عادت أحداث 28يناير 2014للتذكرة التى تمنح العبرة .. فما بين مشهد ألهمه الشعب الثائر، وآخر سجله الغضب، تروى مشاهد الثورة المصرية؛ التى تعالت ذروتها يوم الثامن والعشرون إبان انفجار نفوس الغضب. وتأتى الذكرى الثالثة لجمعة الغضب وسط غياب الواقع وظلمات الإرهاب .. فما بين تصاعد أعداد ضحايا التفجيرات وسقوط العشرات إثر تظاهرات مؤيدى المعزول، تطل ذكرى جمعة الغضب، ولا نعرف إلى تلك اللحظة إلى أى من الأطراف سترجح كافة الذكرى. إلى كفة أنصار المخلوع "مبارك" أم مؤيدي المعزول "مرسي" أم التيارات السياسية المختلفة؛ التى نفضت عن نفسها أى انتماء؛ وذلك بعد تعدد الرايات لفصائل الدولة. تعددت المشاهد التى سردت أحداث يوم الغضب المفجر لثورة يناير المصرية، ففى حدود الساعة الواحدة ليلاً من فجر الجمعة بدأت موجة من الاعتقالات الواسعة لعشرات من النشطاء السياسين من شباب الثورة ومن كافة الأحزاب التى أكدت مشاركتها فى هذه التظاهرات. بدأت بعد أداء صلاة الجمعة تظاهرات شعبية واسعة فى عدد من المدن المصرية, فخرج الملايين فى أغلب المدن المصرية القاهرةوالإسكندريةوالسويس والمنصورة وطنطا والإسماعيلية ودمياط والفيوم والمنيا ودمنهور ومحافظة الشرقية وبور سعيد ومحافظة شمال سيناء؛ مطالبين بتعديلات فى سياسة مصر ورافضين سياسة القمع والرعب التى اتخذتها الشرطة المصرية منهجًا لها خلال عدة سنوات سابقة إبان حكم الحزب الوطنى. ولأول مرة تشارك شركات الاتصالات فى الأحداث السياسية، ففى الساعات الأولى من صباح هذا اليوم أصدرت وزارة الاتصالات أمرًا بوقف خدمة الإنترنت والرسائل القصيرة والاتصال عبر الهواتف المحمولة فى جميع أنحاء الجمهورية المصرية وفى كل الشبكات. وبلغ الغضب أعلى وتيرة يشهدها المصريون منذ سنوات فقد جاء رد فعل قوات الشرطة غير متوقع بالمثل، فقد أطلق الأمن فى القاهرة القنابل المسيلة للدموع، واعترض رجال الأمن المتظاهرين فى محاولة لمنع المتظاهرين من الوصول إلى ميدان التحرير والميادين الكبرى فى مصر. وأطلقت القوات الأمنية الرصاص المطاطى على المتظاهرين؛ مما أدى لإصابات عديدة فى صفوف الشعب المنتفض، ولاحق رجال أمن بملابس مدنية المتظاهرين وقاموا باعتقال بعضهم. ورغم ذلك واصلت جموع المتظاهرين إلى ميدان التحرير، وهم يطالبون بسقوط " مبارك" وحل الحزب الوطنى الذى أفسد الحياة السياسية فى مصر وسط هتاف من المتظاهرين أخذاً من ثورة الياسمين التونسية" الشعب يريد إسقاط النظام". وامتدت المظاهرات إلى مناطق أخرى فى البلاد مثل السويسوالإسكندرية. ونجح المتظاهرون فى عصر هذا اليوم فى السيطرة بالكامل على مدينتى الإسكندريةوالسويس، وأحرقوا معظم مراكز الشرطة فى الإسكندرية واضطرت قوات الأمن فى آخر الأمر إلى الانسحاب من المدينة بعد الفشل فى قمع المتظاهرين. وفى السويس سَيطَرَ المتظاهرون على قسم شرطة الأربعين بكل ما فيه، واستخدموا القنابل المُسيلة للدموع ضد رجال الأمن، بينما شاعت أنباء عن