هذا كتاب انتظرته، ولم يطل انتظاري له.. لعدة أسباب. أولها أن المؤلف كان علي قمة جهاز الري المصري، عندما أصبح وزيراً للري والموارد المائية في فترة شديدة الخطورة.. وثانياً لأنه يجمع بين الاستاذية العلمية النظرية والحياة العملية.. وثالثها لأنه كان متاحاً له بحكم عمله وزيراً لهذه الوزارة السيادية الخطيرة.. أن يعلم ويلم ويعرف كل تفاصيل هذه القضية.. ورابعها لأنه يملك شجاعة الإمساك بالقلم.. وتسجيل ما يعرف، أو ما أتيح له أن يعلمه، حتي وإن حجب بعض المعلومات أو الأسرار التي لا يملك «وحده» حق الاعلان عنها.. هو الدكتور محمد نصر الدين علام.. الذي تسلمت أول أمس كتابه الخطير عن «أزمة سد النهضة الإثيوبي.. وهل هي قضية سياسية، أم اشكالية فنية.. أقول توقعت منه هذا الكتاب، بعد أن أخرج لنا منذ شهور كتاباً آخر لا يقل خطورة.. بل يفتح باباً لم يجرؤ غيره من المسئولين علي فتحه، أقصد كتابه السابق بعنوان «اتفاقية عنتيبي والسدود الإثيوبية «الحقائق والتداعيات» وقد سبق أن كتبت عنه هنا.. وجاء كتابه الجديد ليكمل الحكاية المؤلمة.. خصوصاً وأن كثيراً من وزراء الري والموارد المائية فضلوا الصمت عن أن يحكوا لنا الحقيقة، التي ساهموا فيها منذ نصف قرن.. وحتي وصلنا إلي ما نحن فيه الآن من كارثة حقيقية.. والكتاب الذي بين أيدينا الآن يستحق أن يقرأه كل مصري، وليس فقط المهموم بقضية المياه.. ربما بسبب ندرة الكتب التي تناولت هذه القضية.. وهو وثيقة غاية في الأهمية والخطورة معاً.. ويكفي أن نقرأ بعض عناوين فصول هذا الكتاب الذي يقع في ال 241 صفحة من الحجم المتوسط. وإذا كان الفصل الأول عن عرض الكتاب فإن الباب الثاني يتناول مصر ونهر النيل وفي الباب الثالث يدخل إلي قلب المشكلة فيقر ويعترف أن مصر تواجه أزمة مائية حقيقية بسبب ثبات حصة مصر من المياه مع تزايد عدد السكان.. ثم يدخل في الباب الرابع إلي مبادرة حوض النيل وتداعياتها علي مصر.. وإذا كان البعض يري في هذه المبادرة طريقاً للاتفاق مع دول حوض النيل.. إلا ن البعض وأنا منهم يري أنها بداية المشاكل في هذه القضية شديدة الخطورة.. وأري أن بعض دول حوض النيل تري فيها ضعفاً مصرياً. وأن رأي البعض أنها بداية للتفاهم مع شركائنا في هذا العرض.. أما الباب الخامس ففيه يتناول المؤلف والمسئول السابق عملية تحليل للاتفاقية الاطارية لتعاون دول حوض النيل، أي اتفاقية عنتيبي.. التي أراها بداية الأزمة،عندما أخذت دول المنابع تقف هذا الموقف العدائي من مصر. ثم يدخل المؤلف الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري السابق في أواخر عهد الرئيس مبارك الي صلب القضية عندما يغوص ويشرح لنا مخطط السدود الإثيوبية لاحتكار المياه والطاقة وهذا في الفصل السادس أما في الباب السابع فإنه يقدم لنا كاملاً: «لعبة» سد النهضة الإثيوبي بكل تفاصيلها.. ثم في الباب الثامن يشرح لنا كيف أدارت مصر ملف سد النهضة.. ويلقي الضوء كاشفاً عن دور كل من إثيوبيا والسودان وجنوب السودان، وهي الدول المعنية بالملف، قبل أن تصل الينا مياه النيل الأزرق، ان كان سوف يستمر وصولها بنفس التدفقات التي تعودت عليها مصر. وفي الباب العاشر يشرح لنا المؤلف تطوير مسارات التحرك المصري في قضية سد النهضة.. وما يراه المؤلف في هذا التحرك.. كيف.. ويختتم المؤلف كتابه الخطير الذي لا تنقصه الصراحة بملحق كامل وباللغة الانجليزية عن نص اتفاقية عنتيبي التي حذرت منها ومنذ سنوات.. بينما الجانب المصري الرسمي يلتزم الصمت الكامل ولم يكن يسمح لأحد بالاقتراب منه.. والكتاب إجمالاً مزود بعدة صور عن مشروعات السدود علي طول نهر النيل.. وكذلك بعدد من الخرائط بالعربية والانجليزية بعضها يوضح مواقع السدود الإثيوبية الأساسية وسد النهضة واحد منها سواء علي النيل الأزرق نفسه، أو علي نهر السوباط، أو علي نهر عطبرة.. وهي الأنهار الأساسية التي تزود مصر بحوالي 85٪ من كل حصة مصر من مياه النيل.. وأهمية هذا الكتاب، الذي أنصح الحكومة بطبعه طبعة شعبية وتوزيعه ولو مجانا علي كل من يطلبه، بسبب خطورته يتحدث مدعماً بالأرقام وكلها أرقام تعتمد علي وثائق و معلومات وزارة الري المصري.. وهنا تبرز أهمية هذا الكتاب.. وإذا كان الكتاب والكاتب لم يقل صراحة كل ما عنده.. إلا أنه ترك العديد من الأسئلة عند الفني والسياسي.. وعند القارئ العادي. هنا نقول: وأين كتاب يذكر الحقيقة كاملة يصدره الدكتور محمود أبو زيد الذي تولي مسئولية هذه الوزارة لسنوات طويلة، خصوصا وأن كتاب د. علام يكاد يشير الي سلبيات عديدة في سياسة أسلافه من المسئولين بالوزارة، وأبرزهم الدكتور أبو زيد نفسه. هل يخرج الدكتور أبو زيد علي صمته، ليس ليدافع عن نفسه وعن سياسته ولكن لكي نعرف الحقيقة.. لنعرف كيف نواجه القضية.. شكراً د. علام وعلي أمل أن يتكلم الدكتور أبو زيد.