أبداً ... لم تخرج الملايين الثائرة في الثلاثين من يونيو لتصنع ثورة جديدة تلغي بها ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، فما كان يوم الثلاثين من يونيو إلا موجة تصحيحية، أرادت الملايين بها أن تعيد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلي مسارها الثوري الذي يحقق طموحات الشعب المصري في حياة ديمقراطية، فيما يؤكد أحقية الشعب المصري، صاحب أقدم دولة في التاريخ، في دولة مدنية حديثة، بعد أن لفظ المجتمع الدولي من بين طياته كافة أشكال الدولة الدينية، أو العسكرية، أو البوليسية. والتاريخ وإن كان يؤكد أن الثورات الشعبية لها توابع وأمواج تتوالي، إلا أنها تظل دائماً خاضعة لذات القيم التي نادت بها الثورة الأم، ولا يذكر التاريخ ثورة شعبية إلا وقد ألغت العمل بالثورة التي سبقتها، وقامت علي أنقاضها؛ ذلك أن الثورة الشعبية من شأنها أن تُسقط ما قبلها من ثورات شعبية، ومن ثم لا ينبغي تناول الثلاثين من يونيو بعيداً عن كونه موجة تصحيحية استردت بها ثورة الخامس والعشرين من يناير مسارها الثوري الذي حادت عنه جماعة رأت في الخامس والعشرين من يناير فرصة تقتنص بها الدولة المصرية. من جهة أخرى، فإن وصف الثلاثين من يونيو باعتباره ثورة جديدة، يُعد مغالطة منطقية لا ينبغي القبول بتمريرها، ذلك أن الثلاثين من يونيو لم يُحدث تغيراً جديداً وجذرياً علي القيم التي نادت بها ثورة الخامس والعشرين من يناير، فليس من شك أن الثورات الشعبية من شأنها إحداث تغيرات جذرية في القيم المجتمعية السائدة، ولا تقف عند حد تغيير القيادة والنظام الحاكم، وإلا تقلصت الثورة الشعبية إلي مجرد حركة انقلابية، وقد كانت الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية هي القيم الأساسية التي نادت بها ثورة الخامس والعشرين من يناير، وظلت هذه القيم العنوان الأبرز للملايين الثائرة في الثلاثين من يونيو. وبعد ... لا شك أننا أمام إشكالية ينبغي تناولها بشجاعة تُجنب الوطن مخاطر مراوحة مكانه دون المُضي قدماً علي طريق تحقيق الطموحات الشعبية، التي هي مشروعة دائماً؛ ذلك أنه يحلو للبعض ممن لم تعبر ثورة يناير المجيدة عن مكنون انتماءاتهم، ومصالحهم الذاتية، بيد أن التيار الثوري المتدفق جرفهم فبدوا وكأنهم في الطليعة من ثورة يناير، وهم في الواقع ليسوا كذلك، ومن ثم يدفعون الآن باتجاه اعتبار الثلاثين من يونيو ثورة جديدة، مستندين إلي أن الحكم الإخواني الذي رفضته الإرادة الشعبية في الثلاثين من يونيو هو من إفرازات ثورة يناير. والواقع أن ذلك يعبر عن حصر القواسم المشتركة بينهم وبين الإرادة الشعبية في إزاحة الحكم الإخواني فقط، دون الاعتراف بثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، وأمومتها المُشرفة للثلاثين من يونيو، بل وصلت القدرة علي تزييف الحقائق إلي الزعم بأن ثورة الخامس والعشرين من يناير تأتي في إطار مخطط أمريكي، نجحت الملايين في الثلاثين من يونيو في إفشاله، بينما هي الثورة الأم، التي بشر بها الوفد، وشارك في طليعتها، واعترف بها منذ يومها الأول، داعياً مبارك ونظامه إلي الرحيل استجابة لها.!!