سيطرة المتظاهرين على المدينة وطرد قوات الأمن منها، وتمكن المتظاهرون من حرق مقر الحزب الوطنى الرئيسى الواقع فى مدينة القاهرة، وتدمير أحد فروع الحزب فى منطقة" شبرا" حيث تم تدميره بالكامل، ودمرت مقرات الحزب فى عدة مدن بما فى ذلك كوم أمبو ودمياط. واستمرت المناوشات فى كافة أنحاء الجمهورية منذ انتهاء صلاة الجمعة، وحتى مغرب هذا اليوم تقريبًا, وكانت الشرطة تتعامل بكل قسوة ووحشية ضد المتظاهرين باستخدام القنابل المسيلة للدموع والتى اتضح لاحقًا أنها كانت منتهية الصلاحية وغير صالحة آدميًا، فضلاً عن استخدام الشرطة للرصاص المطاطى. وقبيل غروب شمس هذا اليوم شهدت مصر اختفائًا مفاجئًا بشكل مريب لكافة قوات الشرطة من كافة أنحاء مصر، بل وشهدت أيضًا هروب العديد من المساجين والمسجلين خطر من سجون مصر الكبرى "وكان الهروب جماعى وكبير بالشكل الذى أكد بنسبة كبيره أن قوات الشرطة تورطت وكانت المسئولة عن هذا الهروب للرد على مقاومة المتظاهرين", وسادت حالة من الفوضى والقلق فى الشوارع بسبب اختفاء كل أجهزة الشرطة وهروب هذا الكم المريع من المساجين. ونتيجة للفوضى التى عمت البلاد فى ذلك اليوم ، أعلن الحاكم العسكرى حالة حظر التجول على جميع محافظات البلاد بدءاً من السادسه مساء لذاك اليوم حتى ساعات الصباح أولى .. الأمر الذى استمد لعدة أيام بعدها حتى نهاية الثورة. وفى نهاية اليوم نزلت مدرعات الجيش المصرى إلى شوارع المدن لتعويض دور قوات الشرطة التى هربت بعد أن أثبتت أنها لا تقدر على تحمل الضغوط وحدها وقتها، وبدأت حالات من النهب والسلب، وقالت الحكومة إنها من المتظاهرين ولكن المتظاهرين يقولون أن السبب عملاء" بلطجية" الحكومة للتخريب "و قد كان واضحًا ممن قبض عليهم لاحقًا؛ حيث إنهم كان أغلبهم من الهاربين من السجون وإما مسجلين خطر". و كادت السرقات أن تطول المتحف المصرى لولا أن المتظاهرين وقفوا بالمرصاد لمحاولات سرقة المتحف وتجاهلوا حظر التجول حيث شكلوا سلسلة بشرية كبيرة محيطة بالمتحف كله، ودوريات للمراقبة داخل المتحف وحوله. واستمر هذا الوضع طوال الليل حتى وصلت قوات الجيش التى طلبها المتظاهرون لحماية المتحف المصرى آنذاك. و قد استوحت كافة مناطق فكرة عمل "اللجان الشعبية" والتى تكونت من أهالى المناطق، حيث تكونت فى كل منطقة لجنة تضم خيرة شباب ورجال المنطقة والذين تسلحوا بكل ما يمكن اعتباره سلاح "من أسلحة نارية إلى بيضاء إلى الشوم والعصى وحتى سكاكين المطبخ أو الزجاجات الفارغة" وانتشروا فى شوارع مناطقهم على شكل دوريات لتأمين المنطقة وتعويض دور الشرطة المفقود. ولا شك فى أن أحداث جمعة الغضب، ووقوف الجيش بجانب الشعب أعلى من مقداره فى عيون الشعب فى الوقت التى تقاعست فيه الشرطة عن حماية النفوس .. ليعلو الجيش ومشيره مقدراً فى نفوس المصريين أمام المخلوع ورفاقه.. القضية التى اكتملت فى أيام تليها لتنتهى جمعة الغضب .. أحد أهم الأيام التى سطرت فى تاريخ الثورة المصرية.