حالة من الهلع أصابت المصريين جراء «العكارة» التي ظهرت فى مياه النيل، والتى أدت إلى تلون مياهه باللون الأصفر المائل للسواد فى بعض المناطق، مما أدى إلى إغلاق العديد من محطات مياه الشرب فى مختلف المحافظات. ومع وصول العكارة إلى محافظاتالقاهرة والوجه البحرى زادت المخاوف، ورغم تأكيدات وزارة الرى والشركة القابضة لمياه الشرب أن كله تمام، إلا أن المخاوف مازالت مستمرة. «الوفد» استطلعت آراء الخبراء الذين أكدوا أنه لا مخاوف من «العكارة» الناتجة عن السيول، إلا أن الكارثة تكمن فى الملوثات الأخرى. «عطشان يا صبايا.. عطشان يا مصريين.. عطشان والنيل فى بلادكم متعكر مليان طين». قصيدة شهيرة أبدعها الشاعر الراحل بيرم التونسى فى أوائل القرن الماضى، واليوم تحققت نبوءته، وأصبح المصريون يعانون العطش والنيل متعكر مليان طين، فقد شهدت محافظاتالأقصروقنا وسوهاج والمنيا وأسيوط نقصًا شديدًا فى مياه الشرب خلال الفترة الماضية بسبب زيادة الملوثات فى مياه النيل الناتجة عن جرف مياه السيول للأتربة والحجارة، مما أدى إلى زيادة نسبة الملوثات إلى 3000 درجة، وتعطل محطات مياه الشرب فى عدد من المحافظات، ولجأت الشركة القابضة لمياه الشرب لفتح محطات المياه الارتوازية والاعتماد علي مياه الخزانات الموجودة فى المحطات، بينما عانت بعض القرى فى هذه المحافظات من نقص مياه الشرب خاصة أن عربات نقل المياه لم تصل لهذه القرى، وبعد أيام قليلة من هذه الوقائع وصلت العكارة إلى القاهرة، وهو ما أثار حالة من الرعب لدى المصريين الذين لم يعرفوا السبب الحقيقى لها، ومنهم من استبعد احتمال السيول، وزادت المخاوف من تلوث مياه النيل، ووصلت المشكلة إلى محافظات الوجه البحرى مما أدى إلى اغلاق بعض محطات مياه الشرب فى الشرقية. العميد يحيى الصيرفى المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب أكد أن هذه العكارة ظهرت فى مياه النيل منذ ما يقرب من أسبوع بعد السيول مباشرة، ووصلت نسبة التلوث فى محافظة قنا إلى 3 آلاف درجة، بينما كانت فى الأيام العادية تتراوح بين 7 و10 درجات فقط، لذلك توقفت بعض محطات مياه الشرب، وبدأنا فى تشغيل محطات ارتوازية بعد توقف بعض المحطات فى محافظات الصعيد، أما فى القاهرة فلم تتوقف أى محطة بينما توقفت 4 محطات فى محافظة الجيزة لمدة 4 ساعات فقط، لهذا لم يشعر السكان بتأثيرها كثيرًا. وأضاف: توقفت 4 محطات فى المنوفية، و3 فى الشرقية لعدة ساعات أيضًا، وتم تشغيل المحطات الارتوازية حتى لا تتأثر المياه الواصلة للمواطنين بهذا التوقف. وأكد أن نسبة العكارة فى مياه النيل تقل كلما اتجهت المياه شمالاً حتى وصلت إلى 30 درجة فقط فى محافظة المنوفية، و70 درجة فى الشرقية، وهى نسبة بسيطة تستطيع المحطات الكبرى التعامل معها لذلك لم تتأثر المحطات الموجودة فى محافظة القاهرة رغم أن نسبة التلوث كانت 130 درجة، وتمت زيادة كمية الشبة المضافة لمياه المحطات، وليس فى هذا أى خطورة على الصحة العامة، ولكنها تزيد من تكلفة عمليات التنقية، وأشار إلى أن عمليات التنقية كانت تشمل زيادة الفترة التى تترك فيها المياه فى الوسط الترشيحى أو أحواض الترشيح الخاصة فى كل محطة تنقية، وزيادة كميات الشبة والكلور بما لا يزيد عن الحد المسموح به. وأكد أن المشكلة ستنتهى تمامًا خلال أيام قليلة. وأكد الدكتور أنور الديب أستاذ المياه بالمركز القومى أن هذه العكارة ناتجة عن الطمى الذى حملته مياه السيول لمجرى النهر، وليس فى هذا مشكلة، بل انه مفيد للتربة، وبالنسبة لمياه الشرب يتم زيادة نسبة الشبة المستخدمة فى التنقية من 20 إلى 30 وحدة، مع زيادة مدة الترسيب فى الأحواض من 40 إلى 50 دقيقة أو أكثر، وكل هذه الإجراءات تساعد فى تنقية المياه وليس لها أضرار على صحة الانسان. الدكتور عصام الحناوى خبير البيئة فى الأممالمتحدة قال: إذا كانت العكارة ناتجة عن مياه السيول فلا مشكلة فى ذلك، أما المشكلة الحقيقية فهى زيادة الملوثات فى مياه النيل بشكل عام. وكانت تقارير وزارة البيئة أكدت أن مصر تخسر ما يعادل 3 مليارات جنيه سنويًا بسبب تلوث مياه نهر النيل، حيث تتراوح كمية الملوثات الصناعية التي يتم إلقاؤها فى النيل سنويًا بين 4 و5 ملايين طن سنويًا، من بينها 50 ألف طن مواد ضارة جدًا، و35 ألف طن من قطاع الصناعات الكيميائية، بينما تبلغ نسبة الملوثات العضوية الصناعية 270 طنًا يوميًا، وتقدر المخلفات الصلبة التي تلقى فى النهر سنويًا ب14 مليون طن، بينما تقدر الملوثات الناتجة عن المستشفيات بنحو 120 ألف طن سنويًا منها 25 ألف طن مواد شديدة الخطورة، وأشار التقرير إلى وجود 34 منشأة صناعية تلوث مياه النيل بمياه الصرف الخاصة بها، وفشلت قوانين البيئة فى إلزامها بتوفيق أوضاعها. ولما كانت الكلى والجهاز البولى هى أكثر أجهزة الجسم التى تتأثر بالمياه لجأنا للدكتور عادل أبوطالب أستاذ الكلى والمسالك البولية بكلية الطب جامعة بنها فأكد أن الاتربة والملوثات المسببة للعكارة الموجودة حاليًا فى مياه النيل ليس لها تأثير علي صحة الانسان، إنما المشكلة الكبرى فى الملوثات الصناعية الموجودة فى المياه مثل الزنك والزرنيخ وغيرهما من المخلفات الصناعية التي يتم صرفها فى مياه النيل، حيث تقوم هذه العناصر بسد أنابيب الترشيح الموجودة فى الكلى فتمنع ترشيح البول، وبالتالى لا تستطيع الكلى تخليص الجسم من السموم الناتجة عن عملية الحرق والبناء، وعلي المدى البعيد تتلف الكلى وتعجز عن القيام بعملها ويصاب الانسان بالفشل الكلوى وبالتالى يتسمم الدم الناتج عن زيادة نسبة البولينا به.