أمر مؤلم أن يصل بنا الحال إلى حد قيام عائلة مواطن وافته المنية لانقضاء الأجل الطبيعي، وليس في ساحة للمظاهرات أو غيرها من مواقف مقاومة السلطات، بطرد بعض جيرانهم من المعزين ومبادرتهم بالسب والشتائم وطردهم من سرادق العزاء قائلين: «بره يا بتوع السيسي» ليخرج هؤلاء وهم في قمة الحرج والألم. في الحقيقة، لو أن نظام محمد مرسي لم يذهب بنا سوى لتلك الحالة من الكراهية والنفور والانقسام حتى بين أفراد العائلة الواحدة لكفاه غضب ونبذ الشعب المصري له شخصياً ولنظامه ولأهله وعشيرته، واستحق عليه أقصى العقاب، ولا يمكن الاكتفاء بإسقاطه.. إنها جريمة أن تترك فترة حكمه وسنته السودة ذلك الأثر في النفوس إلى حد التغيير في ملامح فطرة المواطن المصري ،وهوالذي كان على الفور يغفر لجاره أية إساءة مهما تعاظم شأنها فور حضوره لمشاطرته لحظات الألم والحزن، وعادة ما تكون مثل تلك المناسبات سبباً في عودة الوئام بين المتخاصمين يفرضها الشعور العام في تلك اللحظة بجلال الموت وعبرته التي توجز حكمته آية قرآنية: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (آل عمران185)، وفي الحالة المسيحية تقول الآية: «لأنه ما هي حياتكم؟ إنها بخار، يظهر قليلاً ثم يضمحل» (يعقوب14:4)، وفي موقع آخر في سفر الجامعة: «رَأَيْتُ كُلَّ الأَعْمَالِ الَّتِي عُمِلَتْ تَحْتَ الشَّمْسِ فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ. 15 اَلأَعْوَجُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَوَّمَ، وَالنَّقْصُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْبَرَ. 16».. والموت وجلاله والتوقف عند حدث الموت باهتمام هائل واضح في الحالة المصرية، بداية من تشييد الأهرامات بأحجام مختلفة وفق قدر المتوفي كمدافن، وإقامة احتفالية بذكرى الأربعين وتتابع الزيارات للمقابر في ثقافات تالية والاحتفال بالذكرى السنوية، وفي الفولكلور المصري نجد شخصية «المعددة» التي تقوم بسرد محاسن المتوفي في بكائيات تستدعي نحيب الحضور لإعلاء مكانة المتوفي والمبالغة في تقييم قدر الخسارة بفقدان الراحل، وفي تراثنا الشعبي أيضاً شخصية «الراوي» الذي «يجعل من شخصية المتوفي حدوتة تُحكى على الربابة: «اعدلنى على القبلة الزين يا اسمر.. اعدلنى على القبلة الزين، عيونى قد سيل دماها وميل شهق شهقتين الروح وصلت مولاها». وأدعوك عزيزي القارئ للتمعن في دلالات ذلك الخبر «أمرت نيابة شمال الجيزة الكلية، برئاسة المستشار محمد أباظة، بحبس 15 متهمًا جديدًا لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات معهم، بتهمة تورطهم فى «مجزرة» قسم شرطة كرداسة، التى راح ضحيتها 11 ضابطاً ومجنداً بعد فض اعتصامى ميدانى نهضة مصر ورابعة العدوية، و قال نصر الزينى، سلفى جهادى تكفيرى، فى أقواله أمام النيابة عندما تمت مواجهته بصور الفيديوهات التى أثبتت إمساكه بشاكوش أثناء الهجوم على مبنى كنيسة الملاك ميخائيل، وظل يحطم فى أحد الصلبان المعلقة على بوابة الكنيسة: «إن ما حدث جهاد فى سبيل الله، ولازم نطهر الكنيسة من النجاسات».. وأضاف المتهم: «قمنا بإطفاء الحريق بعدما تم إشعاله فى مبنى الكنيسة بأكملها خشية وصوله إلى بيوت المسلمين الملاصقة للكنيسة، التى تقع فى حارة ضيقة للغاية، ولولا ذلك لتركناها، وعلاقتى بالحادث نابعة من أنه جهاد فى سبيل الله وحده».. واعترف وشقيقه «محمد»، المتهمان الرئيسيان فى مجزرة كرداسة بالواقعة، وقالا إنهما حرضا على حرق قسم الشرطة، وليس قتل الضحايا، وأنكرا الفيديوهات التى وثقت قيامهما بقتل الضباط والتمثيل بجثامينهم، كما اعترف محمد أحمد ناصر بتواجده فى محيط القسم، حيث ظهر فى الفيديوهات التى تسلمتها النيابة وهو يقوم بعمليات القتل والسحل، وقال: «كنت موجوداً فى مكان القسم فقط، لكننى لم أقم بقتل أحد بنفسى على الإطلاق». وقالت عزة عبدالجواد، المتهمة بسكب المواد الحارقة على جثامين الضحايا: «مش عارفة عملت ليه كده!». نعم أصدق عزة، وصدق المثل الشعبي «الدّوْى على الوِدان أمَرّ من السِحْر»، فالخطاب الديني الخاطئ المُلبس الحق رداء الباطل والعكس، الذي يتسلل ويتوغل مخترقاً عقول وأفئدة البسطاء يجعلهم بفعل سحر شياطين الدوي المتكرر لا يسألون قبل الفعل حتى أنفسهم عن سبب واحد مفهوم للقيام بتلك الأفعال، ومهما كانت حماقة وجرم ما يقدمون عليه، وانتفاء وجود سبب واحد منطقي يبرر الفعل الإجرامي المنهي عنه في كل الكتب السماوية والأعراف والسلوكيات المصرية الفطرية. وعليه فإنني أرى حكمة وصواب القرار الذي أصدره الدكتور وزير الأوقاف، بمنع إقامة صلاة الجمعة في المساجد والزوايا التي تقل عن 80 متراً وقصرها على المساجد الكبرى، وأن يكون الخطباء من الأزهريين فقط، فكان إغلاق أكثر من 2080 مسجداً وزاوية في صلاة الجمعة، وإلغاء تعاقد 2187 إمام غير أزهري حتى الآن، كما تم الإعلان وفقاً لبيان الأوقاف الذى تم توزيعه على مديريات الأوقاف بالمحافظات، عن فتح باب التعاقد لخريجى الكليات الأزهرية لسد العجز فى الأئمة.. أيضاً تعميم تعليمات وضوابط بشأن مواصفات خطاب الجمعة.. تحية لفاعلية وزير قرر المواجهة.