لماذا دائماً ما تتعدد الحكومات في الفترة التي تسبق أي ثورة.. ثم تتعدد أيضاً في أعقاب قيامها.. هل هي لحظة الميلاد.. أم هي لحظات البحث عن الطريق، للوصول إلي أفضل حكومة تدير البلاد.. أم هو القلق علي مصير الثورة والخوف من إجهاضها.. فسرعان ما تسقط الحكومات وتجيء الأحداث بحكومات أخري؟، هي كل هذه الأسباب مجتمعة. ولقد شاهدنا كل ذلك في كل ثورات شعب مصر.. من ثورة عرابي إلي ثورة 19 إلي ثورة 1952.. وحتي إلي الثورة المصرية الحالية.. وكلها - في رأيي - محاولات للبحث عن أفضل حكومة.. إذ كما نشاهد منذ 25 يناير 2011 تعدد الحكومات.. شاهدنا ما حدث في مصر مع كل هذه الثورات. ** إذ منذ ثورة 25 يناير أي في أقل من ثلاث سنوات شهدنا وعشنا حكومات الدكتور أحمد شفيق.. والدكتور عصام شرف.. والدكتور كمال الجنزوري.. ثم حكومة الدكتور هشام قنديل.. والولادة المتعسرة لحكومة الدكتور حازم الببلاوي.. وللأسف كان معظم هذه الحكومات تتولي فقط تسيير الأمور ولم تقدم شيئاً نافعاً اللهم إلا حكومة الدكتور الجنزوري. فقد شهدت فترة إرهاصات ثورة عرابي 6 حكومات.. وان حملت اسم نظارات، هي حكومات نوبار باشا وبالمناسبة ضمت 4 أشخاص فقط من 28 أغسطس 1878 إلي 23 فبراير 1879. ثم حكومة ولي العهد نفسه أي الأمير محمد توفيق وعاشت أقل من شهر، من 10 مارس إلي 7 أبريل 1879 ثم حكومة محمد شريف وعاشت من 7 أبريل إلي 5 يوليو 1879 أي أقل من ثلاثة أشهر.. ثم وزارته الثانية.. لتجيء بعدها وزارة توفيق الثانية وعاشت شهراً و4 أيام!! وجاءت بعدها حكومة مصطفي رياض التي عمرت عامين.. ** ولكن مع اشتداد ثورة عرابي أي بين عامي 1881 و1882 شهدت البلاد 4 حكومات، هي حكومة شريف باشا وعمرت أقل من 4 أشهر وخلفتها حكومة الثورة نفسها يوم 4 فبراير 1882 برئاسة محمود سامي البارودي وعاشت 4 أشهر فقط ودخلها عرابي نفسه وزيراً للجهادية والبحرية.. ثم حكومة اسماعيل راغب التي عمرت فقط أقل من شهرين وماتت في 21 أغسطس 1882.. وظل فيها عرابي وزيراً.. ثم جاءت حكومة شريف باشا الرابعة وعاشت من 21 أغسطس 1882 إلي 10 يناير 1884 وهي الحكومة التي وقع فيها الاحتلال البريطاني لمصر.. وتصبح السلطة فيها لبريطانيا. ** ثم حكومات ما قبل ثورة 19، فقد اندلعت الثورة يوم 9 مارس وكان بالحكم حسين رشدي، ثم حكومته الرابعة التي عمرت فقط أسبوعين من 9 ابريل إلي 22 ابريل 1919 ثم حكومة محمد سعيد وعمرت 6 أشهر 1919 وكذلك حكومة يوسف وهبة باشا التي عمرت أيضاً 6 أشهر حتي 21 مايو 1920 وحكومة توفيق نسيم وعمرت 8 أشهر حتي 16 مارس 1921.. ثم حكومة عدلي يكن وعاشت 9 أشهر حتي 24 ديسمبر 1921.. أي 6 حكومات.. يا تري ما هو سر رقم 6 هذا. ** وجاءت حكومات ما بعد تصريح 28 فبراير 1922 ليتغير رسمياً اسم الحكومة من نظارة إلي وزارة.. وهكذا شهدت مصر 3 حكومات هي عبدالخالق ثروت وعاشت 9 أشهر من 1 مارس إلي 29 نوفمبر 1922 ثم حكومة توفيق نسيم وعاشت شهرين وكام يوم. ثم حكومة يحيي إبراهيم وعاشت 10 أشهر من 15 مارس 23 إلي 27 يناير 1924 وهي الحكومة التي أدارت أول انتخابات برلمانية في مصر وكانت نزيهة للغاية.. ومن نزاهتها سقوط رئيس الحكومة نفسه يحيي إبراهيم، وكان هو أيضاً وزيراً للداخلية، سقط في هذه الانتخابات أمام شاب صغير من عائلة مرعي وجاءت بالزعيم سعد زغلول رئيساً لأول حكومة شعبية في تاريخ البلاد. ** والآن.. وقد شهدت مصر 6 حكومات منذ 25 يناير: هل عرفنا الطريق لكي يحكم الشعب بالشعب لمصلحة الشعب من أجل عيش وعدالة وحرية.. أو مازال الطريق طويلاً أمام تحقيق هذا الهدف.. وغداً نتحدث ونتساءل: هل يرتكب الفريق السيسي نفس الخطأ الذي وقع فيه الزعيم عمر مكرم، عندما رفض أن يصبح حاكماً لمصر وقال قولته الشهيرة: لسنا رجال حكم.. وسلم الحكم إلي محمد علي الذي سرعان ما نفي عمر مكرم نفسه إلي دمياط وظل فيها منفياً 10 سنوات ثم نفاه محمد علي مرة ثانية إلي طنطا.. تماماً كما نفاه الفرنسيون مرتين.. وهذا ليس مستبعداً من أي حاكم يأتي لحكم مصر.. وربما يكون ذلك هو نفس مصير الفريق السيسي.. نفسه.. غداً نروي الحكاية.