جاءت السياسات التدخلية القطرية في الشأن المصري بصفة خاصة والعربي بصفة عامة؛ لتطيح بالطموح القطري الجامح بصناعة إمبراطورية في المنطقة العربية على حساب تلك الدول. وبالرغم من أن قطر دولة عربية، فإن سياساتها التدخلية لم تكن نابعة من منطلق حرصها على مصلحة دول الجوار، وكانت جميع التصرفات القطرية الاستفزازية؛ ما هي إلا دور رسمته لها الولاياتالمتحدة لتقوم الأولى بتنفيذه في المنطقة من ناحية، وتقوم الأخيرة بإتمام باقي اللعبة من ناحية أخرى. فمنذ صعود تيار الإخوان «الإرهابي» بعد ثورة يناير برز الدور القطري في مصر عبر منبرها الإعلامي «قناة الجزيرة»؛ الذي لم يتهاون في تشويه الحقائق، الذي عظم شأنه بعد سقوط «الإرهابية» في 30 يونية الماضي. وجاء الاستياء المصري من ذلك المنبر عبر إغلاق مقراته مرة؛ وملاحقته وفريق عمله قانونياً مرة أخرى، إلا أن الدوحة أصرت على استمرار ذلك المشهد الهزلي والعبث في الشأن المصري بالإساءة إلى سمعة مصر الدولية. وقال عدد من خبراء الشئون والعلاقات الدولية إن قرار سحب المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين لسفرائها لدى قطر إجراء مفاجئ على الصعيد الدبلوماسي والدولي خاصة في عمر مجلس التعاون الخليجي الذي تخطى الثلاثة عقود. وتوقع الخبراء تهدئة قطر ل«الأزمة» والتراجع عن سياساتها «التخريبية» بعد أن تكتشف خسارتها لهيبتها في المنطقة العربية؛ مرجحين أن تأتي التهدئة من قطر عبر نصيحة واشنطن لها، وربما تلويح واشنطن بالتخلي عن قطر بعد أن فقدت دورها في التأثير على الدول العربية داخلياً. يأتي ذلك في الوقت الذي رجح خبراء وسياسيون تصعيد الدوحة للأزمة وإعلانها في فترة لاحقة عن انسحابها الكامل من مجلس التعاون الخليجي رداً لسحب السفراء، وعلى هذا النحو، أكد خبراء الشئون الدولية أن في هذه الحالة ستتخلى واشنطن عن حليفها القطري باحثة عن آخر، مؤكدين أن في هذه الحالة ستغير الولاياتالمتحدة سياسات التعامل مع المنطقة العربية والشرق الأوسط ككل. وقالت الدكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إن موقف سحب بعض دول الخليج لسفرائها لدى قطر؛ ليس موجهاً ضد شخص الدولة القطرية، حيث اعتبرت موقفها رسالة شديدة اللهجة إلى واشنطن وسياساتها في المنطقة العربية عبر حليفتها قطر. وأضافت أن هذه الدول رفضت عبر هذا الإجراء استخدام قطر كأداة في إعادة ترسيم خريطة الوطن العربي؛ خاصة في الدول التي طاف بها قطار ثورات «الربيع العربي»؛ وتشهد موجات عدم استقرار. وطالبت «بكر» الدولة القطرية بضرورة اتخاذ موقف مرن حيال هذا الإجراء؛ حيث لفتت إلى أهمية تغيير قطر لسياساتها عبر منبرها «قناة الجزيرة»، التي استثمرته واشنطن في دعم حلفائها من الإخوان. واستطردت أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن قطر أدخلت نفسها في لعبة ليست طرفاً بها؛ مشيرةً إلى إصرارها على دعم إخوان مصر دون فائدة تعم عليها. وأشارت إلى أن الحكومة القطرية تقوم بنفس اللعبة الأمريكية؛ وهو عداء الإدارة الأمريكية للشعوب وصداقتها للأنظمة الحاكمة، والذي دائماً لا يؤتي ثماره. وألمحت إلى أن هذا الإجراء سيحدث انقسامات على صعيد الشعوب العربية؛ خاصة بين الشعب القطري والشعوب العربية الأخرى، خاصة بعد حالة النبذ التي وصلت إليها قطر بسبب أفعالها الاستفزازية مع أشقائها في المنطقة. وعن قرار سحب السفراء، قال السفير إيهاب وهبة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن قرار دول الخليج الثلاث بسحب سفرائها لدى قطر؛ جاء بمثابة مفاجأة مدوية. وشدد على خطورة اتخاذ إجراءات أشد مع