تلوح فى الأفق بوادر خلاف بين القوى السياسية المدنية والشعبية حول خريطة المستقبل، وطريقة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بما يشبه الاقتتال على غنائم السلطة التى تركها الإخوان بعد ثورة الشعب عليهم فى «30 يونية» وإزاحتهم لإعادة تصحيح المسار الديمقراطى. لم يعد هناك خلاف على بدء خارطة المستقبل بدستورجديد لتلاشي فشل ما حدث بعد «25 يناير».. إلا أن الخطأ نفسه يتكرر بإجراء انتخابات برلمانية قبل الرئاسية لأسباب كثيرة يأتى على رأسها أن الانتخابات البرلمانية سواء كانت بنظام الفردى أو القائمة سوف تنتهى بكتل برلمانية من المؤكد أنها سوف يكون لها تأثير مباشر وتوجيه فى الانتخابات الرئاسية.. الأمر الثانى أن الانتخابات البرلمانية تحتاج الى استقرار تام فى المجتمع واسترداد أجهزة الأمن المنهكة لعافيتها تماماً حتى تستطيع مواجهة العصبيات وتيارات الإسلام السياسى التى ستحاول إفساد هذه الانتخابات حتى لا تخرج بشكل نزيه وحر وهو أمر يحتاج لوقت.. بينما الانتخابات الرئاسية تكون أقل حدة وعصبية، وأكثر تعبيراً عن سرعة التحول الديمقراطى أمام المجتمع الدولى الذى يتشدق بعض مغرضيه بعزل رئيس منتخب، وعندما يرى ملايين المصريين تخرج لاختيار رئيسهم الجديد سوف يخرس. على جانب آخر تكون هناك فرصة للأحزاب لاعادة ترتيب أوراقها بدلاً من التشبث بالقائمة. وتكون هناك مساحة من الوقت لاختيار النظام الأنسب لهذه المرحلة لأن كلا النظامين لهما مزايا وعيوب أيضاً.. فالقائمة تخدم الأحزاب خاصة الضعيفة، وأيضاً تدفع بعدد من النخبة المسيسة والمتقفة الى البرلمان كما تسهم فى التمثيل الجيد للأقباط والمرأة.. وفى المقابل تشكل خطورة فى إعادة إنتاج تيار الإسلام السياسى من خلال قوائم أصلية واحتياطية بدعم المال الغزير وأيضاً استخدام الدين وهما عنصران مؤثران فى الريف والصعيد، كما أن القائمة تحد من اختيار المواطن، ومن ترشح بعض الشخصيات التى لا تنتمى الى أحزاب فى الوقت الذى تدخل فيه شخصيات تحت ستار القائمة رغم سطحيتها الفكرية والسياسية. وفى المقابل نجد أن الانتخاب بالنظام الفردى له مميزات أهمها أنه معبر حقيقى عن اختيار الشعب،ويلاحظ هذا فى تنوع الشرائح تحت قبة البرلمان، كماأنه يحد من عودة تيار الإسلام السياسى وهذه أهم ميزة فى هذه المرحلة.. وفى المقابل فإنه يمكن أن يكون باباً لعودة بعض أعضاء الحزب الوطنى السابق ورجال المال والأعمال. الأهم من كل هذا وبعيداً عن النظرة الانتهازية لكل فصيل علينا أن نسأل أنفسنا وبكل صراحة.. هل تتحمل مصر الآن مزيداً من الانقسام والتشتت فى ظل ما يحاك لها من مؤامرات خارجية وإرهاب داخلى؟! وهل أصبح الشعب المصرى الذى يضم بين شرائحه نسبة كبيرة من الأمية والفقراء ملماً بالثقافة الديمقراطية حتى ندخله فى نظم معقدة يستفيد منها الانتهازيون؟!.. أيضاً هل فى مصر الآن أحزاب تستطيع أن تحصل على أغلبية فى البرلمان، وتستطيع أيضاً تشكيل حكومة لإنقاذ مصر ومواجهة كم المشاكل الهائل فى هذه المرحلة؟! باختصار.. المصالح الضيقة تهدد مصر ويمكن أن تعيدنا الى نقطة الصفر كما حدث بعد ثورة 25 يناير، وعلينا أن نعلى المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار وأن نحترم إرادة الملايين الذين خرجوا فى موجات بشرية أكثر من مرة، وكانت توجهاتهم واضحة بجلاء فى مواجهة تجار الدين والمال والسياسة حتى لا نعود مرة أخرى الى حكم ديكتاتورى أو حكم فاشى.