جاء في جريدة الوفد 2 يونيو 2011 بمقال رئيس التحرير الأستاذ سليمان جودة ما يلي: »هوي الرئيس.. والجيش«، يطرح به طلب اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكري تضمين الدستور المقبل ما يحقق تأمين القوات المسلحة ألا تكون تحت هوي الرئيس القادم لمصر.. ويؤكد أن القوات المسلحة في النهاية هي قوات الشعب ومن هنا فهي تكتسب مكانة خاصة عند كل واحد منا. إن شعب مصر من أكثر الشعوب التي تعتز بجيشها وتحبه.. ونعلم أن مصيرها كشعب وجوداً وحياة وكرامة وحضارة وأمن.. أمانة في عنق قواته المسلحة.. وكلها كما نري متطلبات وأهداف سياسية في المقام الأول.. ومادام الأمر كذلك.. فما مدي مشروعية اشتراك الجيش وقدر ونوعية هذا الاشتراك في السياسة وعلاقة هذا الاشتراك بمدي تقدم وتحضر أمة ما؟! - وبعرض أكثر ديمقراطية يمكن طرح السؤال هكذا: ما مدي وقدر الضمانات الدستورية التي تكفل للقوات المسلحة - المؤسسة العسكرية عموماً - ألا تقع تحت سيطرة »هوي« الرئيس القادم كما ذكر اللواء ممدوح شاهين؟! فوضع السؤال علي هذا الشكل أدق من لفظ »اشتراك الجيش« لأن الاشتراك يعني تدخل سلطة »رابعة« مع السلطات الثلاث المكونة للنظام الديمقراطي الذي تسعي البلاد إليه بعد 25 يناير بعد غياب دام 59 عاماً. ذلك.. فتعريف النظام الديمقراطي كما جاء في شكله النظري أن السلطات المكونة لذلك النظام فقط: - السلطة التشريعية. - السلطة التنفيذية. - السلطة القضائية. وأن مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث تعرف الديمقراطية من خلاله علي أنها المساحة التي تتحرك فيها السلطات الثلاث دون أن تتعول إحداها علي الأخري.. وأن الدستور يوضح العلاقة بين تلك السلطات فهو يمثل الشرعية التي تحكم العلاقة بين الشعب وبين حكامه، حيث يرضي الشعب بقبول تلك الشرعية ما دامت تحقق مصالحه العليا وتحافظ علي مكانه وأصالته وتطمئنه علي حاضره ومستقبله. نعود ونتساءل: أين مكان المؤسسة العسكرية والإعلام بين السلطات الثلاث في النظام الديمقراطي؟ ذهب البعض لتسمية الصحافة بالسلطة الرابعة، ذلك ما لها - ووسائل الإعلام الأخري - من تأثير كبير لتكوين الرأي العام كقاطرة للفكر والوعي السياسي في البلاد وقد كانت للأسف سبباً مباشراً في إفساد الحياة السياسية، حيث سيطر عليها الحاكم »الديكتاتور« منذ عام 1952 وحتي 25 يناير 2011. أما بالنسبة للقوات المسلحة إنه ليس من الصعب علي الإدراك تأكيد أن تدخل المؤسسة العسكرية كان مهماً جداً في حالات ضعف الشعوب واضطراب الحالة السياسية والاقتصادية بالبلاد، حيث يتلاحظ أنه إذا كان الدور المنوط به القوي العسكرية في بلد ما كبير جداً، كوجود خطر دائم علي حدود الوطن يهدد أمن وسلامة أراضيه وكيانه أو وجود قلاقل داخلية خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع والأفراد علي حياتهم وعقيدتهم وممتلكاتهم فلابد أن ينعكس ذلك علي قدر ومدي اشتراك ونوعية هذا الاشتراك للقوة العسكرية في إدارة شئون البلاد. والأمر واضح في ثورة 25 يناير حيث إن جيش مصر