سنة 1919 كانت ألمانيا تلعق جراحات الهزيمة التي لحقت بها خلال أحداث الحرب العالمية الأولى التي دامت خلال الفترة 1914- 1918، وأدت، كما هو معروف، إلى سقوط وزوال الكيانات الإمبراطورية التي ظلت حاكمة خلال عقود القرن التاسع عشر ما بين إمبراطورية «آل عثمان» في «تركيا» إلى إمبراطورية «الهابسبورغ» في «النمسا والمجر» وإمبراطورية «آل رومانوف» في «روسيا» ثم إمبراطورية عائلة «غليوم» في «برلين». العمال الألماني بين ركام الهزيمة بادرت عناصر شابة إلى إعلان تشكيل سياسي جديد حمل الاسم التالي: حزب العمال الألماني. وكان الداعي إلى إنشاء الحزب الجديد مواطن ألماني اسمه «أنطون دركسلر» وهو حداد من سكان «ميونيخ». لكن سياسياً آخر دفعه الطموح إلى الشهرة والسلطة ما لبث أن تسلم مقاليد الحزب في عام 1921 ليخلع عليه اسماً جديداً وهو: «النازي». ومعناه: حزب العمال الوطني الاشتراكي الألماني. كان السياسي الطموح هو «أدولف هتلر» (1889-1945) وقد اصطنع للحزب إشارة خاصة ورمزاً شهيراً أحالوا فيه إلى كلمة تعود إلى اللغة السنسكريتية لغة الهند القديمة التي يعدها علماء فقه اللغات بمثابة اللسان الأم لكل أو أغلب لغات أوروبا التي يعرفها العلماء باسم اللغات الهندو- أوروبية. والكلمة الهندية هي «شفاستكا» وتنصرف إلى معاني الخير والرفاهية.. وقد طورها «هتلر» إلى «سواستكا» وجسدها في شكل الصليب المعقوف شعاراً للنازية. هزيمة هتلر ولأن الدنيا لا تدوم على حال.. فقد شاءت الأقدار أن يرتفع شأن «السواستكا» صليب النازية المعقوف خلال عقدي العشرينيات والثلاثينيات حين صعد إلى سدة السلطة في «برلين هتلر» وحزبه النازي وإلى حيث اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية من عام 1939 إلى عام 1945. بعدها جاءت هزيمة «هتلر» واندحار جيوشه ودمار ألمانيا، ومن ثم دارت الدائرة على كل ما كانت تمثله النازية من شعارات وإجراءات وأفكار وصراعات، ولدرجة أن أصبح هذا كله موضعاً للشجب وللملاحقة والمطاردة والإدانة التي بدأها عالم ما بعد الحرب حين نصبوا محاكمات شهيرة لزعماء النازية الكبار في «نورمبرغ» على مدار الفترة 1945 1946، حيث أدين 24 من أعوان «هتلر» بوصفهم مجرمي حرب وصدرت بحقهم أحكام كانت تتراوح بين الإعدام والسجن المؤبد. الهروب إلى أمريكا لكن أعداء النازية ظلوا يرفعون شعارات كان من بينها ضرورة ملاحقة من هرب من زعمائها أو من اختفى متنكراً عن الأنظار أو من انتحل شخصية مغايرة وكان الكثير منهم قد بادروا إلى عبور المحيط الأطلسي الجنوبي هرباً ولجوءاً إلى بقاع شتى من قارة أميركا اللاتينية. ثم مضت السنوات الطويلة.. وتدفقت في الأنهار الأوروبية مياه بغير حصر على مدار الفترة الفاصلة بين اندحار هتلر وبين زماننا الراهن، وقد كادت الآن تشارف سنوات السبعين. ذلكن ها هي الصحافة العالمية تعود كي تذكّر قراءها بأن من أعوان «هتلر» من امتد به العمر إلى حيث عايش السنوات المنصرمة من هذا القرن الواحد والعشرين. إريك برايبكي لهذا عمدت جريدة «النيويورك تايمز» الأميركية إلى نشر رسالة من العاصمة الإيطالية روما تفيد بوفاة الزعيم النازي السابق إريك برايبكي عن 100 عام بالتمام بعد حياة مثيرة حقاً، وكانت حياته انقسمت إلى فصول وملابسات درامية بكل معنى، حيث شهدت هروب برايبكي إلى الأرجنتين ومن ثم إفلاته من محاكمات «نورمبرغ» على مدار 45 عاماً أو أكثر.. وكان من المقدر أن يسدل خلالها الستار على ماضيه رغم أنه عاش في منتجع «سان كارلوس» المتاخم لجبال الأنديز وقد احترف تجارة مغايرة تماماً لماضيه، إذ كان يملك محل «جزارة» وإن ظل يحتفظ باسمه الحقيقي متصوراً أنه لم يعد من مبرر للتستر أو الإخفاء في مدينة لا يكاد يعرف العالم عنها شيئاً. جريمة قديمة لكن شاءت المقادير أن يكتشف وجوده، في مصادفة سيئة، طاقم من التلفزيون الأميركي كان يزور المدينة الصغيرة وأن يعلن عن وجوده، بل ويكشف تاريخه الذي أعاد إلى الذاكرة المعاصرة دوره في تدبير وتنفيذ قتل مجموعة من رجال وفتيان إيطاليا بلغ قوامها 335 فرداً لقوا حتفهم في الكهوف إعداماً بالرصاص وكان ذلك في مارس من عام 1944 حين كان المذكور أعلاه مسؤولاً بدرجة كابتن في منظمة الصاعقة النازية. في عام 1995.. نقلوا الكابتن النازي السابق إلى إيطاليا ليشهد سلسلة من المحاكمات التي انتهت بالحكم عليه سجناً مدى الحياة، ونظراً لسنّه المتقدم نفذوا الحكم بالحجز المنزلي في شقته غربي العاصمة روما. تختتم «التايمز» موضوعها بقولها إن بريبكي لم يصدر عنه حتى آخر لحظة من سنواته المائة أي تعبير عن الندم. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية