بعد أن خرجنا مؤخرا من جدل مسودة الدستور وانتهى الأمر بالاتفاق عليها وتسليمها للرئيس المؤقت بدأت مرحلة جديدة من الصراع تتمثل في محاولة الاستحواذ على عقل المواطن المصري. وإذا كانت كل الجهود يجب أن تتجه لدعم الاستقرار الذي يمثله إقرار الدستور وتمريره وهو ما يجب أن يتم العمل على تحقيقه فإن جهود التيار المناوئ تسعى لتقويض هذه العملية في محاولة لإفشال عملية تمرير الدستور. وفي ذلك الصدد أعلن ما يسمى بتحالف دعم الشرعية رفضه التام لتعديلات دستور 2012 التي كانت قد انتهت منها لجنة الخمسين المكلفة بذلك. وبالرغم من هذا الرفض فلم يعلن ذلك التحالف الطريقة التي سيعبرون بها عن هذا الرفض؛ فقد اتجهت بعض الآراء إلى المقاطعة التامة، أما البعض الآخر يتجه إلى التصويت بلا، ثم الحشد الشعبي لما سيتوصلون إليه. غير أن الخبراء يرون أن تلك الدعوة لن تؤثر في اتجاه تصويت المواطن المصري الذي يبحث عن الاستقرار بعد سنوات ثلاث من التوتر، مؤكدين أن المواطنين لن ينساقوا وراء دعوات الإخوان مرة أخرى. واعتبروا أن المصريين يبحثون الآن عن الاستقرار والأمان؛ الذي لم يحققه لهم الإخوان أثناء صعودهم إلى السلطة وحتى بعد سقوطهم. وأشاروا إلى أن حزب الوفد والقوى السياسية الوطنية سيقومون بتنظيم عدد من المؤتمرات في القرى البعيدة عن العاصمة لتوعية المواطنين بالدستور وحثهم على المشاركة الإيجابية. وعن رأي حزب الوفد، أكد المهندس حسام الخولي عضو الهيئة العليا أن مصر وشعبها ليسوا ما يسمى ب «تحالف دعم الشرعية»، مشيراً إلى أن هذا التحالف هو مجرد جزء ضئيل من الشعب المصري وليس قوة مؤثرة، لافتا إلى قوة الشعب المصري التي أطاحت بالإخوان ونزول الملايين إلى ميادين الجمهورية. وقال: إن حزب الوفد سيقوم بدور فعَّال في مواجهة إصرار الإخوان على بقاء الدولة مهدمة؛ عن طريق عقد لجان الوفد في جميع أنحاء الجمهورية مؤتمرات جماهيرية في والنجوع خاصةً البعيدة عن العاصمة، من أجل توعية المواطنين بمواد الدستور بطريق مبسطة وحثهم على المشاركة الإيجابية. وأضاف الخولي: المواطنون البسطاء لا يريدون من الدولة سوى العيش الكريم والاستقرار والأمن، موضحاً أن تيار الإخوان لم يحقق لهم هذا المطلب أثناء فترة حكمهم؛ بل قفزت حدة التوتر الأمني وصولاً إلى الإرهاب بعد سقوطهم بأمر الشعب. وقال، لذا يجب على باقي القوى السياسية الأخرى من أحزاب وحركات سياسية القيام بدورهم الوطني في توعية المواطنين بأهداف ما يسمى «تحالف دعم الشرعية» في استمرار الإرهاب وعدم الاستقرار الأمني، عن طريق مقاطعة الاستفتاء الذي يؤدي بدوره إلى استكمال خارطة المستقبل والتحول الديمقراطي. واعتبر الخطوة التي أقدم عليها «تحالف دعم الشرعية» بمقاطعة الانتخابات خطوة طبيعية جداً؛ لأنهم من البداية غير معترفين بالثورة والسلطة الحالية، مؤكداً أن هذا الإجراء لن يؤثر إلا على الموالين للإخوان. ومن جهتها، ترى الدكتورة كريمة الحفناوي أمين عام الحزب الاشتراكي المصري أن ما يسمى بتحالف دعم الشرعية هو جزء من المؤامرة على استمرار البلاد في عدم الاستقرار، بالتعاون مع الدول الأجنبية على رأسها أمريكا وتركيا وقطر؛ معتبرة إياهم خونة للوطن. وأكدت أن هذا الفصيل يدفع النفيس والغالي من أجل بقاء البلاد في حالة الفوضى، اعتقاداً منهم أنهم يفشلون خارطة الطريق وبالتالي يثبتون أمام العالم أن ما حدث هو انقلاب وليس ثورة – على عكس الحقيقة. وطالبت الحفناوي جموع المصريين الشرفاء بالمشاركة الإيجابية في الدستور من أجل التأكيد أمام الرأي العام الدولي أن 30 يونيو ثورة شعبية؛ رداً على أكاذيب الإخوان. وشددت على ضرورة ألا يستجيب المواطنون البسطاء لمثل هذه الحملات المدسوسة على الوطن لتحقيق مصالح ومكاسب خاصة؛ وأشارت إلى أهمية وعي المواطنين لأكاذيب هذا التيار باسم الدين قبل صعوده إلى الحكم وتدميره للوطن بعد الإطاحة بهم. وفيما أكدت الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري أن الدستور الجديد يحمي دولة القانون ويحافظ على هوية الدولة الإسلامية ويحفظ للديانات الأخرى القيام بشعائرها؛ ويجرم إهدار الممتلكات العامة ويحافظ على الحريات والعادلة الاجتماعية. ولفتت إلى دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في النزول إلى الشوارع وتوعية المواطنين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور؛ قائلةً: «يجب على جموع المصريين الشرفاء المشاركة الإيجابية والفعالة في الدستور، كما يجب غض الطرف عن بعض المواد التي نختلف معها من أجل الوصول إلى الاستقرار»، مشيرةً إلى استحالة توافق جميع المصريين على جميع مواد الدستور ولكنه في المجمل مقبول جداً. ولم يبد جمال أسعد المفكر القبطي والمحلل السياسي تعجبه من الدعوة الشاذة لتحالف دعم الشرعية، معتبراً هذا التحالف يبحث من البداية عن كل ما يضر الوطن من أجل الوصول لما فيه مصلحته. وقال: إن رفض هذا التحالف للدستور والحشد ضده بالتأكيد هو نابع من رفض خارطة المستقبل والاستقرار الذي يبحث عنه المواطن الغلبان. وأكد أن «دعم الشرعية» المنبثق عن الإخوان المسلمين ليس من مصلحته تمرير الدستور؛ لأنه سيؤكد دولياً أن 30 يونيو ثورة شعبية وبالتالي يخسر الإخوان القضية التي يتاجرون بها دولياً. وطالب المصريون الذين خرجوا في 30 يونيو بالمشاركة في الاستفتاء والتصويت لصالح الثورة وخارطة المستقبل، لتلقين الإخوان درساً لن ينسوه طوال حياتهم. وأعرب أسعد عن اعتقاده بأن ممارسات الإخوان بعد 30 يونيو ستجعلهم لا ينساقون خلف دعوات الهدم، خاصة أن وجود الإخوان في السلطة أو خارجها لا يحقق للدولة استقرارها بأي شكل كان.