حاول البعض وصف ما يحدث في عدد من الجامعات من فوضى بأنه جزء من الحركة الوطنية الطلابية في مقارنة مع هذه الحركة في أعوام 46 و68 و72 من القرن الماضي ولكن المحاولة باءت بالفشل لأن الحركة الطلابية براء من هذه الفوضى وانا كشاهد عيان وأحد المشاركين في التحرك الطلابي بجامعة القاهرة في السبعينات أؤكد أن تاريخ الحركة الطلابية ارتبط بقضايا وطنية مثل تحرير الأرض والعدالة الاجتماعية. وأتذكر أنه لم يكن في يوم من الأيام طلاب الجامعات يتحركون بأوامر من جماعة أو حزب كنا نمارس السياسة بالتوازي مع استمرار الدراسة وكنا نعقد المؤتمرات بعد انتهاء المحاضرات في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ولم نرفع شعارا عنصريا أو ماسونيا كانت مصر دائما في وجداننا قلبا وقالبا. وخرجنا في مظاهرات داخل حرم الجامعة وخارجها لكن لم تتعد سور حديقة الأورمان لم نحرق سيارة أو نعتدي على رجال الشرطة كنا نطالب سنة 72 الرئيس الراحل انور السادات رحمه الله بإنهاء حالة اللاسلم واللاحرب التي تحدث عنها الاستاذ محمد حسنين هيكل في مقالاته بجريدة «الأهرام» انذاك وكشف لنا التاريخ بعد أربعين عاما من حرب أكتوبر المجيدة ان السادات كان متعمدا اشاعة جو ضبابي لأنه كان يعد للحرب في هدوء وتحمل هجومنا عليه وانتقادنا له في صبر يحسد عليه حتى تحقق النصر!! مع ذلك لم نشوه المباني والجدران بألفاظ خارجة أو سباب لأننا كنا ندافع عن قضيتنا الوطنية بشكل متحضر وراق للأسف الشديد أن ما نشاهده من أفعال صبيانية وبلطجة واعتداء على الأساتذة داخل الجامعات خاصة جامعة الأزهر العريقة يؤكد أن هؤلاء الطلاب فعلا مغيبون سواء كانوا طلبة او طالبات مدفوعين ومدافعين عن قضية خاسرة لانها تتعلق بمن لفظهم الشعب المصري يوم قال كلمته في الثلاثين من يونية واقول لهم اعتقدوا فيما تشاءون لكن عبروا عن رأيكم بتحضر وأتذكر ويتذكر معي جيل السبيعينات أن القضية الوطنية كانت محورا التفت حوله كل التيارات الفكرية بجامعات مصر خاصة جامعتي القاهرة وعين شمس ففي جامعة القاهرة تشكلت اللجنة الوطنية العليا واتخذت من قاعة ناصر الرئيسية مقرا لمؤتمراتها وكان يرأسها الدكتور احمد عبدالله رحمه الله وانطلقت فعاليتها من كليتي الاقتصاد والاعلام وانضم لهما بقية كليات الجامعة. لا شك أنه تاريخ مضىء لطلاب مصر يحاول البعض اليوم تشويهه ويكفي القول إن كل رموز الحركة الطلابية آنذاك أصبحوا اليوم قادة الرأي وصناع القرار في المجتمع من ساسة ومفكرين وأطباء وعلماء وأساتذة في الجامعات وصحفيين واعلاميين ودبلوماسيين واعتذر عن ذكر اسمائهم حتى لا أنسى أحدا ويا ترى هؤلاء الذين يفرضون رأيهم بالعضلات وقبح القول اليوم ماذا سيكونون بعد عقدين أو ثلاثة من الزمان؟!. أتمنى ان يعودوا إلى رشدهم حتى يواصلوا ما بدأه سابقوهم لأن حرية الرأي لا تعني الهمجية وإساءة الأدب ولكن يجب أن نقول أيضا إن هناك أسبابا جعلت هؤلاء الشباب يتصرفون على هذا النحو من بينها فقدان العلاقة بين الطالب والأستاذ نتيجة زيادة أعداد الطلاب بالجامعات الحكومية وإلا لماذا لا نرى هذه الأفعال في الجامعات الخاصة؟ وفي الوقت نفسه هناك مشكلة حقيقية في إدارة الجامعات يجب أن نعترف بها وهي أن الأيدي المرتعشة المترددة لا يمكن أن تقنع هؤلاء الشباب المغيب فكريا المحبط اجتماعيا الأمر الذي أدى الى وقوعه فريسة سهلة بأيدي الحاقدين والكارهين لمصر. وعليه مطلوب بدء حوار مجتمعي لإنقاذ الجامعات المصرية من حالة الفوضى المستشرية بها وأتصور أنها انعكاس لحالة الفوضى العامة التي لن نخرج منها الا بالاسراع بتنفيذ بنود خطة المستقبل والعودة إلى المسار الديمقراطي وأن الاستفتاء على الدستور في 14 و 15 يناير القادم خطوة ايجابية على الطريق.