بالقطع... تبقي الإرادة الوطنية رهناً لما تقدمه الأجيال من تضحيات يخطها التاريخ، فللحرية ثمن ينبغي سداده؛ ومن ثم سيقدم الشعب ثمناً لحريته التي نادي بها في الخامس والعشرين من يناير، وكرر مطالبته بها في الثلاثين من يونيو، وستمضي الإرادة الشعبية الحرة نحو تجسيد طموحاتها، ولن تعدم الثورة المصرية المجيدة سبيلا إلي مواجهة ما تتعرض له من إرهاب منظم، مهما أوتي من دعم خارجي، وتقصير داخلي. ولن تنجح المساعي الرامية إلي تفتيت عزيمة الشعب المصري، وزعزعة ثقته بمؤسساته الأمنية، وما تقدمه من بطولات تتصدر بها المشهد الدولي في مواجهة إرهاب لا يبتغي الوطن فحسب، وإنما تتجاوز آفاقه المنطقة إلي كافة أرجاء العالم. فليس يخفي أن ما يواجهه الوطن الآن هو امتداد للعمليات الإرهابية التي طالت العديد من دول العالم، وما تركيزه علي مصر إلا لثقل تأثيرها في المنطقة، باعتبارها الركيزة الأولي لاستقرار الأوضاع الإقليمية، فإن سقطت دانت له بقية دول المنطقة، ربما دون إراقة دماء، وبالتالي فإن الوطن في مواجهة الإرهاب إنما يمثل الحضارة الإنسانية، بتاريخها وحاضرها، علي أمل حماية المستقبل من السقوط في غياهب الماضي. غير أن التطورات المعاصرة في أدوات وآليات السياسة الدولية، لا شك تثير بعض التساؤلات حول مدى الدور الذي ينهض به الإرهاب في منظومة العلاقات الدولية، بعد أن باتت تجارة السلاح والمخدرات من العناصر الرئيسة في الاقتصاد العالمي، وبالتالي لا يمكن تجاوز آثارها علي تشكيل وتوجيه السياسات الخارجية للعديد من القوى الإقليمية والدولية، دون أن يقلل ذلك من شيوع «المبادئ الإنسانية» في الخطاب السياسي الدولي.! من هنا يمكن إدراك حقائق، لا تقع في دائرة الضوء كثيراً، رغم أنها وثيقة الصلة بما يشهده الوطن من عمليات إرهابية، ففي ظل مسئولية القوى الدولية عن المحافظة علي السلم والأمن الدوليين، تجد قيادات تنظيم الجماعة الإرهابية مستقراً آمناً في كثير من العواصم الأوروبية، المُصنفة كأعرق الديمقراطيات في العالم، وهو أمر لا ينبغي تناوله في إطار سيادة القانون، وما يقره من حقوق لهؤلاء الأفراد، قدر ما يرتبط بحقيقة الدور المنوط بالإرهاب في مجال السياسة الدولية. وبالتالي فإن مواجهة الإرهاب ينبغي النظر إليها باعتبارها من الأعمال المتصلة التي لا تنقطع، فلم ينجح العالم حتى الآن في القضاء علي الإرهاب والهبوط بمستواه إلي حد الصفر، بل فرض الإرهاب لنفسه موقعاً بين ساسة العالم. وعليه فإن الإرهاب وقد بات آلية معتمدة لإنفاذ السياسات الاستعمارية، وخلق البيئة الداعية إلي تواجد القوى الدولية، والارتماء في أحضان سياسات لا تلتقي بالمصالح الوطنية لشعوب المنطقة، فضلاً عما يوفره الإرهاب من سوق متسع لتجارة السلاح، فإن التعويل علي تأييد ومساندة القوى الدولية عبر بيانات الشجب والاستنكار، أمر من شأنه التقليل من حتمية الجهد الذاتي لدول المنطقة من جهة، وللشعب المصري من جهة أخرى، إذا ما أراد أن تبقي حريته خالصة... مدفوعة الثمن. «الوفد»