في إطار تهيئة المنطقة لاستقبال أفضل للمتغيرات المتوقعة علي خارطة التحالفات الإقليمية والدولية، كانت زيارة الرئيس الأمريكي أوباما مؤخراً للمملكة العربية السعودية، حيث التقي العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، فيما وصف بأنه «قمة مصارحة وإعادة تقويم» للعلاقات بين البلدين على خلفيات ملفات المنطقة. ورغم حرص الإدارة الأمريكية علي التأكيد علي أهمية المصالح الإستراتيجية بين البلدين، إلا أن جملة من الملفات الساخنة تجمع بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية، ما يعكس قدراً غير قليل من «الاختلافات التكتيكية»، بعضها أُدرج بالفعل علي مائدة الحوار الأمريكي السعودي، وبعضها الآخر «مسكوت عنه» لما يدره من حساسيات مفرطة، خاصة ما يتعلق منها بالأوضاع الداخلية بالمملكة اتصالاً بحقوق الإنسان، والتي تتخذ منها الولاياتالمتحدة مدخلاً لممارسة الكثير من الضغوط علي دول المنطقة، بحثاً عن غطاء من «شرعية دولية» تتيح لها التأثير في سياسات المنطقة بما يحقق المصالح الأمريكية، مع ما تحمله من نقاط اختلاف مع الحقوق المشروعة لشعوب المنطقة. والواقع أن المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، استندت علي مدى عدة عقود إلي تحالف قوى وواضح مع القوة العظمي في العالم، رأت فيه، باستثناء قطر، ضرورة تفرضها متطلبات مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة، خاصة في ظل البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، وما يثيره من شكوك حول سعي إيران إلي امتلاك السلاح النووي. وكان الاتفاق التمهيدي الذي تم توقيعه في نوفمبر الماضي بين طهران والدول الست الكبرى بشأن البرنامج النووي الإيراني، قد أثار حالة من عدم الارتياح سادت دول الخليج، بسبب ما أفرزه الاتفاق من تقارب بين الغرب وطهران، حيث سمحت القوى الكبرى بتقليص جزئي للعقوبات الدولية المفروضة على إيران والتي ساهمت في إضعاف الاقتصاد الإيراني، مقابل التزام إيران بإيقاف أي نشاط لتخصيب اليورانيوم بدرجة تخصيب تتعدى الخمسة بالمائة، مع التزامها كذلك بتحييد مخزونها من اليورانيوم المخصب بنحو عشرين في المائة، وهو الحد الأدنى لصنع سلاح نووي. من هنا فإن التطورات التي شهدتها العلاقات الأمريكيةالإيرانية، باتت تحتل صدارة اهتمامات المملكة العربية السعودية، لما لها من أثر بالغ علي مجمل الأوضاع في المنطقة، خاصة ما يتعلق منها بالأزمة السورية، حيث تشعر المملكة بتراخي الدعم الأمريكي للمعارضة السورية المسلحة، في إطار صفقة أمريكية إيرانية، ما قد يترك أثره علي حقيقة الأوضاع علي الأرض السورية. ورغم تأكيد الرئيس الأمريكي علي عدم قبوله لاتفاق «سيئ» مع إيران، إلا أن المخاوف الخليجية تتصاعد إزاء التقارب الأمريكي الإيراني؛ ومن ثم فإن المملكة العربية السعودية تري أحقيتها في أن تسمع من واشنطن حول الضمانات التي قدمتها لها إيران بشأن برنامجها النووي، إلي جانب رفض المملكة اختزال الملف الإيراني في البرنامج النووي، وإهمال الولاياتالمتحدة لحجم المخاطر والتحديات التي تحيط بالمنطقة، جراء أنشطة إيران الرامية إلي زعزعة الاستقرار في المنطقة. ودونما حاجة إلي استعادة حقبة الحرب الباردة، بأدواتها وآلياتها، فإن قصوراً ينتاب رؤيتنا لمجمل التغيرات علي الساحة الدولية، إذا ما تناولنا التقارب الإيراني مع الغرب بعيداً عن سعي الولاياتالمتحدة إلي محاصرة التطلعات المتزايدة للدب الروسي «لاحظ في ذلك أزمة شبه جزيرة القرم»؛ ومن ثم فإن إستراتيجية جديدة باتت تلح علي المشهد العربي، تتيح له تعاطياً أفضل لمقتضيات العلاقات الدولية المعاصرة، الأمر الذي لا يمكن الوثوق في تحققه دون أن تتمكن مصر، المستقرة القوية، من موقعها الطبيعي كرائدة وراعية لكل جهد عربي مشترك. «الوفد»