قطر؛ موضحاً أن هذه الإجراءات ستحدث حالة من الانشقاق العربي سواء على صعيد مجلس التعاون الخليجي أو داخل الجامعة العربية. وطالب «وهبة» قطر بتفهم هذا الإجراء والتعامل معه على أنه درس دبلوماسي من قبل أشقائها العرب؛ لافتاً إلى أنه اعتراض ناعم منها على سياسات قطر التدخلية في الشأن دول المنطقة. ولفت مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى ضرورة احتواء الجامعة العربية أو أطراف وسيطة لأزمة الدول العربية مع قطر، والعمل على حلها سريعاً؛ مشيراً إلى اقتراب اجتماع القمة العربية في الكويت قريباً. وشدد على خطورة انعقاد الاجتماع بدون قطر أو حتى انسحابها منه على أثر حالة الاحتقان الدائرة الآن؛ معتبراً حدوث هذا الأمر خسارة كبيرة لجميع الأطراف. ودعا وهبة جميع الأطراف إلى العمل على سرعة إنهاء الأزمة وأهمية إخضاع قطر لرغبة أشقائها العرب؛ مؤكداً أن واشنطن وتل أبيب هما الطرفان الوحيدان المستفيدان من استمرار قطر في «التغريد خارج السرب»، واستطرد قائلاً: «على العرب أن يعملوا على إفاقة قطر من غيبوبتها قبل فوات الأوان». وفي نفس السياق، وصف وهبة الأزمة القطرية العربية بأنها تصدير «أمريكي» بحت؛ مشيراً إلى انشغال العرب بتصرفات قطر على حساب الأزمة السورية والكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوري – وهو مراد أمريكا وإسرائيل. وعن علاقة الشعب القطري بالعرب، استبعد تأثير الأزمة على العلاقة المتينة بين الشعوب، لافتاً إلى الأواصر العميقة بينها منذ عقود والتي تمتد إلى قرابة ومصاهرة، بالإضافة إلى آلاف العرب العاملين في الأراضي القطرية، مؤكداً أنها علاقة لن تنهيها نزاعات سياسية. على الصعيد ذاته، توقعت السفير عزة نصار خبير الشئون الدولية -سير القضية بين سيناريوهين أحدهما- نصيحة واشنطنل«الدوحة» في الفترة المقبلة بضرورة التهدئة في الفترة الحالية بعد القرار المفاجئ بسحب السفراء، والآخر يأتي في استمرار عناد قطر وتصعيدها للأزمة، وهو ما سيجعل واشنطن تتخلى عنها مستقبلاً باحثةً عن حليف آخر؛ بعد فشل سياسات «الدوحة». وقالت «نصار» إن الموقف العربي ضد سياسات الحكومة القطرية لن يؤثر سلباً بين الشعوب العربية؛ بل توقعت أن يعترض الشعب القطري على دور حكومته المشبوه في تمرير السياسات الأمريكية في المنطقة، وهو ما يعتبر ضغطاً شعبياً داخلياً على قطر يجبرها على التخلي عن موقفها الأمريكي في بلادها. وأضافت خبيرة الشئون الدولية، أن دول الخليج الأخرى لم تسحب سفراءها، غير أن غالبية الدول العربية غير راضية عن موقف قطر، متوقعةً أن تتخذ مواقف أخرى مفاجئة تجاه قطر إن استمرت على نهجها هذا. ومن جانبه، أعرب السفير ناجي الغطريفي خبير الشئون الدولية عن أمله في تراجع قطر عن موقفها. وقال الغطريفي إن الدور الذي تقوم به الدوحة يستهدف إرضاء واشنطن، لافتاً إلى أن الدوحة لم تهتم بردود فعل أشقائها في المنطقة من أجل إرضاء حليفتها. وأشار إلى أن قطر لن تهتم بالإجراء الدفاعي الذي اُتخذ ضدها من أهم وأكبر دول الخليج». وتوقع في الفترة القادمة رد فعل عكسياً قوياً من الدوحة رداً على ما اعتبرته نبذ العرب لها. واعتبر الغطريفي الفترة القادمة هي اختباراً لقطر في مجلس التعاون الخليجي، محللاً أن الرد القطري سيأتي بانسحاب قطر من عضويتها في المجلس؛ حيث اعتبرها الآن على المحك مع جميع الدول العربية. وطالب خبير الشئون الدولية بالجامعة العربية بسرعة التدخل لإنهاء الأزمة؛ ودعا عدد من الشخصيات الدولية العربية بالعمل كوسطاء دوليين لاحتواء الأزمة وأهمية عودة قطر إلى الصف العربي والسير لمصلحة المنطقة.