يبدو أن الخلاف القائم بشأن قانون التظاهر الجديد لم ينته بمجرد صدوره، ولن تصمت الأصوات المنادية بضرورة تعديل بعض مواده برغم ما أكدته الحكومة مؤخراً بشأن عدم التراجع عن القانون. وأثار القانون حفيظة الكثيرين بسبب إعطاء حق المنح والمنع لتنظيم المظاهرات لوزارة الداخلية دون أن يكون هذا الحق لجهة قضائية محايدة، حتي لا تصبح الداخلية بمثابة الخصم والحكم، إلي جانب بعض المواد الأخري التي أثارت جدلاً واسعاً خلال الفترة الماضية. والمشكلة لم تكن في إصدار القانون بقدر اختراق القانون للأحكام القضائية، وهذا واضح في دخول عناصر الأمن للجامعة برغم وجود أحكام قضائية واجبة النفاذ بإلغاء الحرس الجامعي وعدم دخول الأمن التابع لوزارة الداخلية للجامعات أو تكرار دخول الأمن للجامعات مثلما حدث في جامعتي الأزهر والقاهرة من قبل بعد طلب رئيس الجامعة له أثناء تصاعد المظاهرات واللجوء لبعض الأعمال التخريبية. ووجدنا أنفسنا أمام سؤال: هل يخترق الأمن الجامعات ويتعامل مع مظاهرات الطلاب بالفض سواء باستخدام الغاز أو المياه لتنفيذ القانون الجديد أم أن الجامعات ستكون بمعزل عن هذا التطبيق خاصة داخل أسوار الجامعة، أم أن الأمر يتعلق بالخطأ التشريعي في صياغة القانون دون مراعاة هذه القضية والاستجابة لقرار مجلس الوزراء بإمكانية طلب الأمن من قبل رئيس الجامعة لفض التظاهرات داخل الحرم الجامعي لنكون أمام تطبيق القرار وضرب عرض الحائط بالأحكام القضائية السابقة؟ وكان من الأفضل أن يراعي هذا القانون الأحكام القضائية من ناحية وللفئة العمرية التي تدرس بالجامعات خاصة أنها شهدت ثورتين في أقل من 3 سنوات ولديها قبول وقابلية للمزاج الثورية أكثر من فئة أخري من ناحية. وقد عرف القانون التظاهرة بأنها «كل تجمع لأشخاص يقام فى مكان عام أو يسير فى الطرق والميادين العامة»، والجامعات بدون شك مكانًا عامًا، ومن ثم فإن أى تجمعات للتعبير السلمى أو الاحتجاجات السياسية داخل الحرم الجامعى تعد تظاهرة فى حكم القانون المشار إليه، لكون القانون لم يستثن الجامعات من تلك التجمعات. ويقول الدكتور يحيي قزاز، أستاذ البيولوجيا والقيادي بحركة «9 مارس» لاستقلال الجامعات أن قانون التظاهر الجديد جاء ليوضح عدم الرؤية الثاقبة لدي الحكومة في إصداره وخاصة من ناحية التوقيت، والتعامل مع الأحداث بنقص من الفطنة- بحسب قوله. وأشار قزاز إلي أن العقوبات الموجودة في قانون التظاهر تعد أقل من المتواجدة في قانون العقوبات في حالة ارتكاب أي جرائم من قبل أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب دون الحاجة لقانون جديد لم نجن منه سوي الفتنة ولذلك أسميه قانون «مثيري الفتنة» - بحسب تعبيره مستكملاً» القانون أثار حفيظة الكثيرين أكثر مما حافظ علي الأمن». ووصف قزاز قانون التظاهر وتطبيقه داخل الجامعات بأنه «فتيل» يشعل الأحداث سواء كان ذلك بطلب من رئيس الجامعة أو غير ذلك رافضاً فكرة عودة الأمن أو الحرس الجامعي. وحذر قزاز من تطبيق القانون داخل الجامعات مشيراً إلي أن قانون تنظيم الجامعات واللائحة الطلابية كافيان لعقوبة أعضاء هيئة التدريس والطلاب سواء بالإنذار أو الفصل، بل معاقبة الأساتذة في بعض القضايا حتي لو تمت تبرئتهم من قبل القضاء مثل عقوبتهم لتواجدهم في أماكن الشبهات مثلاً- بحسب قوله. ويقول الأستاذ الدكتور عبدالمنعم زمزم أستاذ القانون بكلية الحقوق- جامعة القاهرة: أوجبت المادة الثامنة من القانون على كل من يريد تنظيم تظاهرة أن يخطر كتابة قسم الشرطة المختص قبلها بثلاثة أيام عمل على الأقل مع تضمن الإخطار خط السير وموعده وموضوعه وأسماء المنظمين، وإلا تعرض المخالف للعقوبات، مثلما حدث في مظاهرات مجلس الشوري الأخيرة. ويضيف زمزم «يثير هذا الوضع التساؤل عن التظاهرات اليومية التى تشهدها الجامعات المصرية، حيث تتم بدون إخطار، وهو ما يجعلها تظاهرات غير شرعية- وفقاً للقانون الحالي لعدم القيام بالإخطار الذى يتطلبه القانون». ويستكمل أستاذ القانون حديثه «رغم أن أحكام القضاء تحظر دخول الشرطة إلى الحرم الجامعى فإن ذلك لا يعفى المنظمين لأية تظاهرة فى الجامعة من ضرورة إخطار قسم الشرطة المختص وإلا كانوا عرضة للعقوبات، والسبيل الوحيد أمام الشرطة – من الناحية القانونية – فى ذلك الوقت هو تعقب المخالفين بعد خروجهم من الحرم الجامعى. ويضيف زمزم: ورغم الاعتراض على صدور قانون التظاهر فى هذا التوقيت بالذات فإن عدم تطبيقه على الجامعات يجعل منه مجرد حبر على ورق بالنسبة لها وكأنها جزر منعزلة عن الإقليم المصرى، وهو ما يعكس العجلة التى صدر بها هذا القانون دون مناقشة أو طرح مجتمعى كاف. ويري زمزم أن الخروج من المأزق يتطلب ثقافة ووعيا من الطلاب وتدريب الأمن الجامعي علي التعامل مع مثل هذه المظاهرات في حالة قيامها بأعمال العنف أو التخريب أو مخالفتها للقانون، إلا أن الجرائم الجنائية لها وضع خاص، حيث يستطيع الأمن الجامعي إلقاء القبض علي الجناة وتسليمهم للعدالة وأقسام الشرطة علي أن تكون اللائحة الطلابية وعقوبات الجامعة هي المطبقة في حالة ارتكاب المخالفات الدراسية. ويقول محمد بدران رئيس اتحاد طلاب مصر إن القضية لا تتعلق بتطبيق قانون التظاهر من عدمه داخل الجامعات بقدر ما تتعلق بوجود فئة من طلاب جماعة الإخوان المسلمين ويدعمهم بعض أعضاء هيئة التدريس يعملون علي تنفيذ مخطط إثارة ونشر الفوضي في الجامعات لإرباك الدولة. ويري رئيس اتحاد طلاب مصر أن قانون تنظيم الجامعات به من العقوبات ما يكفي لمعاقبة هؤلاء الطلاب دون تدخل الأمن أو الحرس الجامعي قائلاً «العقوبات في قانون تنظيم الجامعات تصل إلي الفصل من الجامعة في حالة الخروج علي الأعراف الجامعية، أما في حالة الجرائم الجنائية فهذا شأن آخر خاصة في حالات التلبس أو ما شابه ذلك».