تشهد مصر خلال الأيام القليلة القادمة عملية الاستفتاء على الدستور والتي ستكون خلال يومين هما الرابع والخامس عشر من يناير ونتوقع أن تكون المشاركة الشعبية في الاستفتاء على مشروع الدستور مشاركة كثيفة حتي يتمكن شعب مصر العظيم من رسم وتنفيذ مستقبله السياسي ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الجوانب التالية المتعلقة بالدستور والمشاركة السياسية . أولا: ملاحظات عامة حول الدستور،فهذا الدستور الذي يتم الاستفتاء عليه يأتي بعد ثورة 30 يونية والتي تمثل ثورة شعبية ضخمة وغير مسبوقة خرج فيها الشعب المصري يعبر عن رغبته في صناعة مستقبله السياسي، ولذلك فهو الخطوة الأولى في خارطة المستقبل السياسي والتي ستعقبها استحقاقات أخرى تنتهي خلال ستة أشهر من إقرار الدستور وهي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وبعبارة أخرى فإن هذا الدستور يساعد على التخلص من حالة الفراغ السياسي والمؤسسي التي تعاني منها البلاد، حيث لا يوجد مجلس تشريعي ولا يوجد حزب حاكم أو حكومة منتخبة أو رئيس جمهورية منتخب مما يعني أن الموافقة على الدستور هي نقطة البداية نحو استكمال هذه المؤسسات الغائبة وكذلك التخلص من المتاعب السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعاني منها البلاد خلال السنوات السابقة. كذلك من المرغوب فيه أن تتوافر القناعة والمعرفة لدى المواطن بأن الدستور هو عمل سياسي بحت يتعلق بتنظيم حقوق المواطن تجاه الدولة، والعلاقة بين السلطات واختصاصات كل سلطة وشكل نظام الحكم في الدولة وليس له علاقة بالتدين أو عدم التدين أو الكفر أو الإيمان، ولذلك يكون من المفيد أن يكوَن كل مواطن رأيه بنفسه تجاه الدستور دون شبهة الضغط أو التأثير عليه ولتحقيق ذلك يتطلب الأمر توافر المعلومة لدى المواطن وخصوصا المواطن العادي والبسيط عن ماهية الدستور وأهميته وأهم موضوعاته وبنوده، وهو ما تقوم به وسائل الإعلام والقوى السياسية المختلفة والأحزاب بهدف الوصول إلى المواطن العادي من خلال اللقاءات الجماهيرية. ثانيا: التعريف بالدستور وأهميته،حيث يتكون مشروع الدستور الذي سيتم الاستفتاء عليه من ستة أبواب و247 مادة، ويتناول الباب الأول الدولة ويركز على أن جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة لا تقبل التجزئة وشعبها جزء من الأمة العربية وهي جزء من العالم الإسلامي وتنتمي لأفريقيا وتعتز بامتدادها الأسيوي،وأن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ويتناول الباب الثاني المقومات الأساسية للمجتمع ويركز على حماية المرأة والحفاظ على حقوق العمال ويهتم بالزراعة والصيد وقناة السويس والمقومات الثقافية، ويتضمن الباب الثالث الحقوق والحريات والواجبات ويركز على الكرامة الإنسانية والحرية الشخصية وحق التنقل وحرمة المنازل وحرية الاعتقاد وحرية الفكر والإبداع وحرية الصحافة وتكوين الأحزاب، ويتناول الباب الرابع سيادة القانون باعتبارها أساس الحكم ويركز على بعض المبادئ العامة للقانون المعترف بها في الدول الحديثة وحماية الحرية الشخصية وأن الاعتداء عليها جريمة لا تسقط بالتقادم،ويدور الباب الخامس حول نظام الحكم ويركز على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بينما يتناول الباب السادس والأخير الأحكام العامة والانتقالية. ولعل من القضايا المهمة التي يجب أن تكون واضحة لدى المواطنين وخصوصا لدى المواطن العادي والبسيط هي أن الدستور ليس شأنا سياسيا بحتا بل يؤثر على حياة المواطن ككل ومعيشته اليومية من خلال ما يتضمنه من حق المواطن في السكن والغذاء والتعليم والعلاج والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي فضلا عن مكافحة العشوائيات وحماية الدولة للملكية وأن الثقافة حق لكل مواطن . ثالثا المشاركة : فمن المرغوب فيه أن تتحقق مشاركة المواطنين بكثافة في الاستفتاء على الدستور وكذلك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وأن تكون المشاركة بناء على معرفة وعدم الخضوع لأي مؤثرات وأن يحسن المواطن استخدام حقه التصويتي، فالديمقراطية هي ذلك النظام من نظم الحكم الذي يعتمد على عنصر الكم، ولكل مواطن نفس التأثير وفقا للمبدأ السياسي المعروف صوت واحد لكل مواطن ومن هنا تنبع أهمية عملية التصويت والمشاركة السياسية وضرورة أن يحسن كل مواطن استغلال صوته وتوجيهه على النحو الصحيح لتجنب حدوث نتائج سياسية سلبية في حالة استخدام إساءة المواطن لصوته الانتخابي ولذلك فإن على المواطن واجب ومسئولية وهي أن يحسن استخدام صوته ويوجهه الوجهة الصحيحة لتجنب حدوث نتائج سياسية غير مرغوب فيها، فبالنسبة للدستور فإن التصويت بنعم يساعد على إخراجنا من المشاكل التي نعاني منها طوال السنوات السابقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية ويساعد على التفرغ للبناء وأن تتحول الشرعية الثورية إلى شرعية دستورية ومؤسسية ويمهد ذلك لاستكمال خارطة المستقبل السياسي، بينما التصويت بلا يعود بنا مرة أخرى إلى نقطة البداية والدوران في حلقة مفرغة والبحث عن دستور جديد وفترة انتقالية أخرى. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية فإنه يكون من المرغوب فيه المشاركة الشعبية في هذه الإنتخابات بأكبر درجة ممكنة ،وأن يحسن المواطن اختيار المرشح الرئاسي الأقدر والأكثر مناسبة حتى لا يتكرر مرة أخرى فوز مرشح رئاسي ويظل في منصبه لفترة زمنية قصيرة ويفشل وتحدث ضده ثورة أو يتم عزله وفقا للقواعد المنصوص عليها في الدستور ونعود مرة أخرى إلى نقطة البداية والدوران في الحلقة المفرغة من جديد. كذلك الأمر بالنسبة للانتخابات التشريعية والتي يكون من المطلوب أيضا المشاركة في هذه الانتخابات بأكبر درجة ممكنة وأن يحسن المواطن اختيار ممثليه الذين يعطيهم أصواته لعضوية المجلس النيابي حتي لا يتم اعادة إنتاج نظام سبق أن أسقطه الشعب، فقد أسقط الشعب المصري في خلال ثلاثة أعوام سابقة نظامين هما نظام الحزب الوطني ونظام الإخوان،ولذلك فإن حسن الاختيار مطلوب في الانتخابات التشريعية لمنع انتاج نظامين سبق أن أسقطهما الشعب. وأخيرا فإنه من المطلوب من الشعب المصري أن يشارك بكثافة في الاستحقاقات المختلفة القادمة وأن يحسن الاختيار، فمصر الآن تواجه تحدياً وشعب مصر بوحدته وتماسكه وبتعاونه مع الجيش والشرطة يستطيع مواجهة هذا التحدي بنجاح.