وجه القضاء التركي ضربة لسياسات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عندما أبطلت محكمة قرار حجب موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، ليكتشف أردوغان أنه ارتكب خطأ قاتلاً وفي توقيت حرج وهو يقف على مسافة أيام معدودات من انتخابات بلدية ستكون مصيرية له ولحزبه الذي يشكو تصدعاً باطنياً سرعان ما سينكشف عند أول منعرج . قرار القضاء كان مطلوباً ليقطع الطريق أمام خطوات أخرى متوقعة بحجب مزيد من وسائل التواصل مثل "فيسبوك" و"يوتيوب" إذا استمر نشطاء المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في انتقاد سياسات أردوغان وكشف فضائح فساد ثقيلة باتت توصف بأنها الأكثر إثارة في تاريخ تركيا الحديث . هذه الفضائح التي طالت أردوغان نفسه وبعضاً من أهل بيته صبت في صالح المعارضة التركية المتأهبة للتغيير وتصحيح كثير من المغالطات والورطات التي وقعت فيها تركيا في السنوات الأخيرة داخليا وإقليميا . وبفعل التوتر المتصاعد في الداخل وتحت تداعيات أحداث المنطقة لا سيما الحرب في سوريا استوعب أردوغان أن الرياح تجري عكس سياساته فلم يتمالك نفسه عن التهديد بسحق مواقع الاتصال وإسكات الأصوات التي اعتبرها "تهديداً للأمن القومي" لأنها اعتبرته مشروعاً متسلطاً لا يختلف كثيراً عن "الدكتاتوريات" التي يدعي الوقوف في وجهها عندما كان "الربيع العربي" في ذروته قبل ثلاث سنوات . من المفارقة أن من كانوا يوصفون بالدكتاتوريين لم يلجؤوا إلى خنق وسائل التواصل بل منهم من فتح كل المواقع عندما عرف ألا فائدة من فرض حظر سيعود عليه بالوبال، وهو ما فعله زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، ومع ذلك كان المصير محتوماً بمغادرة السلطة وامتلاك الشعب قراره وحريته . وتقريبا تتكرر المطالب ذاتها عند المعارضة التركية سواء في التظاهرات التي تثور وتخبو من فترة إلى أخرى، أو من خلال التفاعلات والتغريدات المتصاعدة عبر مواقع التواصل . وفي ظل ما تفصح عنه الثورات التكنولوجية من وسائل للاتصال لم يعد بالإمكان حجب الحقائق أو التعتيم على قضايا تهم الرأي العام، فقد ولى عصر الحجب والقمع الشمولي وحل محله عصر الفضاءات المفتوحة التي تقتضي المكاشفة والمصارحة والشفافية خطاباً وممارسة . وبناء على هذه المعادلة فإن نسبة شعبية أي زعيم أو قائد أصبحت تقاس بمدى حضوره في مواقع التواصل سلبا أم إيجابا، بل إن الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية تبدأ في هذه الفضاءات قبل أن تنزل إلى الشارع . وحينما يعمد واحد مثل أردوغان إلى تهديد تلك الفضاءات تكون النتائج عكسية وتسحب من رصيده ما ادخره للأيام العصيبة والمنازلات ضد خصومه . ومن سوء حظ أردوغان أن المعركة المجانية التي فتحها على "تويتر" جاءت عشية الانتخابات البلدية، وهي انتخابات ستكون أقرب إلى الاستفتاء بعد أشهر من توتر الشارع التركي ونجاح حكومة أردوغان في استعداء قطاعات حيوية بدءاً من الإعلام مرورا بالقضاء والمنظمات الأهلية وصولاً إلى مؤسسة الجيش فضلا عن قيادات في حزب "العدالة والتنمية" ذاته . نقلا عن صحيفة الخليج