بعد كابوس مظلم مرير كاد يجعل من دستور مصر مقصلة للأولاد ومجرمة في حق البنات ومفرمة لحق كليهما في غد أفضل ومستقبل أحسن ، بدت ملامح دستور جديد يعترف أن للأولاد والبنات الحق في حياة تليق بالأطفال وجديرة بحياة الصغار تلوح في الأفق، ولو نظرياً على الورق وحتى يقترن القول بالفعل. وكان الإشعار الإخواني ومعه حلفاؤه من تيارات الإسلام السياسي بالرفض التام لتحديد سن الطفولة في دستورهم الصادر في عام 2012 كافياً لإلقاء الضوء على مفهوم الطفل لدى الجماعات الدينية، ناهيك عن محاولات مستميتة للسماح القانوني بزواج الأطفال، والصولات والجولات في دوائر الحكم حول أهمية زواج الطفلة عقب بلوغها، حتى وإن بلغت في سن التاسعة. وبحسب المادة 70 في دستور الإخوان، لم يحدد سن الطفولة التي تكفلها الدولة وتحميها، وهو ما أثار الشكوك وفجّر المخاوف من مصير الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها مصر، وكذلك مصير الجهود الحكومية والأهلية التي بذلت طوال عقدين لمناهضة ظواهر مثل زواج الطفلة، وتسرّب الأطفال من المدارس، وعمالتهم، وغيرها. الدستور ذاته، الذي وصفته الجماعة حينئذ بأفضل دستور في التاريخ، اكتفى بحظر عمالة الأطفال في أعمال لا تناسب أعمارهم حتى سن التعليم الإلزامي. كما خلا النص من أي إشارة إلى دور الدولة في ما بعد سن التعليم الإلزامي في حماية الصغار من الانخراط في أسوأ أشكال العمل، التي تؤثر على صحتهم وأخلاقهم وتكوينهم النفسي والعصبي والجسدي وقد تؤدي إلى الوفاة. ولم يتضمّن دستور الإخوان حق الأطفال في المشاركة والاستماع إلى آرائهم في القضايا التي تمس حياتهم. وخلا من أي إشارة عن حماية الطفل من التمييز، لا سيما الطفلة وما يلحق بها من زواج مبكر وختان وتسرّب من المدرسة. وبالطبع لم يكن للطفل المصري، في دستور 2012، حق منصوص عليه في الكرامة الإنسانية والحماية من العنف والإهانة، أو حمايته من الإتجار والاستغلال بأنواعه. ويبدو إن الجماعة تحلّت ببُعد النظر والحكمة في هذا الشأن، إذ دارت الأيام ووجدت نفسها تستغل الأطفال كظهير بشري لها وورقة رابحة لمشروعها وواجهة مثيرة لترويج نفسها للغرب. فإحدى أهم ركائز تظاهرات الإخوان واعتصاماتهم ومسيراتهم ووقفاتهم منذ «انقلاب الإرادة الشعبية» على الدكتور محمد مرسي هم الأطفال، سواء أولئك الذين سلمتهم أمهاتهم أكفانهم يحلمونها في الاعتصامات، أو أقرانهم الذين استدعوا من دور الأيتام لزوم المتاجرة بالأطفال في مقابل ملابس جديدة، أو أبناء الإخوان والأخوات من رافعي شارات رابعة والهاتفين بسقوط الجيش والشعب المصري. «صديقة» الشعب المصري الذي يستعد للاستفتاء على دستور مصر الجديد 2013 يجد نصوصاً مختلفة شكلاً وموضوعاً في ما يختص بالطفل وحمايته، وليس مجرّد كائن ينتظر من حوله بلوغه بغرض الزواج أو الزج به في سوق العمل طلباً للمال، مع ضرورة إقصاء أي نصوص تمنع الرق والعبودية والإتجار في البشر ضماناً للاستغلال وحرصاً على الانتفاع. وينتفع أطفال مصر وذووهم ومجتمعهم (على الأقل نظرياً) بنصوص دستور 2013 (في حال الاستفتاء عليه ب «نعم») وذلك بعد ما اعترى الجميع شعور بأن أطفال مصر باتوا في خبر كان تحت حكم الإخوان. المجلس القومي للطفولة والأمومة، الذي