هو الذي حمي هذه الثورة وأنه اليوم يقوم بعبء إدارة البلاد حتي يتم التسليم الآمن للحكم المدني إن شاء الله تعالي. كذلك ليس من المنطق ولا من المستساغ أن يقرر حزب حاكم في »نظام برلماني« أو »رئيس دولة« في نظام رئاسي الدخول في حرب أو التسبب في بدء مشاكل دولية تنتهي في آخرها إلي الزج بالجيش - والبلد كله - في حرب ضروس يكون وقودها هو ذلك الجيش المفترض أنه بعيد عن الحكم والسياسة؟! ذلك.. فالمنطق العادل يقتضي أنه بقدر تحمل الجيش تبعات أفعال وقرارات الحكومة والحاكم.. بنفس ذلك القدر يجب أن يشارك الجيش في اتخاذ قرار الحرب.. أقصد القرار السياسي وليس الفني العسكري فقط.. وقد كنا في عصر عبدالناصر لا يؤخذ الرأي السياسي للجيش ولا حتي الرأي الفني في إدارة المعركة أيضاً؟! فكانت نكسة 5 يونيو 1967 إنها مصادفة أن يكون التاريخ نفسه يونيو 2011 هو تاريخ نشر هذا المقال؟! إذن.. هناك قدر من المصلحة المشتركة بين الشعب وبين قواته المسلحة بعد 25 يناير 2011 في احترام الشرعية وعدم قبول الحاكم »الديكتاتور«؟! فالجيش لا يريد »ديكتاتورا« يزج به في حروب ومغامرات لا طائل من ورائها أو أن يستخدمه الحاكم كأداة قمع للشعوب المتطلعة للحرية والكرامة. وفي المقابل الشعب يريد أن يحمي نفسه من تسلط »ديكتاتور« يستخدم الجيش كأداة لقمعه والقضاء علي أحلامه في الحرية والاستقلال والكرامة. ذلك.. فأي ضمانات يطلبها الجيش في الدستور القادم للبلاد.. هي ضمانات للشعب نفسه.. وليست قيداً أو تنقص شيئاً من نظامه الديمقراطي.. بل هي علي العكس تعضد تلك الحرية وتحصنها وتمنع الحاكم من تحوله إلي »ديكتاتور« يتحكم في الجيش ليرهب به الشعب المغلوب علي أمره. تلك هي الضمانة التي يطلبها اللواء »شاهين« باسم المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية حتي يكون الدستور القادم محدداً للعلاقة بين الجيش والحكومة ورئيس الدولة ليكون الجيش لا وظيفة له إلا الحفاظ علي احترام الدستور والحفاظ علي سلامة وأراضي وكيان الوطن. أما من مازال يري أن تلك الضمانات التي تحافظ علي استقلال الجيش وكأنها اشتراك في الحكم علي أساس أن الجيش قد تحول إلي سلطة رابعة مع السلطات الثلاث الوحيدة في أي نظام ديمقراطي، فإن تلك الرؤي لم تعد من الصواب في شيء من الناحية العملية؟! ذلك فاشتراك الجيش كما ذكرنا في أول المقال سيأخذ شكل وضع منظومة في الدستور الجديد تحافظ علي عدم »تغول« أي سلطة من سلطات الحكم علي ضمانات استقلالية الجيش حامي الشعب.. وحامي البلاد.. وحامي الحكومة.. فكما بينا من قبل أن يحاول رئيس الدولة بصفته العسكرية - وهذا لن يتكرر مرة أخري إن شاء الله تعالي بعد 25 يناير - أن يتحكم في الجيش حسب هواه كما ذكر اللواء ممدوح شاهين.. وهنا يسمح لنا اللواء شاهين أن نذكر: - أكبر ضمانة يا سيادة اللواء أن يكون رئيس البلاد القادم رجلا »مدنيا«. - أخيراً.. عندما تصبح الشرعية وتصير أكبر قوة في البلاد سوف تنصلح الأمور كلها.. وستكون هي الضمانة للشعب وللجيش ولمصر.. عاشت ثورة 25 يناير.