جنسية في السينما بشكل كبير". ومضى قائلا أن "نفس الأمر تكرر في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك حيث انتشرت أفلام ضعيفة المستوى كوسيلة لإلهاء الناس عن قضايا الفقر وتردى حال التعليم والصحة فظهرت موجة أفلام المقاولات وانتشار الفضائيات وقنوات الرقص والأغاني". وحذر الشناوي من أن إلهاء الشعوب باستخدام الفن دائما يصاحبه نوع من الفساد للمزاج العام بسبب تردى وضع المجتمع في تلك الفترة، فيصبح الفرد لديه استعداد لتقبل أي شيء حتى لو خارج إطار المألوف