تعرّض لمحاولات تمهيدية من قبل الإخوان للتخلّص من دوره أو تجهيزيه ل «أخونة»، ينكب على إعداد نسخة صديقة للطفل تحوي المواد الخاصة به في الدستور الجديد تحت عنوان «حقي في دستوري». وتقول الأمين العام للمجلس الدكتورة عزة عشماوي أن «حقي في دستوري» يتناول في شكل مبسّط المواد المتعلقة بالطفل في الدستور، 10 و11 و18 و19 و80 و 82 و84 و89 الخاصة بالطفولة والأمومة والصحة والتعليم والرياضة والموهوبين ومكافحة الإتجار بالبشر، وذلك من أجل توعية الأطفال بحقوقهم الدستورية. ووصفت عشماوي هذه النصوص بالظهير الدستوري الضامن لحقوق الأمهات والأطفال، مؤكدة أن مواد الدستور كلها تضمن عدم التمييز وتكافؤ الفرص وإتاحة الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وجودتها. وتلزم الدولة بتخصيص نسبة من الناتج الإجمالي تتصاعد تدريجاً لتتسق والمعايير الدولية للإنفاق على رفاهة الأطفال صحياً وتعليمياً وتربوياً. يذكر أن مواد مشروع دستور 2013 تضمن الحقوق الواردة في قانون الطفل وقوانين الأحوال المدنية العقوبات والتي تعتبر الدولة مسؤولة عن تفعيلها. وتنص المادة (80) على أنه «يعد طفلاً كل من لم يبلغ ال18 من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية. وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتأهيلهم وإندماجهم في المجتمع. وتلتزم برعاية الطفل وحمايته من أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري. وللطفل الحق في التعليم المبكر حتى السادسة من عمره. ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرّضه للخطر. كما تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجنى عليهم، والشهود. ولا يجوز مساءلة الطفل جنائياً أو احتجازه إلا وفقاً للقانون وللمدة المحددة فيه. وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين. وتحقق الدولة المصلحة الفضلى للطفل في الإجراءات التي تتخذ حياله. وتتضمن المادة (10) الأسرة والحرص على تماسكها، والمادة (11) المتعلقة توفير الرعاية الاجتماعية للأمومة والطفولة. وتنص المادة (18) على الحق في الرعاية الصحية وفقاً لمعايير الجودة، والمادة (19) على الحق في التعليم والتزام الدولة بتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. وتتناول المادة (82) كفالة الدولة رعاية الشباب والنشء واكتشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم وتمكينهم من المشاركة. وتضمن المادة (84) مزاولة الرياضة كحق للجميع واتخاذ ما يلزم واكتشاف الموهوبين رياضياً. وتحظّر المادة (89) كل أشكال العبودية والقهر والاستغلال والإتجار بالبشر. وعلى رغم إن ملايين من أطفال مصر مصنفين «أطفال شوارع» وغيرهم من «أطفال عاملين» وطفلات ضالعات في زيجات أقرب إلى الإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، وواقعات ضحايا عمليات ختان ومتسربات من المدارس وعاملات منازل، إضافة إلى غيرهم من أصحاب الحظ الأوفر الملتحقين بالمدارس حيث نظام تعليمي ينتظر النسف، أو المرضى من دون أمل في علاج آدمي، وغيرهم لن تحل مشكلاتهم بجرة نص دستوري، لكن سيسمح لهم على الأقل بالحلم المبني على أساس «الممكن» حيث الدستور ينص على حقوقهم. نقلا عن صحيفة الحياة